أماني الزعيبي: عندما يعلن الشاعر اكتمال قصيدته يموت مشروعه

النشرة الدولية –

العرب – محمد الحمامصي –

تشهد تونس حراكا شعريا مميزا في السنوات الأخيرة يقوده جيل جديد استفاد ممّا سبقه من حركات وأسس له مسارا قرب القصيدة من مناخات غير مألوفة، وفتحها على تراثها وحاضرها في آن واحد. من هؤلاء الشاعرة أماني الزعيبي التي كان لـ”العرب” معها هذا الحوار.

تتجلى في قصيدة الشاعرة التونسية أماني الزعيبي بساطة اللغة والقدرة على الإمساك بتلابيب المعاني وتشكيلات الصور، لتقدم مشهدا متسع الدلالات، وكونها تشتغل بالفلسفة حيث تعمل أستاذة في قسم الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس، وتمارس الترجمة، فقد كان لذلك تأثيراته على رؤيتها الشعرية التي تنسج ما يعتمل في الذات انطلاقا من بصيرة متقدة بما يجري في محيطها الإنساني.

الزعيبي التي تكتب القصيدتين العمودية والتفعيلية تسعى لأن تنفتح من خلالها على حيوات الروح والجسد.

 

تتمتع الشاعرة بحضور متميز في الملتقيات التونسية والعربية الشعرية والعلمية المتخصصة في الفلسفة، وتشارك في تنظيم العديد من الملتقيات، حصلت على الكثير من التكريمات والجوائز وشهادات التقدير، ونشرت قصائدها في مجلات تونسية وعربية، ومن أعمالها الشعرية “قافية لآخر المعجزات”، و”سيرة الأضواء”، ومن ترجماتها رواية “أورانوس” لمارسيل إيميه. في هذا الحوار معها نتعرف على تجربتها وما تحمله من رؤى وأفكار.

تقول الزعيبي “في البداية كان الشعر ثم درست الفلسفة، ثم حاولت خوض غمار الترجمة. الشعر رفيقي الدائم، لي في سمائه بعض النوافذ أطل بها على العالم، وأحلق في فضاءاته الحية. ظهرت ملامح موهبتي منذ الطفولة، وتحديدا في تعلقي الكبير باللغة العربية، وبالمطالعة والقدرة على التعبير والوصف والحكي. كنت أدون في دفتري كل ما أعيشه، أحاسيسي، أحلامي، ذكرياتي.. صقلت موهبتي مع دراستي في شعبة الآداب، بدأت أكتب الخواطر وبعض الكتابات المنثورة والقصص، أسمي هذه المرحلة في مسيرتي ‘مرحلة الانفعال’، وفيها تكتب ما يخالجك دون قواعد وأحيانا دون وعي بضرورة تعلم مقاليد الشعر”.

وتضيف “بعد ذلك وجدت كوكبة من الشباب تعرفت عليهم في الجامعة، لهم نفس شغفي الشعري ونفس أحلامي، وما أجمل أن نتشارك الأحلام والشغف، نشطنا معا في ورشات شعرية وأصبحنا نداوم على نشاطاتنا الثقافية، تعلمنا العروض، نستمع إلى كتابات بعضنا البعض. هذه المرحلة التأسيسية لمسيرتي، وجدتني أنغمس في الكتابة وفقا للقواعد والأسس الأولى، أقرأ أكثر وأخصص وقتا كبيرا للشعر والعمل على تطوير ذاتي. كانت عنايتي بالشعر متوازية مع دراستي للفلسفة، نجحت فيها وتألقت، كنت الأولى في قسم الفلسفة بصفاقس لخمس سنوات، ثم واصلت أطروحة الدكتوراه التي تحصلت عليها سنة2021”.

وتتابع الزعيبي “ما تعلمته من الفلسفة هو أن أتساءل وأن أرابط في المعنى، أن أعمق وجودي وأن أترك أثرا. والشعر أثر حي، أثر للذين أتعبهم الوجود، للذين يعصرون كروم العالم بمهارة، لمن لا صوت لهم. وحده الشاعر قادر على نقش الأثر بريشة اللغة. أما الترجمة، درستها في الجامعة عند أساتذة مشهود بمهارتهم، والآن أحاول أن أطبق ما درسته. ما زلت في البدايات وما زال أمامي الكثير. الترجمة ضيافة لغوية مغرية، تحتاج كثيرا من الجهد والمثابرة”.

وتؤكد الشاعرة أن “الدراسة الجامعية لا تصنع شعراء، ربما تصنع ناقدا أو باحثا جيدا أو روائيا أو لغويا أو مترجما. أغلب الشعراء الكبار ليسوا دكاترة في الجامعة، منهم من هو عصامي التكوين، ومنهم من له مهنة علمية. ربما تساعد دراسة الأدب في صقل الموهبة ولكنها لا تنجب شاعرا حقيقيا”.

وتضيف الزعيبي “اخترت الفلسفة لأني أحببت مساراتها الغائرة، التي يمكن أن تقودني إلى أعماق الشعر الصافي. عالم الفلسفة عالم سحري، لا تستطيع السباحة فيه مرتين لأنَ مياها جديدة تأتي إليه باستمرار. قادتني الفلسفة إلى سبر أغوار العقل، إلى البحث في ممكناته، إلى نقده ومحاكمته. الفلسفة إبداع للمفاهيم مثلما أخبرنا الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز، ولكنها إبداع جمالي وفني مثلما ذهب إلى ذلك أدورنو. ربما كان هولدرلين محقا في صوغه البارع لأناشيد الفلسفة الشعرية، هناك حيث ولى وجهه لنهر الرين. تحتاج الفلسفة إلى صرخة الشعر، لتكسر غرور العقل”.

وترى الزعيبي أن “الشعر ليس مفهوما، الشعر مسارات ومنعطفات وفضاءات، الشعر عوالم ممكنة، كل شاعر له فضاءاته، وحقوله الشعرية. طبعا القصيدة العربية مرت بمراحل مختلفة من العمودي إلى الحر وصولا إلى النثر. ونجد مدارس شعرية كبيرة ساهمت في هذا التطور يطول الحديث فيها. بالنسبة إلي بدأت قراءة الشعر مبكرا، بدأت بالشعر الجاهلي والأموي والعباسي (المتنبي، أبوفراس الحمداني والمعري وابن الرومي وابن الفارض..) والشعر الأندلسي مرورا بالشعر الحديث وصولا إلى المعاصر”.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى