مجموعة الحبتور تهدّد لبنان… هل تنجح في المقاضاة؟
النشرة الدولية –
نداء الوطن – باتريسيا جلاد
تقدّمت مجموعة الـ»حبتور» بإشعار خطّي للدولة اللبنانية متعلّق بنزاع استثماري، مُلقيةً بموجبه اللّوم على لبنان لخرقه الاتفاقية التي أبرمها مع الدولة الإماراتية لأنه منع المجموعة من تحويل أموالها المودعة في المصارف اللبنانية إلى خارج إقليم الدولة اللبنانية.
وقّعت هذه الاتفاقية من قبل الحكومة اللبنانية وحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة بتاريخ 17/05/1998 وجرى إبرامها من قبل مجلس النواب اللّبناني بطلب من الحكومة اللّبنانية وذلك سنداً للمادة 52 من الدستور اللّبناني التي نصت على أنّ «إبرام الاتفاقيات يتطلّب استصدار قانون من مجلس النواب تمّ نشره بتاريخ 13/04/1999.
الإشكالية القانونية
وبالتالي، لا بدّ من طرح إشكاليات قانونية تتمحور حول صحّة الاتهامات التي وجّهتها مجموعة الـ»حبتور» للدولة اللبنانية استناداً الى هذه الاتفاقية، وتقييم مدى اعتبار الدولة اللبنانية متخلفة عن الالتزام بمضمون الاتفاقية الموقّعة بهذا الصدد. إضافةً الى التساؤل عن الأسس القانونية التي يمكن للدولة اللبنانية الاعتماد عليها لدحض هذه الاتهامات كما تلك التي يمكن لمجموعة الـ»حبتور» إسناد اتّهاماتها إليها بوجه الدولة اللبنانية.
تلك التساؤلات أجاب عنها رئيس منظمة «جوستيسيا» للإنماء وحقوق الإنسان المحامي د. بول مرقص الذي شرح لـ»نداء الوطن» الأسس التي استندت اليها مجموعة الـ»حبتور» لتقديم الإخطار الكتابي بوجه الدولة اللبنانية. فالمجموعة الإماراتية تقدّمت بإخطار خطّي بوجه الدولة اللبنانية مستندة إلى المادة 9 من الاتفاقية الثنائية (فقرة 1 وفقرة 2) التي حدّدت أنه لكلّ من الطرفين في النزاع، الناشئ بين دولة ومتعاقد أو مستثمر، اللجوء أولاً إلى وسيلة ودّية لحلّ أي نزاع ناشئ بينهما عن تطبيق أو تنفيذ هذه الاتفاقية وهي المفاوضات. ذلك لمدة ستة أشهر من تاريخ طلب اللجوء الى هذه الوسيلة عبر تسليم إخطار كتابي للطرف الآخر.
إضافة الى ذلك، على الطرفين أن يلتزما خلال فترة المفاوضات بموجب حسن النية الذي ذُكر في المادة 10 من الاتفاقية، إذ إن عبارة «بقدر الإمكان» تؤشّر الى الجهد المتوقع من قبل الأطراف والسعي بصدق لنجاح هذه المفاوضات. وأعلنت مجموعة الـ»حبتور» عن استعدادها لاستخدام وسائل أخرى لحلّ النزاع تطبيقاً للمادة 9 من هذه الاتفاقية، إذا لم تنجح المفاوضات مع الدولة اللبنانية».
الإجراءات الممكنة
أما عن الإجراءات القانونية التي يمكن اتّخاذها تجاه الحكومة اللبنانية كما هو وارد في البيان الصادر عن إدارة الـ»حبتور»، فأوضح مرقص «أن الإجراءات القانونية كما هي مذكورة في المادة 9 والتي من الممكن اللجوء اليها تعطي الخيار لدى الطرفين في تحديد الوسيلة الأنسب لهما. ذلك إما تبعاً لما تمّ الاتفاق عليه مسبقاً قبل النزاع، أو وفقاً لأحكام الفصل الخاص في تسوية المنازعات من الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية لسنة 1980، أو عبر اللجوء الى التحكيم الدولي». وتحديد المجموعة الإماراتية إرادتها باللجوء الى هذه الوسائل يؤكد عزمها المضي بما قد تمّ الاتفاق عليه في النصوص المذكورة.
مضمون الإخطار الكتابي
وفنّد مرقص مضمون الإخطار الكتابي فاعتبر:
أولاً، إنّ الاتهام الأساسي الموجّه الى الدولة اللبنانية من قبل مجموعة الـ»حبتور» هو عدم احترامها التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاقية. ذلك تبعاً لعدم السماح لمجموعة الـ»حبتور» بتحويل مبلغ 44 مليون دولار كما هو مودع من قبلها في المصارف اللبنانية. استندت المجموعة إلى المادة 7 من الاتفاقية والتي تفرض موجب تأمين تحويل حرّ للمدفوعات المتعلقة بالاستثمارات بحيث نصّت هذه المادة على أنّ تضمن كل من الدولتين المتعاقدتين للمستثمرين التابعين للدولة المتعاقدة الأخرى التحويل الحر لمدفوعات متعلقة باستثمار داخل وخارج إقليمها.
ثانياً، تضمّن الإخطار ملامة من مجموعة الـ»حبتور» للبنان بعدم توفير البيئة الآمنة والسليمة لاستثماراتها في الإقليم اللبناني، واعتبرت المجموعة مستندة إلى المادة 5 من الاتفاقية الثنائية أن «الدولة اللبنانية أخلّت بموجب من موجباتها في منح المستثمرين، الذين تتعرّض استثماراتهم لأضرار أو خسائر بسبب […] حالة طوارئ وطنية أو ثورة أو اضطرابات أو أحداث أخرى، معاملة لا تقلّ رعاية عن تلك التي تمنحها الدولة المتعاقدة الإماراتية لمستثمريها أو للمستثمرين الأجانب».
عدم توفير بيئة سليمة وآمنة
في هذا السياق يعتبر مرقص، في ما يتعلق بعدم توفير بيئة سليمة وآمنة لاستثمارات الـ»حبتور» في لبنان، أنه «موضوع لا يتعلق بشكل مباشر بتأمين تحويل حرّ لمدفوعات الاستثمارات الإماراتية كما سبق وتطرقنا إليه». بالتالي، يمكن طلب النظر به بصورة منفصلة عن موضوع النزاع الأساسي. حتى وإن كان أحد أسباب عرقلة تأمين التحويل الحرّ لمدفوعات الاستثمارات هو حصول الأزمات المتكررة في لبنان منذ عام 2019، منذ حدوث «الثورة» الى انتشار وباء الكورونا الى انهيار العملة الوطنية… وذلك ما أثر بشكل كبير على الاستقرار الاقتصادي ودفع بالمصارف اللبنانية الى وضع قيود على التحويلات الحاصلة بعملة الدولار. أما آثار عدم تأمين البيئة المناسبة لازدهار المشاريع الاستثمارية فتُعالج استناداً الى مواد قانونية مختلفة، وهي المادة الخامسة التي تحدّد حقوق المستثمرين في الحصول على تعويضات عن الخسائر أو الأضرار الناجمة عن هذه الظروف. بالإضافة الى ذلك، إن الدولة اللبنانية اتخذت من خلال المصرف المركزي تدابير وإجراءات، وإن كانت غير كافية، للتحكم بقدر المستطاع بهذه الظروف. بالتالي، قد تصبح حدود مسؤولية الدولة في تأمين هذه التعويضات موضوع نزاع آخر ويستند إلى نصوص قانونية مختلفة».
4 حجج يمكن إستخدامها
ماذا لو لم تنجح المفاوضات الودّية وصدر قرار قضائي في النزاع؟ حول ذلك أشار مرقص الى أنه «في حال صدور قرار قضائي في هذا النزاع المرتقب، سيصطدم القرار بمعوّقات:
-القوانين الأميركية والإنكليزية وتسمّى Sovereign Immunity acts الصادرة في أواسط السبعينات من القرن الماضي والتي تعطي حصانة للدول تقيها من الحجوزات.
– كما أنه يمكن للدولة اللبنانية أن تستند في دفاعها إلى مسألة القوة القاهرة.
– الدولة ليست مسؤولة مباشرة عن الودائع المصرفية إلا بمقدار المبلغ المضمون من قبل المؤسسة الوطنية لضمان الودائع المصرفية وهو مبلغ زهيد جداً ولم يعد واقعياً.
– إن مصرف لبنان هو مؤسسة مستقلة عن الدولة وله شخصية معنوية مستقلة واستقلالان مالي وإداري، وإن تابعية بعض الشركات لمصرف لبنان كشركة «إنترا» للإستثمار أو شركة «طيران الشرق الأوسط» أو سواها من الأصول والممتلكات هي أيضاً محمية من الحجوزات طالما أن «المصرف المركزي» شخص مستقلّ عن الدولة.
هذه الأمور يمكن أن تكون موضع محاججة من قبل المدّعين ومنها مثلاً أن مصرف لبنان قد تعرّض لكثير من التدخّل فيه من قبل الحكومة اللبنانية وربما قد يعتبر ذلك انتقاصاً من تلك الإستقلالية وثغرة يمكن للدائنين النفاذ من خلالها».
وفي هذا السياق، نشير الى أنه سبق للبنان أن وقّع اتفاقيات للتشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات مع دول كثيرة، فهل ستكون تلك الدعوى انطلاقة لإخطارات أخرى من دول أخرى بحجّة عدم إمكانية تحويل الأموال المودعة لديها في المصارف الى الخارج؟
حول ذلك يجيب مرقص «من الممكن أن تقوم شركات أخرى متواجدة في لبنان كمجموعة الحبتور بالتوجه بإخطار خطي بوجه الدولة اللبنانية في حال اعتبرت ان الدولة اللبنانية خالفت المادة ضمن الاتفاقية الموقعة بين لبنان والدولة التابعة لها هذه الشركة التي تتيح لهذه الأخيرة امكان تحويل الأموال التابعة لهذه الاستثمارات في لبنان الى الخارج، ففي الاتفاقية الموقعة بين لبنان والإمارات أنّ المادة 7 من الاتفاقية المذكورة أتاحت تحويل المدفوعات المتعلقة بالاستثمارات من لبنان الى الخارج وهذا ما استندت اليه مجموعة الـ»حبتور» لإلقاء اللوم على الدولة اللبنانية. والأمر ينسحب ايضاً على شركة تركية أو شركات من جنسيات اخرى تقوم بينها وبين لبنان هكذا اتفاقيات من دون ان يعني ذلك بالضرورة ضمان الوصول إلى حقوقها»