طائر القُمري
ريم قمري
النشرة الدولية –
أحب السفر كثيرا، كأني ولدت على ظهر راحلة، أو في سفينة تمخر عباب البحر، أو طائرة ، أو أي وسيلة من وسائل النقل القديمة و الحديثة.
هكذا أنا مسكونة بروح السفر ، بي رغبة دفينة و قوية تحرك داخلي مشاعر مختلطة من حنين و شوق و فضول للترحال و اكتشاف بلاد جديدة لم بسبق لي من قبل زيارتها.
يتملكني شعور غريب و مبهم، و كأن نداء السفر و الرحيل اذا ما أطلت المقام و السكون، يصهل بل يعوي داخلي.
انها ربما استجابة ، لقوة خفية داخلي تصرخ بي لالبي نداء الترحال.
و قد يفسر هذا أيضاً بعامل الوراثة و الجينات، وقد انعكس على اسم العائلة ، و هذا يعود الى تاريخ قديم، كان جدي رحمه الله ، يطنب في الحديث عنه حين كنا صغارا، نتحلق حوله انا و اخوتي و أبناء عمي، كلما جاءوا في زيارة.
كانت عينه السليمة تألق ببريق غريب و هو يعدد مناقب جده، حتى العوراء كان يتهيأ لي أنها أيضا تلمع ببريق خاص حين يبدأ حكايته عنه.
و كان جدنا الأكبر فارسا لا يشق له غبار ، يشق البلاد شرقا وغربا و هو على صهوة مهرته الصهباء، وكان لا يقر له قرار. يركب الريح بمعية فرسه و لا يترك خلفه أثرا، هو ابن الجبال الشامخة ورث عنها صلابتها ، يحب السفر و هو ما جعل أبناء عرشه يطلقون عليه لقب ” القُمري” كناية بطائر القُمري ، وكان مثل الطائر يصعب الإمساك به لانه لا يحب الركون و البقاء في مكان و معين و يكره الاستقرار،
لم يكن بدويا بالمعني التام للكلمة ، كان صاحب أراضى كبيرة و ممتدة، أي أنه كان من كبار الفلاحين في منطقته و كان شجاعا مهاب الجانب، لم يدخل حربا الا و كسبها ، يجيد المنازلة بالسيف ، و عن مهاراته كفارس، و في هذه النقطة تحديدا كان يختلط الحقيقي بالخيالي، و الواقعي الأسطوري، كان يطنب جدي في وصف مناقب جده ، الذي نازل بمفرده حملة أرسلها الباي للقبض عليه و هزمها منفردا، و عن تميمة تسمى ” حزب المرجانة” شق اعلى ذراعه و خاطها فيها و هي التى كانت تحميه وتمنحه قوة جسدية مهولة.
اتخيله كثيرا في صغري ،و ارسم له عدة صور في خيالي، لم أنجح في رسم صورة كاملة و ثابته له، تخيلته عملاقا بشارب كثيف، أحياناً أشقر مثل جدي ، و حينا أسمر كما أفضل.
سيرته كانت تؤثث طفولتنا، و موته ظل بالنسبة لي دليلا على ان من يصاب بلعنة السفر و التحليق حرا يموت اذا ما سجن داخل قفص السكون و الاستقرار.
الخيانة هي الوجه البشع للحياة ، هي من جعلت ابن عمه يحتال عليه بخدعة قذرة و يغافله و هو نائم في مخدعه ، و يسهل دخول عناصر من صبايحية الباي ، ليقبضوا عليه و هو نائم.
لم يتحمل الطائر الحر السجن، و لو لليلة واحدة فمات داخل الزنزانة قبل ان يمثل أمام الباي، داخل سجنه مات حرا كما كان دائما، طائرا يفرد جناحيه و يحلق عاليا في السماء.
أنا حفيدة حفيده ، احمل كنيته و احمل أيضا دمائه تسري داخل دمائي، لذلك كلما ناداني إله الرحيل لبيت النداء و حلقت كما يفعل طائر القُمري.
أغلقت مكالمة الواتس اب مع صديقتي ليلي من مارسيليا، بعد ان تحدثنا طويلا عن زياراتي لها قبل ان تكبلنا سلاسل الكرورنا اللعينة، و اقترحت علي أن آتي لزيارتها بداية هذا الصيف، قالت لي تعالي بالطائرة، بداية شهر جوان ، و نعود معا لتونس عبر البحر، أنت لم نسافري من قبل بحرا ، سيكون اكتشافا جميلا و ستحبين ذلك.
دغدغ كلامها عصب السفر داخلي ، قلت لها سافكر جديا في الموضوع، بدا لي ممتعا ان اتحدي دوار البحر، و اسافر على ظهر المالح.
رجعت أتأمل صوري بمدينة مارسيليا قبل سنوات، كلها مخزنه في ذاكرة “جوجول ” للصور، و ابتسمت لفكرة اضافة مجموعة جديدة من الصور قريبا ربما.