كيف ستكون آلية عمل منصّة “بلومبيرغ” في لبنان؟

النشرة الدولية –

لبنان 24 – نوال الأشقر

بعد موافقة مجلس الوزراء على اعتماد منصّة إلكترونية بالتعاون مع شركة “بلومبيرغ” للتداول في الاسواق المالية عوضًا عن “صيرفة”، تتجه الإنظار إلى طريقة عمل المنصّة الجديدة، وعلاقة المواطنين بها، ودورها وتأثيرها على مسار الدولار، وعلى تحرير سعر الصرف.

متى يبدأ العمل بالمنصّة الجديدة؟ وما هي الالية؟

الحاكم بالإنابة وسيم منصوري، وعلى هامش مشاركته في المؤتمر المصرفي العربي في المملكة العربية السعودية، أعلن أنّ الاستعدادات جارية على قدم وساق لكي تبدأ قريبًا عمليات بيع وشراء الليرة اللبنانية على منصّة بلومبرغ، ولكنّه لم يحدّد تاريخًا لدخول المنصّة الجديدة حيّز التنفيذ، وبالتالي كل ما يحكى عن بدء عمل المنصّة بعد موافقة مجلس الوزراء، أو في نهاية أيلول الحالي، هو في إطار التكهّنات، طالما أنّ مصرف لبنان لن يحدّد بعد توقيتًا معينًا لإطلاقها، وفق ما أوضح كبير الإقتصاديين في بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل في حديث لـ “لبنان 24”.

آلية عمل المنصّة وسعر الصرف المعتمد

“لا نملك بعد تفاصيل المنصة الجديدة” يقول غبريل، وهي تحتاج إلى تحضيرات يعمل مصرف لبنان على استكمالها، وآلية العمل ستكون من خلال المصارف والمؤسسات المالية والصرافين المرخصين. بحيث يلجأ التجار إلى هذه المؤسسات كوسيط، لتقديم طلب لشراء ما يلزمهم من دولارات من خلال هذه المؤسسات. وسيحصل تعاون مع وزارة المال والجمارك منعًا لأيّ تلاعب بالفواتير من قبل التجار، تحقيقًا لهدف إضفاء شفافية على الطلب، والتعبير عن حجم السوق والطلب الحقيقي على الدولار.

سعر الصرف على المنصّة سيكون على أساس سعر الصرف في السوق الموازية، وفق ما لفت غبريل، بحيث تحدّد السعر معادلةُ العرض والطلب “ولن يكون هناك سعر مدعوم أو تفضيلي بأقل من سعر السوق، كما كان الحال من خلال منصّة صيرفة. وسيكون التداول مستمرًا على عكس صيرفة، كي يخلق حجمًا من المبالغ المتداولة. والفرق أنّ مصرف لبنان ليس الجهة التي ستبيع الدولار. ولكن هناك تفاصيل ليست واضحة بعد، ونحن بانتظار استكمال الإجراءات والآلية من قبل المركزي”.

أهداف المنصّة

نواب الحاكم الأربعة وقبل استحقاق حاكمية المركزي في تموز الماضي، كانت مقاربتهم ترتكز على إطلاق المنصّة البديلة بالتوازي مع إقرار سلّة قوانين إصلاحية بين شهري آب وتشرين الأول، هي موازنة 2023، قوانين “الكابيتال كونترول”، إعادة التوازن إلى القطاع المالي وإعادة هيكلة المصارف، وفق ما لفت غبريل “وهو ما لم يحصل، كما أنّ زمن إقرار هذه القوانين ليس معلومًا بظل استمرار الفرغ الرئاسي، وعدم التئام مجلس النواب للتشريع. لذلك لن ينتظر الحاكم بالإنابة إلى حين إقرار القوانين المذكورة لبدء العمل في المنصّة، كما لن يسارع إلى البدء بها على وجه السرعة، وقد يحصل تريث لبعض الوقت إلى حين استكمال كل الجوانب التقنية وغير التقنية”.

“تتركز أهداف المنصّة حول زيادة التداول بالليرة في الإقتصاد، وحصول عرض وطلب مستمر بما يمكّن من تحديد السعر الفعلي للدولار في الإقتصاد اللبناني، وتوحيد أسعار الصرف المتعددة، وتحرير سعر الصرف بطريقة غير معلنة، وتحويل الطلب على الدولار من السوق الموازي إلى سوق شفاف ورسمي، بحيث يضع مصرف لبنان آلية لطلب المستوردين للدولار بما يؤكد أنّ المبلغ المطلوب يذهب إلى الإستيراد فقط، فضلًا عن هدف لجم المضاربة على سعر الصرف”. وكلها أهداف جيدة، يقول غبريل، ويطرح في الوقت نفسه علامة استفهام حول كيفية تحقيق هذه الأهداف على أرض الواقع بظل الظروف الراهنة، واستمرار المراوحة في الاستحقاقات الدستورية.

راشد: لا قدرة للمنصة على توحيد سعر الصرف والحد من اقتصاد الكاش

رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية الدكتور منير راشد يرى بدوره في اتصال مع “لبنان 24” أنّ المنصّة لا تحقق توحيد سعر الصرف، لأن عملها سيكون محصورًا بالتعاملات بغرض التجارة “بمعنى أنّ الفئات التي ستحصل من خلالها على الدولار يجب أن تمتلك إثباتًا لحاجتها للدولار، أي تقديم فواتير لشراء السلع والخدمات، ما يضع قيودًا على شراء الدولار من خلال تبرير الحاجة. لذلك لن يكون هناك إقبال لعرض الدولار على المنصّة، ولأنّ شراء الدولار مقيد، سيكون العرض مقيدًا كذلك. وبالنتيجة لن تتوصل المنصّة إلى توحيد سعر الصرف في جميع الأسواق، لاسيّما بظل عدم الوضوح حيال وضع الصرافين والتعاملات بالدولار في السوق الحّرة. كما لن تحدّ المنصّة البديلة من الإقتصاد النقدي، كون الحصول على الدولار مقيدًا، ما يجعل المواطن والتاجر يحتفظ بالدولار وليس الليرة”. أضاف راشد “ليس واضحا بعد كيف ستتعامل المصارف مع الزبائن، ومع الودائع القديمة والجديدة، ومن شأن استمرار التمييز بينهما أن يؤدي إلى استمرار عدم الثقة، واللجوء إلى استعمال الكاش”.

تأثير المنصّة على سعر صرف الدولار

مصرف لبنان وعلى خلاف تدخّله في سوق القطع خلال مرحلة منصة صيرفة، سيقلّص من حجم تدخله بما يطرح سؤالًا حول تأثير ذلك على المسار التصاعدي للدولار. وهنا يلفت غبريل إلى أنّه في الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي تمّ سحب الليرات من السوق بشكل كبير من قبل مصرف لبنان، في مقابل ضخ دولارات. كما أنّ الآلية التي يتبعها المركزي في إطلاق المنصّة الجديدة تقوم على وجوب أن يعرض المستوردون ليرات نقدية لقاء حصولهم على الدولار، وهو ما يخدم هدف زيادة التداول بالليرة وسحب ليرات من السوق.

وعن تأثير المنصة على سعر الصرف، يرى أنّه في الظروف الطبيعية يكون للإنتاج والإستهلاك والعرض والطلب والإستثمار الدور الأساسي في تحديد سعر الصرف “لكن اليوم بظل غياب العوامل التي تدعم سعر الصرف، ومع استمرار الأزمة السياسية إلى أجل غير محدّد، وتعطّل المجلس النيابي ووجود حكومة تصريف أعمال، سيكون هناك فرق بين الأهداف على الورق وطريقة التطبيق على أرض الواقع المأزوم، لاسيمّا أنّ عدم تفلّت سعر الصرف خلال عملية تعويم السعر، لا تقع فقط على عاتق مصرف لبنان، بل لا بدّ وأن تُواكب باجراءات من قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهذا ما قاله منصوري، وما ورد في بيان صندوق النقد بعد زيارة الوفد في للبنان في آذار الماضي”.

بالمحصلة مصطلح جديد يدخل إلى يوميات اللبنانين مع استبدال “صيرفة” بمنصة إلكترونية عبر “بلومبرغ”. ومع استمرار الأزمة السياسية، وتسعير الصراع حول الإستحقاق الرئاسي، وتجميد القوانين الإصلاحية في أدراج المجلس النيابي، ستملأ كل هذه المصطلحات وأخواتها الوقت الفاصل، بانتظار التعافي المالي الحقيقي، الذي يبدو انّه مؤجّل إلى زمن التخلّي عن المصالح الفئوية وتغليب مصلحة البلاد والعباد.

 

زر الذهاب إلى الأعلى