مئة يوم يا غزة.. والأيادي مقيدة
بقلم: صالح الراشد
النشرة الدولية –
مئة يوم والعدوان الصهيوني على غزة يشتد وسط صمت عالمي مخجل، مئة يوم والعدوان لا تبدوا نهايته قد اقتربت رغم توقعات البعض أنه سيتوقف سواءً حقق أهدافه أو فشل بها، مئة يوم ارتقى فيها للسماء أكثر من خمس وعشرين ألف شهيد وأصيب أضعافهم، مئة يوم والصهاينة يسعون لقتل الحياة في غزة وجعل المستقبل مجهول، مئة يوم والتحركات السياسية خجولة لتفوق عليها حركات الشعوب الأمريكية والأوروبية لبشاعة الجرائم الصهيونية، مئة يوم والعنصر الثابت هجوم صهيوني إجرامي وحشي وفي ذات الوقت يتزايد حجم الضربات القوية التي وجهتها المقاومة الشجاعة للقوات الصهيونية، ليبحث قادتها عن طرق وذرائع لوقف الحرب وفي مقدمتها عقد صفقة لتبادل الأسرى، وهي التي رفضها قيادة المقاومة ووضعت شروطها الخاصة ومن المتوقع أن يوافق عليها الصهاينة، لنكتشف بعد مئة يوم أن الأيادي التي كان يعتقد الكثيرون أنها مقيدة هي الأيادي التي فرضت هيبتها وكلمتها وطريقتها رغم الدماء والقتل الصهيوني لأهل غزة.
مئة يوم من تحركات بعض الشعوب العربية في مسيرات مؤيدة للقضية الفلسطينية وانتصاراً لغزة وأهلها، وظن البعض ان الحكومات العربية سترافق شعوبها في الذهاب لأقصى حدود النُصرة لأهل غزة بسبب بشاعة الجرائم التي كانت ضد الإنسانية في مجملها، لكن الأيادي العربية مقيدة ولا تستطيع الحراك كون القيود التي يرتبط بها أقوى وأصلب من القيود التي تحيط بأيادي المقاومة، والفارق بينهما كبير، فالحكومات العربية كبلت أياديها فيما العدو الصهيوني ومن يدورون في فلكه حاولوا تكبيل غزة ومقاومتها وفشلوا في تحقيق أهدافهم بتشريد أهل غزة وتدمير المقاومة الفلسطينية وبالذات حماس.
فالدول العربية عانت الأمرين من قيود فرضتها باتفاقات مع الصهاينة والولايات المتحدة، وجاءت القيود في اتجاهين لا يختلفان في النتيجة والمحصلة، فالدول الغنية بالمال والقوة والثروات كبلت نفسها بالقواعد العسكرية الأجنبية الموجودة على أراضها، إضافة إلى عقود الإمتياز واحتكار الشركات الأجنبية لثروات تلك الدول، كما ان المؤسسات العسكرية في تلك الدول تسيطر على مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية، والأخطر يتمثل باتفاقات السلام التي قيدت الأيادي وأصمتت الأفواه عن الكلام.
وتكبلت الدول الفقيرة بالتمويل الأجنبي والمعونة الأمريكية والعربية، وهيمنة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ونادي باريس وغيرهم من الجهات الدائنة والتابعة للقرار السياسي ذاته، كما وتعاني من زيادة عدد القواعد العسكرية الأجنبية، إضافة لعدم قدرتها على تحمل أي خسارات في مجالات التنمية والثروات البسيطة التي تمتلكها وتعاني من ضعف محركات الحياة الطبيعية، وفوق كل ذلك معاهدات السلام مع الكيان الصهيوني لتصبح الأيادي غير قادرة على الحراك لتكتفي العيون بالمشاهدة والبكاء والآذان بسماع الأخبار، لتتم محاولة قتل غزة بكل عنف دون خوف صهيوني من أن تضغط الأيادي العربية على الزناد.
وبالتالي فإن الوضع المأساوي للدول لن يكون قادراً على عودة الأمة العربية إلى مكانتها التاريخية ولن تستعيد هيبتها إلا إذا تخلصت من القيود التي تحيط بقراراتها السياسية والاقتصادية، وفي مقدمتها طرد القواعد العسكرية الغربية والتخلص من هيمنة الشركات الأجنبية على ثرواتها الطبيعية، ورفض المعونة وهذا يحصل في حال وجود اتفاق اقتصادي عربي شمولي يعمل على النهضة الشمولية للدول العربية، والأهم التخلص من جميع الاتفاقات مع الكيان الصهيوني وهنا تتحرر الأمة من عار يلازمها ومن قيد يسمح للغرب بوضع المزيد من القيود على أمة تعشق شعوبها الحرية.
آخر الكلام:
القيود متعددة وأسوئها ما تفرضه النفس على صاحبها فيشعر بالضعف مهما كان قوياً، وهذا حال الأمة العربية التي ارتعبت من المشاهد في غزة وبدلاً من نصرتها صمتوا لينالوا بصمتهم النجاة من مصير مشترك كمصير غزة، فصمتوا ليكون صمتهم أشد عنفاً من الصواريخ الصهيونية