“الاغتصاب الزوجي” الجرم المباح لغياب القانون داخل غرف النوم
المغرب – مليكة أقستور
لازالت المرأة في المجتمع العربي تتعرض لأبشع أنواع العنف، ولازالت تعاني في صمت وحزن كبير يشق أضلعها، فتكتفي بدموع باردة على خديها و تستسلم لواقعها. منهن من تعرضن للاغتصاب الزوجي، والذي يعد من الطابوهات المسكوت عنها، فحتى لو قررت النساء الضحايا تحرير عقدة لسانهن والكشف عن ما تعرضن له من عنف، يلاحقن بالوصم الاجتماعي.
يعد الاغتصاب الزوجي جرم مسكوت عنه في المغرب بل وفي العالم. هو نوع من أنواع العنف ضد النساء، ورغم أن أغلبية دول المنطقة العربية تجرم الاغتصاب بشكل عام، بعقوبات تصل أحيانا الى السجن المؤبد، إلا أنه وحتى اليوم لا يوجد نص قانوني صريح وواضح يجرم الاغتصاب الزوجي بل أن بعض الدول لا تعترف حتى بوجود شيء اسمه الاغتصاب الزوجي.
والمؤسف في الأمر أن فقط 27% من البلدان لديها قوانين بشأن الاغتصاب الزوجي، حسب الأمم المتحدة ،وفي ظل عدم وجود دراسات إحصائية حول نسبة الاغتصاب الزوجي في الدول العربية، تعتبر الأمم المتحدة، في أحد تقاريرها، أنّ 35 في المائة من النساء تتعرضن لاعتداء جسدي أو جنسي من الشريك، وحتى هذا الرقم على الأرجح أقل كثيرا من الرقم الحقيقي لأنه في كل مكان يحدث العنف ضد المرأة دون الإبلاغ عنه في غالب الحالات، ووفق بومزيلي ملامبو-نوكا المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، يتطلب تقديم المرأة للبلاغات قدرا كبيرا من الشجاعة والصمود وإعادة معايشة الجريمة.
هذا الجرم المباح الذي لا زال يُرتكب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يعتبر انتهاكا مدرجا في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ضمن بند “العنف ضد المرأة”، والتي تحاول الأمم المتحدة منذ عام 1993 القضاء عليه.
وفي المغرب كباقي دول المنطقة العربية يجرم الاغتصاب بشكل عام، ويجرم الفصل 486 من القانون الجنائي المغربي الاغتصاب ويعتبره جريمة يعاقب عليها بالسجن من خمس إلى عشر سنوات، كما عرف الاغتصاب على أنه مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها ، ووفقا للفصل 485 ، يعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات من هتك أو حاول هتك عرض أي شخص ذكرا كان أو أنثى، مع استعمال العنف، ويعاقب المغتصب ولكن يستثنى الزوج، فلا وجود لنص قانوني صريح وواضح يجرم الاغتصاب الزوجي.
بخصوص هذا الموضوع، يقول المحامي سعيد العظيلي:” المشرع نص على جريمة الاغتصاب دون تمييز أو تخصيص، فهو وضع نصا عاما ينطبق على جميع حالات الاغتتصاب وبعدها وضع نصوصا تكون فيها العقوبة مشددة اذا اقترن فعل الاغتصاب بظرف من ظروف التشديد”.
وبالنسبة له ان النص القانوني المنظم للاغتصاب ينطبق حتى على الاغتصاب الزوجي، ” فبمراجعة الفصل 486 من مجموعة القانون الجنائي نجد أن أهم ركن من أركان الاغتصاب هو مواقعة المرأة، فالزوج عندما يجامع زوجته غصبا عندها أو عندما يرغمها على ذلك يكون مرتكبا لجناية الاغتصاب.”
لكن حسب قوله يصعب إثبات ذلك ” ما يصعب معاقبته ومتابعته هو صعوبة إثبات فعل الاغتصاب وانتفاء الرضى، فالزواج في الأصل هو ترابط رضائي بين رجل وامرأة ٠ وهو في حد ذاته قرينة قوية على ان اي علاقة جنسية بين الزوجين تكون رضائية، يعني أن الأصل في العلاقات الجنسية الزوجية هو الرضائية والاستثناء هو انعدام الرضا أو وقوع الجماع تحت الإكراه، ومن الصعب بما كان إثبات وجود الإكراه عند المواقعة وهذا ما يصعب تفعيل الفصل 486 في حق الزوج المغتصب٠”
يضيف” المشرع نظم جريمة الاغتصاب وحدد لها مجموعة من الفصول القانونية ،لكن تفعيل هذه الفصول يحتاج بعضا من الجرأة و بعضا من الاجتهاد القضائي وربما كانت نازلة استثنائية هي النازلة التي عرضت على استئنافية طنجة والتي أدين فيها الزوج من أجل الاغتصاب الزوجي.”
كما أشار الى أن “الزوجة يمكن ان تتعرض لهتك العرض ، مثل مواقعتها من الدبر، وفي هذه الحالة يسهل إثبات الفعل الجرمي باللجوء إلى الخبرة الطبية ، التي تثبت آثار الاعتداء، عكس الاغتصاب الذي يصعب إثباته بالخبرة الطبية،ولأن هتك العرض غالبا ما يخلف آثار العنف على جسم المرأة.”
ويوضح المحامي:”فحتى في الحالات التي تعاني منها الزوجة من الاغتصاب الزوجي غالبا لا ترغب في متابعة زوجها من أجل ذلك وتفضل إنهاء العلاقة الزوجية”. اذ يقول أن “ملفات الاغتصاب الزوجي قليلة بل نادرة” على حسب قوله.
قد نقول عنه اغتصاب مباح لغياب قانون داخل غرف النوم، فلو كانت الجدران تتكلم لكانت أول من يدلي بشهادتها داخل المحاكم المغربية عن معاناة يومية لأزواج يضربن زوجاتهم وعن الصرخات المكتومة.
فالمجتمع بطبعه مجتمع أبوي تنتصر فيه الهيمنة الذكورية، بالنسبة لهم المرأة خادمة للرجل،ولا يجوز لها التأخير عن نداء زوجها لشهوته ، فهي أوامر قسرية والمطلوب منها الاستجابة الفورية بدون رفض ولا حوار ولا تقبل منها أية أعذار، لأنها ملك للرجل وأداة جنسية يستعملها متى أراد .
ويحز في النفس أنه لا يوجد في القانون المغربي نص يجرم هذا الفعل المؤلم في حق الزوجة، لكن لازالت الجمعيات الحقوقية تناضل وتدافع عن حقوق المرأة، فرغم أنه جرم مسكوت عنه إلا أن الجمعيات اخترقت أبواب البيوت للكشف عن المسكوت عنه، بل حتى كسرت الطابو على أن كل ممارسة جنسية تتم دون رضا الزوجة هو اغتصاب من طرف الزوج ويجب أن يعاقب.
والزوج في الاخير تسانده التقاليد ويسامحه المجتمع، كما أن معظم الجدل حول الاغتصاب الزوجي بدا دينيًا، إذ لا يجدون فكرة الاغتصاب قائمة بين المتزوجين بل حتى لا يعترفون بوجود الاغتصاب الزوجي.
وفي هذا السياق، يقول عبد الوهاب رفيقي ، الباحث في الدراسات الإسلامية ” أن في الفكر التقليدي لا يوجد شيئ اسمه الاغتصاب الزوجي، والزوج من حقه أن يعاشر زوجته متى شاء وفي أي ظرف حتى لو رفضت، بل ليس لها أصلا الحق حتى أن ترفض”.
يضيف” الفقه والخطاب الديني التقليدي لا يسعف ولا يمكنه بأي حال أن يساهم في دعم المطالبات الحقوقية حول هذا الموضوع”. وأكد على ضرورة اجتهاد ديني في هذا الموضوع.
ومن جانبها إعتبرت سعدية باهي، رئيسة اتحاد العمل النسائي، ملف الاغتصاب الزوجي ضمن أشكال العنف التي تعاني منها العديد من النساء والتي لايعترف بها كما هو الشأن بالنسبة للعنف النفسي ، اعتبارا لكون جسد المرأة مستباح لزوجها أن ينتهكه بكل أشكال العنف بما فيها الاعتداءات الجنسية الشاذة، ولأنها شاذة فإنه غير مسموح للنساء البوح بها ولا التبليغ عنها، محضورة حتى في القانون 103 /13 غير معترف بها
وتؤكد أن العديد من النساء اللواتي يعانين من الاغتصاب الزوجي يعشن أوضاعا نفسية خطيرة جدا، معاناة مضاعفة نتيجة التستر عن هذا العنف وعدم القدرة على البوح به وكذا عدم وجود قانون يعترف به ويعاقب عليه.
وتسترسل “يبقى الدعم النفسي والعلاج النفسي ضرورة ملحة تتكلف بها الأخصائيات النفسانيات اللواتي يعملن معنا في مركز النجدة لمساعدة النساء والأطفال ضحايا العنف، ونظرا لقلة الموارد البشرية المتخصصة في هذا المجال نعجز عن تتبع الحالات بالشكل المطلوب وتبقى النساء ضحايا الاغتصاب الزوجي عرضة لآثار نفسية تؤثر عليهن وتنعكس على عطاءاتهن وعلى أبنائهن وعلى مردوديتهن سواء داخل الأسرة أو في العمل أو في علاقاتهن مع محيطهن”.
تضيف.” تبقى َجهودنا غير كافية لسد هذا الخصاص، لهذا نعقد لقاءات شهرية مع النساء ضحايا العنف لنساعدهن للبوح وتبادل التجارب للدعم النفسي بحضور طاقم المركز: الأخصائية النفسانية والاجتماعية والمحامي، محاولة منا إعطاء فرصة لهؤلاء النساء كي يبحثن عن عوامل القوة في ذواتهن وكذا الاستفادة من أوضاع بعضهن البعض،و يكون لهذه الجلسات آثار إيجابية على العديد منهن”.
وبخصوص احصائيات عدد النساء ضحايا الاغتصاب الزوجي، تؤكد” أن مع انتشار المواقع الإباحية الإلكترونية تفاقمت ظاهرة الاغتصاب الزوجي وتعددت أشكالها ومضاعفاتها، لن أبالغ إن قلت أن العنف الجنسي يرافق كل أشكال العنف كما يلازمها العنف النفسي”.
ونوهت بالعمل الجبار الذي يقمن به داخل اتحاد العمل النسائي، تقول” نعتبر مكافحة كل أشكال العنف ضد النساء من أولوياتنا ضمن مسيرتنا النضالية منذ بداية الثمانينات في محطات مع جريدة 8 مارس و عريضة المليون توقيع من أجل تغيير مدونة الأحوال الشخصية ومسيرة الرباط و مذكراتنا الترافعية من أجل قانون شامل يضمن الوقاية والحماية والتكفل وعدم الإفلات من العقاب.”
تتابع” استطعنا أن نحقق مكاسب هامة على رأسها خلايا التكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف في المستشفيات ومخافر الشرطة والدرك والمحاكم، وكذا اللحن الهوية والإقليمية، وأيضا انخراط الحكومة من خلال وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي وكذا النيابة العامة للعمل من أجل مكافحة ظاهرة العنف ضد النساء.”
وأشارت الى غياب آليات الحماية وعدم توفر مراكز الإيواء وعدم تفعيل دور المساعدات الاجتماعيات لتتبع أوضاع النساء المعنفات، و عدم توفير دعم مادي يقلص من تكلفة العنف وهذه بعض المعضلات التي يمكن أن نعتبرها بشكل من الأشكال مضايقات تنضاف لعدم الاعتراف بالاغتصاب الزوجي.
وبين الجدل الديني والقانوني تجد المرأة نفسها مهددة إن لم تستجب لمطالب الزوج ، و يتملكها الخوف من كل جانب، لأنه يجبرها ويهددها ، وإن قاومت تعرضت للضرب المفرط والاغتصاب ولا يسمح لها حتى بالصراخ. لكل امرأة قصة ، وان اختلفت القصص، فالاغتصاب واحد وواضح، لكن مالذي تحس به الضحية؟ ولماذا تسكت؟
تقول أميرة (اسم مستعار)، 44 عاما، في تصريح لها عبر برنامج جعفر توك، والتي قررت إخفاء هويتها لتحمي نفسها وأطفالها من الوصمة الاجتماعية: ” كان يربط يدي ورجلي كي لا أتحرك، وعندما لا يجد استجابة مني يضربني ، استمر ذلك طوال فترة زواجي التي هي 27 عاما”.
أميرة أجبرت على الزواج في 18 سنة من عمرها، وكان زوجها حينها يكبرها بحوالي 15 عاما، وبدأت معانتها مع الاغتصاب الزوجي بعد شهرين فقط من زواجها.
تصف معاناتها مع زوجها بألم الذي كان يوقظها من نومها ليشبع شهوته وان رفضت يهددها بالضرب، لم يكن أمامها سوى الاستمرار في الزواج وتحمل قسوة زوجها،ظنا منها أن معاناتها ستتوقف بعد انجاب بناتهم كما تقول، إلا أن الأمر ازداد سوءا، تقول أن” الضرب كان يترك أثار في جسدي.”
قررت أن تلجأ لأسرتها كي تشكو قسوة ما تعرضت له، تقول أن أسرتها طلبت منها أن تتحمل من أجل بناتها وألا تحاول تخريب بيتها على حسب تعبيرهم.
أميرة ليست الوحيدة التي حول زوجها حياتها الحميمية الى جحيم لا يطاق، هن نساء كثيرات لطخت حياتهن الحميمية بالدم بقوة الإكراه.
“كريمة” البالغة من العمر 30 سنة، هي الاخرى ضحية العنف الجنسي، تصف هذه التجربة بالدامية.
قررت الكشف عن معاناتها بالبوح للمساعدة الاجتماعية في الاتحاد العمل النسائي،وهي أم لطفلتين (7 سنوات/3 سنوات)، تزوجت زواج اختياري سنة 2016، تقطن بأحد الأحياء بمدينة أكادير المغربية.
بدأ مشكلها بعد عام من زواجها، لاحظت تغير طباع زوجها، بحيث بدأ يعنفها نفسيا وجسديا، كانت تتعرض للتهديد والسب والشتم على أبسط الأمور، وحين يضربها لا يدع لها المجال للذهاب للحصول على شهادة طبية، خوفا منه بأن تقدم بشكاية لمركز الشرطة، وهذا ما قامت به كريمة بعد أن سنحت لها الفرصة.
تفضفض للمساعدة الاجتماعية ،سميرة عزوزي، معاناتها اليومية مع الشخص الذي كان من المفروض أن يكون شريكا يواسيها، فبعد الخصام يرفض حتى أن يصرف على بناته، في حين يقرر هو أن يشبع بطنه بالمطاعم.
يطلب منها بقسوة الممارسة من الدبر، وحين ترفض يضربها ويعنفها، بالنسبة له لا يجب للمرأة أن ترفض طلبات زوجها.
حسب المساعدة الاجتماعية:” عنده أفكار رجعية، بالنسبة له المرأة يجب أن تكون عبدة، هو السيد وهي ضعيفة حسب تفكيره ورأيها غير مهم”.
تتابع:”تاثرت نفسيا وأصبحت حياتها جحيم مع هذا الشخص خرجت مرارا وتكرارا من البيت الزوجية، لكن بتدخل العائلة ترجع لبيتها،ما تسبب في انقطاع احدى بناتها عن الدراسة لمدة شهرين وهذا ما دفعني أن أتصل بالمدرسة.”
تقول المساعدة الاجتماعية: كان يحز في نفسي أن أرى طفلة صغيرة تضيع، فارتأيت الاتصال بالمدرسة وطلبت منه أن نعيد الطفلة الى أحضان الدراسة، والحمد لله كان ردهم بالإيجاب، فهذا هو المكان الذي من المفروض أن تكون فيه الطفلة.”
تتابع:” فحتى فكرة الطلاق يصعب تنفيذها لتحديات كثيرة، والدها يرفض فكرة أن تقطن لوحدها، وطلب منها في حال حصل الطلاق أن تعود لمسقط رأسها، بقرية صغيرة نواحي مدينة الصويرة، ما تراه صعبا خصوصا بالنسبة لابنتيها اللواتي اعتدن على حياة المدينة، ويمثل تحديا حتى بالنسبة للدراسة ما يدفعها ترفض فكرة العودة الى القرية.”
هكذا وجدت كريمة نفسها في صراع حاد، بين عائلتها الرافضة لفكرة أن تسكن لوحدها بعد الطلاق، وزوجها الذي حول حياتها لجحيم لا يطاق.
“في هذه الحالة اضطررنا أن نتدخل ليتم الصلح من اجل مستقبل ابنتها الدراسي، لان مصلحة الأطفال تأتي في الدرجة الأولى” تقول المساعدة الاجتماعية.
تتابع:”اتصلنا بالزوج وحاولنا أن نستمع له أيضا، الذي يبرر أفعاله بمرضه بالاعصاب، وطلبنا منه أن يتصل بزوجته وأن يطلب الصلح، وهذا ما فعله بالضبط، وقاموا بجلسة حوار أدت للصلح كفرصة أخيرة من أجل الطفلتين”.
ويبقى موضوع الاطفال نقطة انطلاق لنقاش آخر، فمن جهة تتعذب المرأة وتكون مجبرة أحيانا أن تسامح في حقها من أجل فلذات كبدها، ومن جهة أخرى يبقى الأطفال هم ضحية لاعتداء نفسي، فما هو مصيرهم؟ وهل يتم دعمهم نفسيا؟ وهل سنرى يوما في القانون المغربي نص واضح يجرم الاغتصاب الزوجي؟