اعياد الأخطل و المتنبي
بقلم: د. فلك مصطفى الرافعي
النشرة الدولية –
خاص مجلة الشراع –
كأنها الهدايا المخبأة في خاصرة من جعبة خازن الاعياد ارتقى بها فوق فضائنا متخطيا طبقة التلّوث، حفر في جوف غمامة بيضاء أودع فيها الفرحة تلو الفرحة و امطرنا بها غوثا و رطبا جنيا.
تعاقبت الاعياد خلال أيام معدودات من الفصح الغربي إلى الفصح الشرقي فالفطر المبارك بعد صيام الطوائف تنزيها و تطهرا من ادران و أحقاد و مراهقة سياسية طفولية تجلّت في التوقيتين المأزومين ، ثم عيد العمل و عيد الصحافة و شهداء نزفوا بريشة الدم حتى بوابة الخلود.
كان فتى بوابة العصر الاموي غياث ابن غوث الملقب بالأخطل (المسيحي)، يرفل بثياب العيد المزركشة بقصائد المديح لخلفائها و امرائها و جلّاديها دونها حالة لمسؤول كبير أموي لم تشفع له أعمدة القصور الفارهة مرارة حلقه، و هو اللاهث وراء نسب يشرّفه.
و من منّا لم يسمع في التاريخ عن زياد ابن ابيه و كيف البسوه كفن النسب جاهزة لمشاركته في جريمة لا تُغتفر ؟!..
لا تعني هذه القصص شاعرنا الأخطل فهو في عقيدة تمنعه الخوض في أمور هو في غنى عنها ، ففي الفصح مارس طقوسه بكل حرية و امان و عاش موفور الكرامة …
و الثاني احمد ابن الحسين (المتنبي) (المسلم) في حضن سيف الدولة الحمداني امير حلب، الذي افرد له مكانا مرموقا حيث سمح له أن يقول فيه شعرا دون أن يقف كباقي الشعراء، و تنامى الدس و اللمز و الغمز من قناته (اليس هذا حالنا اليوم نصفق للناجحين بوضع العصي في عجلات نجاحهم ؟؟!!)،
حين تجرأ ابن خالويه فضربه بدواة حبر، و لم يحرّك سيف الدولة ساكنا فرحل إلى مصر عسى أن يلقى أمنيته بحكم و لاية أو دسكرة، و مَدح أميرها الاسود كافور الأخشيدي العبد الذي إنقلب على سيده بمطلع قصيدة ‘ أبا المسك “..
و من المعروف ان المسك اسود اللون، و خاب ظنّه فرحل فجر يوم العيد مفجرا اقوى قصيدة هجاء:
” (عيد بأية حال عدت يا عيد،
بما مضى أو لأمر فيك تجديد)،
و نال المتنبي لقب شاعر العرب و هو اجمل وصف له …
و في أعيادنا كم من الألوف تذكّروا القصيدة ، و مرارة عيد المتنبي المتماهي مع أعيادنا الحزينة.
مناسبات للفرح اجبرتنا أن نساكن و نهادن توصيفات نشعر بها و لا نراها، البرد، الخوف ، الجوع و الظلام ، توصيفات نغّصت أعيادنا رغم أنها محسوسة و غير مرئية، و لا نستطيع إقامة دعاوي عليها، فالقاضي يعترف بها و هيهات أن ينطق بحكم بإعتقال البرد والظلام و الجوع و الخوف.
لجأ القاضي إلى علماء الفيزياء و الكيمياء لحل معضلته فأفتوا و اجابوا أن الضوء لا يُحجب بينما الظلام مقهور بالنور أن استطاع إليه سبيلا، و عرفوا المعادلة بأن عدم امتلاك طاقة الضوء ما أجبر للظلام أن ننصاع لوحشته ..
و عدم المقدرة على تخزين طاقة الدفء فقهرنا البرد و الزمهرير مثلما استطاع اليوم سكان الإسكيمو في المناطق الجليدية أن ينعموا برغد العيش لتمكّنهم من ترشيد طاقة الحرارة المستولدة ، ليفرّ البرد يجر اذياله ..كما أن الجوع احساس غريزي و طبيعي، فالدواء ثقافة منظورة بينما البرد احساس قاهر ، وامتلاك طاقة الغذاء تغتال كل صرخات الجوع غير القابل للاعتقال …
و في ظل أعيادنا المباركة و القاهرة في آن معا فقدنا كل الطاقات التي تحمينا من موجودات محسوسة و غير مرئية ، لكننا رأينا بأمّ العين المجرّدة من حَرَمنا من طاقة الدفء و الضوء و الذي جعل طاقة الغذاء أحلام يقظة و غاية لا تُدرك ، و منعنا نظامنا من امتلاك طاقة الامان و الاخلاق فتحول ظلنا إلى ما يُسمى بالخوف و الرهاب …
… خاف ملك الهكسوس من رؤيا البقرات العجاف و سنين القحط، فكانت الحكمة بين يديّ يوسف عليه السلام المدرك لصناعة ناجحة بإمتلاك طاقة الغذاء بالتخزين ، يومها كان شمعدان البيوت و الشموع الباكية بدموع من ضياء طاقة ضد الظلام ..
سرقوا دفئنا و ضوئنا و أماننا ليبقى الفرق بين السارق الذي يسلبنا دون انتباه و بين السارق الذي فتحنا له الابواب لتبقى ( الحجة علينا أننا ولّينا امورنا لمن لا يستحق ) .
فعساهم أن يموتوا من التخمة ، و ان يُحرّقوا من تراكم الضوء و أن يصابوا بكآبة الوحدة و الخوف من المصير المحتوم …
اعياد الاخطل و المتنبي و ما بينهما في بيت من رائعة امير الشعر :
” أما الأحبة فالبيداء دونهم ،
فليت دونك بيدا دونها بيد “..
أخطلنا (المسيحي) في لبنان ، و المتنبي ( المسلم )في لبنان في اعياد فكلنا في الهمّ واحد..
د.. فلك مصطفى الرافعي
تعليق من الزميل حسن صبرا:
لست احد تعبيراً للتعليق على هذه الملحمة افضل من اضافة اسم فلك بعد الأخطل والمتنبي وبكل استحقاق
حسن صبرا