المدرقة.. خيوط تروي قصة المرأة الأردنية
النشرة الدولية –
الرأي – هيا الدعجة –
إلى اليوم ومنذ أن بدأت المرأة الأردنية حياكة ثوبها الخاص منذ عشرات السنين، لا يزال يشكل مصدر جمال وفخر لها، كما يعتبر من أهم عناصر التراث الشعبي غير المادي كما صنفته منظمة اليونسكو. فلم يكن الثوب الأردني يوماً مجرد قماش يستر الجسد بل تعدى ذلك ليحكي قصة المرأة في ذلك الوقت، ومدى ارتباطها بالأرض والثقافة، ويوثق للأجيال الهوية الوطنية.
الإنسان.. الأرض والهوية
غالباً ما يستوحى الثوب من المؤثرات البيئية والاجتماعية والاقتصادية على مر الزمن، والثوب الرئيس للأردنيات هو » المدرقة » وتأتي كلمة المدرقة من الفعل درق أي تستر بالشيء، ويكون الاعتماد فيها على اللون الأسود وتضاف لها الزخارف والمطرزات و”الشروش» المبنية على التاريخ والمعتقدات، أيضاً هو فضفاض يرافقه غطاء رأس وحلي فضة للزينة.
خيوط تغزل الجنوب بالشمال
على الرغم من مساحة الأردن الصغيرة جغرافياً إلا أن الأزياء تختلف بين شماله ووسطه وجنوبه، بين المحافظات والقرى والقبائل في بعض الأحيان. نسيجٌ وإطار عام واحد مرسوم بالزهور وأوراق الشجر وتعرج الجبال والسهول إلى سنابل القمح وأشكال الطيور، وأقرب للرسومات المنقوشة على دلال القهوة، لكن الاختلاف يكمن فيما يحيط به من ألوان وتطريز ونوع للقماش.
الجنوب – ارتدت النساء في معان الثوب الهرمزي ، وربما يكون الثوب المختلف وخارج إطار المدرقة الأردنية التي تعتمد على اللون الأسود،فهو ثوب مخطط بألوان البرتقالي والذهبي والأخضر، وتدخل به الفضة على الخصر والصدر، والذي كان يستورد من الهند عن طريق التجارة مع منطقة الجزيرة العربية. وتضيف المرأة على رأسها منديلاَ يسمى بالــ «عرجة » تشبه طاقية الرأس وتتكون من قطعة قماشية مدورة متينة ومشكوكة بالليرات الذهبية.
ومن أرض الهّيا–الكرك، ترتدي النساء ثوب العب و أيضاً » الجُبه الكركية » وهي ثوب طويل يوضع له حزام ويرفع ليكون طبقة. ومع التطور والحداثة تحول زيّ المحافظة بعد ذلك إلى مدرقة من قماش المخمل المطرز بالخرز والبروق، وقميص أحمر أو أبيض حسب عمر الفتاة، وتضيف على رأسها «الشمبر» الأسود أو الشماغ المهدب.
وفي الطفيلة- مدرقة سوداء بسيطة، ساترة من القبة والأكمام، لا يطرز في بعض الأحيان، والتطريز يكون بقطبة العرجة. واسع الدارة وله بنايق من لون القماش.
أما في العقبة – ارتدت المرأة الأردنية لفترة من الزمن لباس الوزرة، تتكون من جزئين اللباس الداخلي يسمى (الجلابية) و (ملاية) لونها أسود من فوقه لتغطي حتى الركبة.
الوسط – مروراً بقلب الأردن المنطقة الوسطى مقّر بدو الوسط من عشائر العدوان والعجارمة والدعجة مثالاً، والتي تزهو بالورود بأشكالها حيث استلهمت المرأة البدوية منها تفاصيل ثوبها «الدلق البلقاوي» وهو ثوب يتألف من قماش «التوبيت» وهو قماش طبيعي مصنوع من دودة القز ويتم استيراده من بريطانيا.
تقوم نساء البادية الوسطى بصبغ خيطان التطريز بصبغة التراب الحماري (التراب الأحمر) وقشر الرمان والبصل وأعواد الكركم والعصفر، ثم يقمن بغليها وتصفيتها من الماء وتنشيفها لمدة 24ساعة، وإضافة مادة «الشبة » المثبتة للألوان على الخيطان والثوب كي لا تتلف عند غسلها واستخدامها، فالمدرقة يجب أن تدوم لوقت طويل. أما على الرأس فكنَّ يضعن العصبة أو العجل.
كما ترتدي النساء في البادية الوسطى عموماً ثوب يسمى ثوب القباب.
السلط- وعلى طريق السلط هنالك «الخلقة» الثوب الأكبر حجماً من بين الأثواب العربية، حيث يبلغ طول الخلقة من 18 إلى 22 ذراعاً،تضع المرأة السلطية على رأسها العصبة الحمراء. كما كانت الخلقة لباس نساء مدينة الفحيص.
الشمال – المفرق، وفيها لباس بسيط جدا وهو شرش (ثوب) أسود دون تطريز، أسفله ثوب قطني ملون، و”ملفع» غطاء أسود على الرأس. وفي الشتاء ترتدي النساء » الدامر» وهو معطف خفيف مصنوع من الجوخ من الخارج والصوف من الداخل.
اربد عروس الشمال تفردت «بالشرش الربداوي» وهو ثوب واسع القبة ومطرز بألوان القمح أو السماء مستوحى من سهول حوران، مزخرف بقطبة المناجل وأكواز الرمان من الأسفل وعلى رأسهن ارتدت النساء في إربد السلك الأحمر أي الشماغ الأحمر. بينما في الرمثا يأتي التطريز الأبيض على قماش أسود أو سكري، وعلى رأسهن تميزت نساء الرمثا بالبشكير الألماني.
قطبة الرقمة هي القطبة أو الغرزة الأكثر انتشاراً لدى أهل الشمال في الأردن.
ثوب عجلون له قبة واسعة وقماش لون أسود مزيج من ألوان التين والورود، تطرز عبر الطارة المنزلية (الماكينة) القديمة، ويضاف إليها قطبة بين أبرتين، أما ثوب جرش يشبه ثوب عجلون إلى حد كبير مع اختلاف القطبة، وهي قطبة الفناجيل.
وفي الغور مدرقة واسعة من الدارة وضيقة من الأكمام لتتمكن المرأة من الزراعة، مطرزة بقبة تسمى بين إبرتين تضاف لها الأقراص، مطرز بالورود.
بين القبائل حتى..
بين القبائل حتى تختلف حيثيات الأثواب، فعلى سبيل المثال، نساء قبيلة بني حسن لديهن ثوب يتفرد في أسلوب التصميم من الأكمام المطرزة بشكل متقن إلى أزرار أنيقة على ظهر الثوب، أما التطريز على جسم الفستان فيكون عامودياً بخيوط الحرير الأزرق.
أما بين نساء قبلية بني صخر فكان الزي الأكثر شهرة هو زي نساء شيوخ القبيلة، وهو ثوب حريري أسود بتطريز اللحامات أو المخمل القطني مزين بخيوط ذهبية مطرزة بالخرز من الأمام والخلف والحواف، وعلى رأسها «شمبر» حرير أسود مطلي بالذهب مستورد من دمشق.
ولدى نساء قبيلة العدوان يكون الزي مصنوعاَ من نسيج الحرير الأسود الناعم مع تطريز غني بألوان: الأحمر، والأصفر، ويشبه ثوب العدوان ثوب مدينة أريحا في فلسطين إلى حد كبير. وعلى الرأس يلف ما يسمى بالملفع.
المناخ والطبقة الاجتماعية
نلاحظ أن سكان المناطق الباردة يرتدون الألبسة السميكة وتكون الألوان فيها غامقة تمتص أشعة الشمس، بينما يلجأ الناس في الصيف إلى ارتداء الألبسة القطنية والحريرية الرقيقة ذات الألوان الفاتحة».
حكمت أزياء المرأة الأردنية أيضاً الطبقة أو البيئة الاجتماعية التي تنتمي لها من حيث نوعية القماش والتطريز المستخدم، فأزياء الأغنياء تكثر فيها الزخارف المشغولة بخيوط الذهب والفضة، على عكس الثياب الريفية والتي تمتاز ببساطتها والتركيز فيها يكون على الألوان التحدي يكمن في التغير السريع والابتعاد عن لبس الثوب والتوجه نحو الأقمشة المستوردة والحداثة التي حتمت على النساء اللجوء لمواكبة الموضة التي اقتحمت الأسواق.
كما أشارت إلى أهمية التوثيق للزي التقليدي والتراث بشكل عام لحمايته من الاندثار.
وفي الوقت الحالي زاد الإقبال على الزي التراثي الأردني مع إدخال بعض اللمسات العصرية من قبل النساء اللواتي يرتدينه كزّي أساسي في المناسبات والأعراس.
كما وجب التنويه إلى ذلك الثوب الذي يغزو الأسواق ونراه جلياً في وسط البلد أو المواقع السياحية وهو الثوب الأسود المطرز باللون الأحمر، من المؤسف أن هذا الثوب منتشر بشكل كبير ويروج له بكل المحافل على أنه الثوب التقليدي للمرأة الأردنية، مع العلم أن ليس له علاقة بالثوب الأردني، ومن هنا تأتي أهمية التوثيق للمدرقة الأردنية الجميلة والمتفردة والتي تعكس الإرث الحضاري الأردني.