أوروبا تخذل لبنان مع تزايد المخاوف من توطين النازحين السوريين
النشرة الدولية –
لبنان 24 – نوال الأشقر –
تتزايد مخاوف اللبنانيين من توطين النازحين السوريين في بلادهم. الكل يجمع على أنّ عودة هؤلاء باتت حاجة ملحّة، خصوصًا أنّ عبء النزوح بأثقاله الإقتصادية والأمنية والإجتماعية أضحى أكبر من قدرة اللبنانيين على تحمّله، لا بل بات يأخذ منحىً خطيرًا لجهة إمكان استغلال جهة ما أعدادهم المليونيّة لافتعال توتّرات، وإحداث فوضى تخدم مآربها السياسية.
في الآونة الأخيرة حدث نوع من الإجماع في الداخل اللبناني حيال ملف النزوح، الحكومة اللبنانية، وللمرة الأولى منذ بدء معضلة النزوح، أسمعت المجتمع الدولي خطابًا لبنانيًّا موحّدًا، حمله قبل أيام إلى مؤتمر بروكسل وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب. سبق ذلك ما أعلنه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في حزيران 2022، على مسمع الجهات الدوليّة والأممية في السراي الحكومي، من وجوب تعاون المجتمع الدولي مع لبنان لإعادة النازحين السوريين “وإلا فسيكون للبنان موقف ليس مستحباً على دول الغرب، وهو العمل على إخراج السوريين من لبنان بالطرق القانونية، من خلال تطبيق القوانين اللبنانية بحزم”. كان ذلك بداية التحوّل في لهجة لبنان الرسمي، من خلال موقفٍ هو الأول من نوعه لشخصية سنيّة في موقع المسؤولية. تُرجم ذلك بتأليف لجنة حكوميّة باتت تتابع الملف مع المنظّمات الدوليّة والحكومة السورية.
على رغم أهميّة الإجماع اللبناني على وجوب إعادة النازحين، بقي موقف المجتمع الدولي يدفع باتجاه ربط العودة بحلًّ سياسي شامل في سوريا. أكثر من مرجع لبناني نظر بعين الريبة إلى ذلك، منهم البطريركية المارونية حيث سأل البطريرك الماروني بشارة الراعي عمّا إذا كانت وراء الموقف الدولي نيّة توطينهم في لبنان، وهو تحذير كررته أكثر من جهة. بالمقابل بقي الموقف الأوروبي على حاله، وهو ما عبّر عنه في بروكسل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل قائلًا إنّ “الاتحاد لن يدعم عودة النازحين السوريين إلى سوريا، ما لم تكن عودة طوعيّة وآمنة وخاضعة لمراقبة مجموعات دولية”.
المدير التنفيذي لملتقى التأثير المدني زياد الصائغ قرأ في المناقشات والمداولات التي جرت في مؤتمر بروكسل “استدامة لموقف الإتحاد الأوروبي من وجوب إنجاز حلٍّ سياسي في سوريا، قبل انطلاق ورشة إعادة الاعمار، وضرورة تأمين ضمانات قانونيّة واجتماعيّة وأمنيّة واقتصادية للاجئين السوريين، من خلال الأمم المتحدة قبل عودتهم، أو في موازاتها”.
الصائغ وفي اتصال مع “لبنان 24” رأى أنّ مؤتمر بروكسل يؤشر الى “استمرار الإتحاد الاوروبي في تقديم المقاربة الإنسانيّة على تلك السياسيّة، انطلاقًا من مواكبته لواقع تعثّر العمليّة السياسيّة في سوريا.”
البعض يرى أنّ وراء موقف المجتمع الدولي القائم على ربط العودة بحلّ شامل، ورفضه للعودة الآمنة، على رغم المساحات الآمنة داخل سوريا والتي تتجاوز مساحة لبنان بأضعاف، وكأنّه يسعى لفرض توطين النازحين في البلدان المضيفة، تحت عنوان الدمج في المجتمعات المضيفة.
بنظر الصائغ “الحديث عن مؤامرة كونيّة للتوطين هو جزء من تجهيل الفاعل في عرقلة العودة، كما أنّه يجافي الواقع في سوريا، التي تتعرض لتغيير مذهبي ديموغرافي متكامل، في كلّ الرقع الجغرافية” معتبرًا أنّه من الأجدى مقاربة هذه المسألة بدقّة “انطلاقًا من معرفة من هم النازحون؟ من أين أتوا؟ من يسيطر على البلدات والمدن والقرى التي خرجوا منها؟ وهل يمكن أن يعودوا؟ متى؟ كيف؟ ووفق أيّ ضمانات؟”
عودة النازحين السوريين إلى ديارهم شكّل شرطًا من مجموعة شروط أخرى، وضعتها الدول العربية والخليجية تحديدًا، أمام النظام السوري لقاء التطبيع معه. فهل يساهم الدور العربي في تحقيق العودة بمعزل عن الدعم الغربي؟
“من يملك سلطة القرار في سوريا لتنفيذ ما تم التوافق عليه؟” يسأل الصائغ، مشيرًا إلى تشتّت مرجعية القرار في سوريا، ووجود أجندات متضاربة بين قوى الأمر الواقع، أي بين روسيا وإيران “هذا يؤشر عمليًّا إلى أنّ امكانية تنفيذ ما تمّ الاتفاق عليه، يبقى من قبيل الإفتراض. بدليل أنّه منذ انطلاق مسار التطبيع بين بعض الدول العربية والنظام السوري لم يتمّ تنفيذ أي خطوة إيجابية، بما يتعلق بوقف تهريب الكبتاغون، واتخاذ إجراءات من شأنها تسهيل عودة النازحين. والسؤال المطروح هل يمكن أن يضطلع لبنان بدور دبلوماسي من خلال جامعة الدول العربية والأمم المتحدة لتحقيق ضغط بنّاء لتسهيل عودة 600,000 سوري الى مناطق القلمون والزبداني والقصير؟ ومن يمسك بهذه المنطقة؟”.
كان لافتا ما قاله النائب الفرنسي في البرلمان الأوروبي تييري مارياني تييري ماريان لجهة “ضرورة مساعدة لبنان في اعادة النازحين الى بلادهم، وما يريده اللبنانيين ليس أن نساعدهم على إبقاء اللاجئين بل أن نساعدهم في عودتهم إلى ديارهم”مضيفًا “يرفض الإتحاد الأوروبي التفاوض مع النظام السوري، لكن اعذروني أيها الرفاق لقد ربح الحرب، ماذا نفعل؟ هل سنجعل لبنان يدفع الثمن لمدة 50 عامًا؟”
هذا الموقف المتمايز في برروكسل يعبّر عن حقيقة ما يريده لبنان الرسمي والشعبي، أمّا ما يرغب به النظام السوري أو المجتمع الدولي فليس ملزمًا لنا كلبنانيين، علينا أن نكمل سعينا بكل المحافل الدوليّة لتحقيق العودة تنفيذًا للقرارات الدوليّة، وأيّ دفع دولي للتوطين لا يتحقق رغمًا عن إرادتنا ودستورنا وكياننا.