الجنون والتهشيم….. إخلاص فرنسيس تصلح خاطر المرأة بقلم
النشرة الدولية –
الخبر نقلاً عن مجلة “ايلدا” –
منذ أن اجتاح العالم جائحة كورونا وجد بعض الناشطين في المجال الادبي والفني ذواتهم مغلق عليها في البيوت وخلف الجدران، وكان من الصعب جدا الالتقاء فعلياً، وبما أن الشاعرة والكاتبة إخلاص فرنسيس كانت تعد لإنشاء صالون أدبي ثقافي حيث تقيم في سان دياغو أميركا، اتجهت إلى العالم الافتراضي وأنشأت غرفة ١٩ وهي غرفة ثقافية أدبية اجتماعية، بدأت عبر منصة زوم تستضيف فيها كل ما له علاقة بالأدب والانسان والفن. أما عن ضيوفها، قد احسنت التعبير أن ضيوفها من الصف الأول، ولكن ما هو تعريف الصف الأول؟ بالنسبة لها هم أصحاب القلم الإنساني، بغض النظر عما كتبه حتى الساعة، الأهم أن يكون لدى الضيف قيمة أدبية وثقافية واجتماعية يستطيع أن يقدم شيء مختلف وذات قيمة إنسانية لمن يسمعه.
تسأل فرنيس:
“لماذا على الإنسان أن يعيش وحيدًا، ينسحب من العالم والطموح قسرًا أو طوعًا؟ لماذا على الغرف أن تكون مغلقة؟ ألا يمكن أن تكون لغرفة ما مواصفات أخرى غير المتعارف عليها من العالم، ودون أن تقع تحت ميلودرامية البشر؟
ينعتون الغرف بالفراغ والوحدة، ألا يمكن لتلك الجدران أن تتجاوز العزلة والضوء الذي هو الفاصل للحياة، وخلف هذا الضوء معنى نلمسه
لمجرّد القدرة على أن أكون في غرفة، جدرانها بلا طوب ولا معدن، نوافذها تتوسّع لتصل ما بعد حدود الحياة، يكون الإبداع سقفها
تجارب الإنسان اليومية تتوسّع لتصل إلى معرفة الحدّ الفاصل بين النور والليل، لنسحق خيط الهواء، ونخرج من الذاتية والإيقاع الفردي، لتجمعنا هذه الغرفة، تقدّم لنا كلّ شيء، ونختبر كلّ شيء، نستنفد جوهر الفرد، ونشتعل في الآخر. تؤطّرنا أرضية الغرفة، ونقطة تحول للحقائق، نتشارك بساط الكون والعقل الفطري، جزء من الكلّ، والكلّ مكون من أجزاء، على مرّ الطبيعة وأزليّة الحبّ. نتقاسم استمرارية الغربة في مسار حين نختار ألّا نُصغي لما يمليه علينا الوعي. ماذا لو أنّ هذه الغرفة هي استمرارية الزمكان، تطلق فينا رؤيا، فنعي أنّ المصادفة هي تفاصيل الحرّية التي نقلتنا من عالم الروح إلى المادّة، ومن المادّة إلى عالم الروح، من المرئي إلى اللامرئي، نقلة نوعية بفعل تلك التردّدات للحبّ غير المشروط إلى الكمال المنشود
بفضل ذلك الحبّ الذي يكملنا في جوهر بعض، نمسك بيد القدر بدل أن يمسك بنا، يقودنا الشغف وموسيقا الداخل، ففي نهاية المطاف ما نحن إلّا قصبة نفخ فيها موسيقاه،
وما علينا إلّا أن نردّد صداها”.
س ١؛ تعترفين مرارا قي القصص القصيرة، عن ان الالم هو سبب الكتابة، يسال عدد من الناس لم الم الكاتب اي انت يختلف عن اي الم انسان اخر، ما الذي يميزك عن باقي الناس؟ ما هو هذا الشيء المميز بصاحب القلم والأفكار.
ألم الكاتب لا يختلف عن ألم باقي الناس هذه فكرة مغلوطة، ولكن الفارق هو بالتعبير، الكاتب لديه الموهبة بالتعبير عن ألمه وألم الاخرين لإنه يملك موهبة الكتابة وملكة التعبير، ويملك أيضاً الرؤيا الأوسع وهذه الرؤيا تولد معنا صغيرة ولكن الكاتب يعمل على تنميتها وتثقيفها من خلال القراءة والبحث والاطلاع على الأوضاع الاجتماعية في مجتمعه، الكاتب جزء من هذا المجتمع، وهو المهموم بمشاكلهم وإن لم يكن كذلك من غيره سوف يعبر عن احتياجهم ووجعهم وفرحهم، قصصي التي كتبتها سواء في المجموعة الأولى “على مرمى قُبلة” أم المجموعة الثانية “ظل النعناع” هي قصص من أرض الواقع، قصص لامست روحي أرواح أصحابها، وكانت النتيجة أني عبرت بالقلم عن ألمهم وأفراحهم وحبهم، الألم شحنة من المشاعر التي لا يمكن أن نتجاهلها لإنها تخترق مفارق الروح والجسد وترسخ في المخ الواعي واللاوعي فنجد اقلامنا تلهج به تصبه حروف على الورق علنا نشفى منه.
: س ٢ : تلبسين الطبيعة مزاجك الشخصي، ما هذه العلاقة في اسلوبك المتداعي بينك وبين الطبيعة ؟ وكيف كونت هذه العلاقة؟
سؤال جميل جدا، إن الطبيعة هي أنا بكل ما فيها من فصول والوان وعطر وخضرة وقوة وحياة، السبب الرئيسي انها مزاجي الشخصي يعود إلى سنين طفولتي الأولى، فأنا تربيت في قرية زراعية في الجنوب اللبناني، في عائلة تعمل بالأرض ومن الطبيعي أن اقضي تلات أرباع طفولتي في أحضان الطبيعة، كانت تتكلم لي وأنا أصغي بشغف، وبالتالي شكلت فيّ حبها وخلعت عليّ ألوانها، وتجانست فصولها مع روحي، ولونت وملئت أذني تلك الموسيقا الأخاذة، موسيقا السكون، وموسيقا الليل، وصوت العتمة تزحف من الوادي وترتفع لتغطي الجبال والهضاب، إلى موسيقا الكروم والعصافير والبحر والغيم وحديث النجوم، تلك الحوارات التي دارت بين وبينها في ليالي الصيف الطويل وانا أنام على سطح منزلي.
: س٣؛ تعبرين عن الرغبة، الشوق، الحب الكلمات، كيف تختارين كلماتك واي سقف للتعبير في حين انه من الواضح في شعرك انك لا تخرجين من ضوابط الجسد؟ وماذا تتوقعين من المتلقي المرأة في مجتمع عربي
لكل قلم أسلوبه بالتعبير، ولكل كاتب اتجاه، ولكل كلمة نقولها وقع في روح الآخر، انا شخصياً لم أختار كيفية التعبير، ولكن كل ما كتبت يعتبره الاخرون ضمن ضوابط، ولكن انا لا أرى أي ضوابط لأنني كتبتها بكل عفوية، خرجت هكذا كما هي لم أتكلف البحث عن مفردات، ولكن هناك إيمان في داخلي أن تذوق الجمال والتعبير عنه يختلف من إنسان لآخر، انا اكتب بروحي إذن المستقبل لكلماتي يستقبلها بالروح، والروحيات هي التي تحرك وجدان الانسان، لا يهمني أن أثير الغرائز الجسدية بقدر ما يهمني إثارة فكر ووجدان وروح الانسان، رجل كان أم امرأة، أما عن المرأة بشكل خاص وتلقيها في المجتمع العربي هذا يعود إلى الأسلوب الذي نشأت عليه في استقبال الأدب والتعامل مع جسدها وروحها، المرأة التي تعتبر أن جسدها هو قيمتها فقط، ستكون محصورة وسجينة هذا الجسد المستهلك والفاني، وأما تلك التي ترى قيمتها في فكرها وروحها سوف تستقبل بفكرها وروحها وترتقي وتدرك معنى الحرية الفكرية، والروح الأبدية.
: س ٤ تتكلمين عن الجنون؛ كيف تصفين جنونك ؟ وكيف بلورتيه
“وأمضي في جنوني” هو عنوان ديوان شعري لي، وهو تعبير عن استمرارية حالة الجنون لدي، أما كيف أصف جنوني، فأنا أجده الجنون العقلاني والذي يعطيني المساحة الكافية للتحليق ويعطي قلمي ما يحتاجه للإبداع، بالإضافة إلى الشجاعة لأتخطى كل ما يمكن أن يكون عقبة في وجه قلمي ورسالتي في رصد الانسان بكل حالاته وأينما كان.
: س ٥ ؛ ما هي هذه الرغبات التي تم تهميشها، وكيف شكل للتهميش ؟ لم قررت التعبير عنها طالما هي مهمشة؟
كثيرة هي الرغبات التي تم تهميشها، وبالحقيقة عنوان الرواية” رغبات مهشمة” وليس مهمشة، لان التهشيم هو أقوى من التهميش، للتهميش قوة محدودة، ولكن الهشيم يضم كل من التهميش والتهشيم أي الكسر الداخلي للإنسان والخارجي، سحقه إلى درجة لا يمكن معها إصلاحه، ومأ أكثر ما نرى في مجتمعاتنا من هذه النماذج، إن أصعب تهشيم هو تهشيم صورة الانسان وفكره في نظر ذاته، كنا تحدثنا في السؤال السابق عن المرأة التي ترى قيمتها محصورة في الجسد، هذه صورة مصغرة عن تهشيم لهذا المخلوق الجميل في خلق صورة مغايرة له وحصره في تلك الصورة، صورة أخرى عندما نضع الحب في قالب الجسد، وحين يُمنع على المرأة ان تختار شريك الحياة كما الرجل أيضا، نفرض عليهما بحكم التقاليد والعادات شريك حياة وكأننا نسلمهم للمجهول ونقضي على كل رؤيا وحلم لهم، هذه العادات والتقاليد والموروث التي كانت ربما صالحة في زمن معين ولكنها لم تعد صالحة لهذا الزمن، وعندما نجعل العلاقات الإنسانية قائمة فقط على المصالح، الرجل كما المرأة يتم تهشيمه حين يجد ذاته غير قادر على أن يكون هو حين يسلب من أبسط حقوقه الإنسانية، وابسطها حين يُقال له ممنوع عليك أن تبكي، فالبكاء يعتبر ضعف، وليس من الرجولة فتهتز صورته أمام ذاته،
: س ٦ ماذا تنصحين الاديبة العربية في ظل ضوابط دينية واجتماعية كيف تعبر
إن الأديبة العربية وإن كانت قد قطعت شوطاً طويلاً في عالم الأدب، ولكن الآتي أصعب وهي مسؤولة عن تربية أجيال من الكاتبات العربيات، ماذا نرى حين نقرأ مي زيادة؟ ما هي الرسالة التي تصلنا منها؟ هذه الأديبة التي تخطت زمنها وأدبها يصقل الروح ويرتقى بالإنسان إلى أعلى درجات السمو برغم كل معاناتها من محيطها في حياتها، ولكن لم تجعل من قلمها أداة هدم، بل معول بناء، تحفر لتبنى الانسان في كل مكان وزمان، لست في مجال أن اعطى النصائح، ولكن بكل بساطة أقول للمرأة الكاتبة وغير الكاتبة، أن تبتعد عن الابتذال وعن السطحية ولتكوّن لها صورة حقيقية لإنها ليست جسد فقط، بل هي فكر وروح وجسد وهذه الاقانيم الثلاثة هي الركيزة الأساسية للبناء دون التساوي بينها ينهار البناء. ويكون سقوطه عظيماً.