المصارف اللبنانية تلوح بالإفلاس… لا تملك السيولة!
النشرة الدولية –
لبنان 24 – نوال الأشقر –
مجاهرة أمين عام جمعية المصارف فادي خلف بأنّ “المصارف لا تملك السيولة” قد لا يشكل خبرًا جديدًا. فعليّا، عجزُ المصارف عن تحويل الأموال لزبائنها في الخارج، والتقنين تجاه الداخل، هو ترجمة فعليّة لعدم امتلاكها السيولة، وهو إجراء جامع اعتمدته المنظومة المصرفيّة في تعاملها مع المودعين منذ احتجاز ودائعهم، بدءًا من تشرين عام 2019 ولغاية اليوم، باستثناء ما ردّته بقوة السلاح، لعدد قليل من المودعين، الذين اقتحموا فروعًا مصرفيّة، وحصلوا على وديعتهم، أو على جزء منها، فراش دولار.
إعلان إفلاس؟
قراءات مختلفة لكشف المصارف فقدانها للسيولة، البعض اعتبر أنّ ذلك بمثابة إعلان إفلاس، يليه التوقف عن الدفع، ويستلزم البدء بتقييم موجودات المصارف من ضمن إعادة هيكلة القطاع المصرفي، والتي باتت حاجة ملحّة. والبعض الآخر وضع البيان في إطار جس نبض الشارع والقضاء والسلطة معًا، خصوصًا أنّ الكباش المصرفي- القضائي يتفاعل، وينذر بالمزيد من الإحتدام، وقد واجهته المصارف بالدخول في إضراب مفتوح اعتبارًا من 14 آذار الحالي، اعتراضًا على من صدر من “قرارات قضائية تعسفية جديدة، عادت تكيل بمكيالين، فتلزم المصارف بقبول تسديد الديون العائدة لها بالعملة الاجنبية بذمة المقترضين بشيك مسحوب على مصرف لبنان او بالليرة اللبنانية على أساس سعر صرف 1,500 ليرة للدولار الواحد، فيما تلزم المصارف بتسديد او بتحويل الودائع بالعملة الأجنبية نقداً وبنفس العملة ولصالح بعض المودعين على حساب المودعين الآخرين”، مطالبةً باتخاذ “التدابير القانونية السريعة، لوضع حدّ لهذا الخلل في اعتماد معايير متناقضة في اصدار بعض الاحكام”.
للمرة الأولى نزاع بين مصرف لبنان والمصارف
لكن الخطورة أنّ الأزمة المصرفيّة لا تقتصر على الشق المتعلّق بالقرارات الصادرة عن القاضية غادة عون، والتي ترى فيها المصارف تجاوزًا لصلاحيات الأخيرة، ونهجًا كيديًا بخلفيات سياسيّة، بل تذهب الأمور نحو تجاذب هو الأول من نوعه منذ بدء الأزمة، بين المصارف من جهة ومصرف لبنان من جهة ثانية، وهو تطور حديث لا بدّ من التوقّف عنده، لما له من تأثير على مجمل المشهدية المالية، وعلى مصير الودائع. الكباش بين المصارف والمركزي يتمحور حول أموال المصارف الموظّفة لدى مصرف لبنان بالدولار، أي أموال المودعين. فحاكم المركزي رياض سلامة يقول إنّه ردّ كل أموال المصارف بالدولار، بالإضافة الى 30 مليار دولار بين عامي 2017 و 2022، وأنّه لا يزال يمدّ المصارف بالدولار الاميركي من خلال التعاميم 185 و 161 ومنصّة صيرفة. لجمعية المصارف رأي آخر، وقد ردّت في بيانها على الحاكم مؤكّدة أنّ “أموال المصارف موظَّفة كودائع لدى مصرف لبنان، وقد بلغت ما يقارب 86.6 مليار دولار في منتصف شهر شباط حسب ميزانية مصرف لبنان”. في هذه الحال، كلّ من الفريقين يرمي الكرة في ملعب الآخر، عمليّا أين أموال الناس، في المصارف، أو لدى مصرف لبنان؟ وكيف تصبح الأرقام وجهة نظر؟
بلغة الأرقام، يحيلنا النائب السابق لحاكم مصرف لبنان الدكتور غسان العياش إلى جدول يفنّد الميزانيّة العموميّة للبنوك التجارية، تنشره جمعية المصارف على صفحتها، من ضمنه الودائع لدى البنك المركزي، والتي بلغت 158,984 مليار ليرة لبنانية في نهاية كانون الأول عام 2022، بانخفاض 3.2% من كانون الأول عام 2021 حيث بلغت في حينه 164,277. “الجدول صادر عن مصرف لبنان، وأرقامه تظهر أنّ المصارف أودعت أموالًا في المركزي، وفي حال كان الرقم الوارد في الجدول صحيحًا، هذا يعني فعليًا أنّ هذه الأموال أو الموجودات الواردة فيه موجودة في مصرف لبنان، وفي حال كان الأخير غير مفلس، فهذا يعني أنّ المصارف بدورها غير مفلسة. بالتالي المعضلة متّصلة بالقطاع العام والدولة”.
المسؤولية مشتركة
قد يعتبر البعض أنّ الكباش الجديد بين مصرف لبنان والمصارف، هو تبادل للأدوار بينهما، أمام المودع المتفرّج، حيال الجهة المسؤولة عن إعادة الودائع، كنوع من تضييع المسؤولية. لكن ذلك لا يلغي حقيقية يدركها الجميع في لبنان، خلاصتها أنّ المصارف أودعت الجزء الأكبر من الودائع بالعملات الصعبة في المركزي، طمعًا بالفوائد العالية، وفي ذلك خطيئة كبرى، كونها جازفت بأموال الناس، ولم تأخذ المخاطر الكبيرة في الحسبان. والمركزي بدوره تصرّف بها وأقرضها للدولة، وقد أنفق على قطاع الكهرباء وحده ما يزيد عن 43 مليار دولار، ذهبت هدرًا، وبذلك يتساوى بالمسؤولية مع المصارف في تبديد أموال المودعين.
بالمحصلة نحن أمام مرحلة جديدة، فيها من الضبابية ما يكفي، لتزيد المشهدية المصرفيّة إرباكًا، أولى مؤشراتها السلبيّة تمثلت بمعاودة الدولار مساره التصاعدي. أمام الحلقة الجهنميّة هذه، لا يبدو أنّ هناك خلاصًا أو منقذًا لنا، سوى أنفسنا، حاليًا، لا نملك سوى خطّة وضعتها الحكومة، وتمّ تجميدها، على خلفية الخلاف حول توزيع الخسائر وعدم استكمال الإصلاحات. في الوقت الضائع، حرّي بالجميع التعاون لبلورة صيغة إنقاذية لبنانية واحدة قبل أن يسقط الهيكل على رؤوسنا، وقد بدأ يتداعى.