هل يهرب “حزب الله” “المأزوم” إلى فتح جبهة الحدود الجنوبية؟
"الحرب واردة في كلّ لحظة لكن قرارها يرتبط بوضع إيران وبرنامجها النووي"
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية –
تتهيأ الساحة اللبنانية على ما يبدو لمنازلة صاخبة عنيفة مسرحها مجلس النواب اللبناني، غداً الأربعاء، على خلفية تمترس الفرقاء كل خلف مرشحه لانتخابات رئاسة الجمهورية. وكانت قوى المعارضة قد “تقاطعت” على ترشيح مدير دائرة الشرق الأوسط في صندوق النقد الدولي الوزير السابق جهاد أزعور، في مقابل ترشيح “الثنائي الشيعي” (حركة “أمل” – “حزب الله”) رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية. وفي انتظار الجلسة، يمارس “الثنائي” نوعاً من التهويل السياسي حيناً عبر الإطلالات الإعلامية لمقربين، أو في مواقف مباشرة لمسؤولين حزبيين تعكس “تشنجاً” وتهديداً بالفوضى.
وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورداً على التلويح الأميركي بفرض عقوبات عليه “لامتناعه عن الدعوة إلى جلسة للانتخاب”، قال إن “أبواب المجلس النيابي لم ولن تكون موصدة أمام جلسة انتخاب رئيس للجمهورية بحال أعلن عن ترشيحين جديين في الأقل للرئاسة، وخلاف ذلك من تشويش وتهديد لا يعود بفائدة ولا ينفع لا سيما مع رئيس المجلس”.
ووضع نائب الأمين العام لـ”حزب الله” نعيم قاسم البلد أمام مرشحين: فرنجية أو الفراغ. أما النائب عن الحزب محمد رعد فعبر عن أسفه لـ”وجود أصوات ترتفع لترشح مثل هؤلاء (جهاد أزعور) ليصلوا إلى قصر بعبدا”، معتبراً أن الترشيح مناورة هدفها التآمر على “المقاومة” وإسقاط المرشح الذي تدعمه، وصولاً إلى لجوء المفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان إلى التوجه للبطريرك الماروني بشارة الراعي بالقول “إن الانتخابات الرئاسية تصنع في مجلس النواب حيث السيادة وليس في الطائرات”.
عودة الحدود الجنوبية إلى الضوء
هذا في السياسة، لكن اهتمامات “حزب الله” لا تنحصر فقط بالمعركة الرئاسية على رغم أنه كان قد وضع شرطاً استراتيجياً حول عدم انتخاب أي رئيس “يطعن ظهر المقاومة”. وعادت الحدود الجنوبية إلى دائرة الضوء بعد إطلاق صواريخ من بلدة القليلة في صور (جنوب)، قرب مخيمين للاجئين الفلسطينيين، باتجاه إسرائيل بداية أبريل (نيسان) الماضي. ومن ثم، وتزامناً مع الذكرى الـ23 لخروج الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، أجرى الحزب مناورة عسكرية بالذخيرة الحية، تلتها مناورات لحلفائه من حركة “أمل” إلى الحزب “السوري القومي الاجتماعي”.
وفي شهر ديسمبر (كانون الأول) 2022 قتل جندي إيرلندي من بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، بعد أن تصدى أهالي بلدة العاقبية (جنوب) لقافلة تابعة لـ”اليونيفيل” لأنها اتخذت مسار سير مختلفاً عن المسار العادي المتفق عليه، وأوائل شهر يونيو صدر القرار الظني بقضية مقتل الجندي ليوجه الاتهام إلى الحزب بشكل مباشر بـ”القتل عمداً”، وأخيراً شهدت المنطقة الحدودية بين لبنان وإسرائيل استنفاراً عسكرياً خطراً بعد توتر بين أهالي قرية كفر شوبا والجيش الإسرائيلي على أثر أعمال الحفر التي يجريها على أطراف البلدة، وتطورت الوقفة الاحتجاجية التي دعا إليها أبناء البلدة إلى رشق بالحجارة وإزالة أسلاك شائكة من جهة، واستنفارات وقنابل مسيلة للدموع من الجهة المقابلة، مما دفع الجيش اللبناني إلى تنفيذ انتشار لمواجهة أي تصعيد محتمل من إسرائيل لترد هذه الأخيرة بإلقاء عدد من القنابل الدخانية باتجاههم واستقدام تعزيزات أمنية. وعلقت أوساط مراقبة على الحادثة أن “حزب الله” “المأزوم” داخلياً قد يذهب لفتح جبهة الجنوب، مستدعياً الحرب. فهل الحرب واردة؟
وقال الباحث السياسي والمراقب عن قرب “حزب الله” باقر كركي إن “جبهة الجنوب مسألة تتخطى دينامية السياسة اللبنانية، وتتجاوزها نحو الصراع التاريخي في المنطقة. القوات المحتلة الإسرائيلية كانت البادئة في قدح شرارة التوتر الأخير، فالمأزق الداخلي الإسرائيلي يفرض نفسه على المشهد السياسي والأمني على الضفة السفلى من كفر شوبا وليس العكس، من جهة هي محاولة لتخفيف ضغط الاحتراب السياسي في الكيان، ومن جهة أخرى هي محاولة ترميم للضرر الذي لحق بالردع الإسرائيلي مع الثبات التدريجي لمبدأ وحدة الساحات، واعتبار التهديد الآتي من الشمال الأكثر إلحاحاً على رقعة الحماوة العسكرية. ولم نرصد لدى المقاومة من الجانب اللبناني اعتناء فوق العادة بما يحصل، مقارنة بالمحاولات الإسرائيلية السابقة لتعديل خط وقف العمليات القتالية في مزارع شبعا”. أضاف “لعل أبرز معادلة يجب الالتفات إليها هي عبارة السيد نصرالله (أمين عام حزب الله حسن نصرالله) عن أن على الإسرائيلي (التنبه جيداً) لعدم ارتكابه (خطأ ما) يؤدي إلى التدحرج نحو فتح الجبهات”، ويتابع كركي “يبدو أن الإسرائيلي دقيق جد في ما يقوم به، وقد وضع لنفسه سقفاً واضحاً بأن يبقى على مسافة من (اقتراف الخطأ). ولو أراد الحزب فتح مواجهة لكان استغل إصابة مراسل قناته الإعلامية بقنبلة غازية أدت إلى كسر في كف يده، ومباشرة على الهواء”. ويشير إلى أنه “لا يبدو أن أحداً بوارد فتح مواجهة، لكن جهوزية الطرفين الميدانية غير خافية على أحد”.
بدوره، علق الكاتب السياسي أيمن جزيني بالقول إن “الحرب واردة في كل لحظة منذ ما بعد حرب يوليو (تموز) 2006، لكن قرار الحرب ليس بالقرارات الداخلية، بل يرتبط بوضع إيران وبرنامجها النووي. اللجوء إلى خيار الحرب يتزايد ارتباطاً بتقدم إيران نووياً، وتوجه الحكومة الإسرائيلية التي لا تنفك تلوح بهذا الخيار، مما قد يشعل الجبهات لا العوامل الداخلية المحلية”.
“أيام خطرة”
واتهمت صحيفة “الأخبار” المقربة من “حزب الله”، في عنوان “من يتآمر لعزل المقاومة؟”، رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط بأنه “أكمل حلقة داعمي إطاحة فرنجية”، وكتبت “مجنون من لم يراجع نفسه جيداً، وانتحاري من يتوهم نفسه في موقع تغيير المعادلات الصلبة القائمة. إنها ساعة الحقيقة التي تخص الجميع، داعمين وناخبين ومرشحين. أما من يريد العودة بالتاريخ إلى ما سبق، فيمكن التوضيح ببساطة أن هناك مسؤولية أساسية تقع على عاتق شخصين: الأول، جبران باسيل (رئيس التيار الوطني الحر) وهو اليوم في موقع مماثل لموقع وليد جنبلاط في الخامس من مايو (أيار) 2008، عندما قال لاحقاً إنه تحمس وأخطأ، والثاني هو جهاد أزعور، الذي تحول إلى فؤاد سنيورة (رئيس سابق للحكومة من تيار المستقبل) ثان، وقبل أن يكون فتيل الانفجار!”.
وأعاد الخطاب التصعيدي لـ”حزب الله” ما حصل عندما رفع شعار “عون أو لا أحد” وامتد الفراغ 29 شهراً انتهى بانتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية عام 2016. وأفادت معلومات صحافية لبنانية بأن “هناك متابعة دولية للبنان الذي يمر بأيام خطرة قبل الأربعاء المقبل، وسط تخوف من انزلاقات خطرة تطيح الاستقرار الهش في لبنان، وهذا ما دفع بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إيفاد مبعوثه جان إيف لودريان على وجه السرعة إلى بيروت والذي يرتقب وصوله بين يوم وآخر”. وبعد أن كثر الحديث عبر أوساط “الثنائي” أن هناك محاولة لعزل “المقاومة” أي “حزب الله”، كيف سيتصرف “الحزب”؟ وهل هناك فعلاً محاولة لـ”العزل” بخاصة بعد ابتعاد حليفه المسيحي “التيار الوطني” وانضمامه إلى المعارضة؟
ورأى جزيني أن “الحزب في الواقع يواجه مرحلة هي الأدق في تحالفاته الداخلية منذ 2005. لا يريد الحزب أن يكسر علاقاته بالكامل مع حليفه المسيحي (التيار الوطني الحر)، لكنه قد يلجأ إلى الذهاب نحو الأحزاب والتيارات السنية تماشياً مع أجواء المنطقة كبديل عن الحليف المسيحي، وذلك في حال لم يجد طريقاً لإعادة العلاقات مع التيار إلى سابق عهدها”. وأشار الباحث باقر كركي إلى أنه “ليس جديداً على الحزب تقلب حلفائه، فهذا هو ديدن السياسة. ويمكن التأريخ للحزب كحركة مقاومة من خلال محاولات عزله، من لحظة ولادته الرسمية مروراً بدخوله ميدان الدولة وليس انتهاء بما يحصل اليوم، وهو لا يرى في ذلك جديداً، فحركات المقاومة هي في جوهرها فعل في مواجهة العزل والسيطرة، والمراقب من كثب لتفاعل الحزب مع الوضع الراهن، بعيداً من هيجانات الإعلام، لا يرصد توتراً خارج المألوف، بل يسمع حديثاً عن خيارات سياسية أكثر تحرراً مع ابتعاد التيار الطوعي عنه”.
وكان القرار الظني في قضية الجندي الإيرلندي قد أورد تسجيلات بالصوت والصورة لكاميرات مراقبة ضبطت في محيط موقع الاعتداء تظهر “بشكل واضح محاصرة الدورية المعتدى عليها من كل الجهات، ومهاجمتها من قبل مسلحين، وقد سمع بعضهم يقول (نحن من حزب الله) وينادون بعضهم عبر الأجهزة اللاسلكية”، لكن الحزب نفى ذلك وقال مسؤوله الإعلامي محمد عفيف إن المتهمين الخمسة ليسوا أعضاء في الحزب، كما نفى أيضاً أن تكون لائحة الاتهام قد وصفتهم بأنهم أعضاء في “حزب الله”.
“صفحة جديدة في التعاطي الغربي مع الحزب”
واعتبر كركي أن “مسألة الجندي الإيرلندي مسألة خارج السياسة، وهي متروكة للقضاء أن يأخذ مجراه الطبيعي، كما أن “القاضيين المعنيين قد أوضحا أن القرار الاتهامي لا يشير بأي شكل من الأشكال إلى أحزاب أو أفراد منتمية لبنية حزبية قتالية أو غير ذلك، أما ما تم تداوله في الإعلام المناهض للمقاومة، فلا يعدو كونه تلاعباً لفظياً بهدف الاستثمار الإعلامي المعتاد، ولا شيء خارج المألوف”.
بدوره، علق جزيني بالقول إن “توجيه الاتهام في المحكمة العسكرية لم يطل الحزب بتشكيله الرسمي، بل طال عناصر ولا يعني بالضرورة توجيه اتهام مباشر إلى الحزب أو قيادته، لكن بلا شك هذا يعني صفحة جديدة في التعاطي الغربي مع حزب الله من بوابة اليونيفل”.