الرواية الإسرائيلية في مواجهة المحتوى الرقمي الفلسطيني
بقلم: د. دانييلا القرعان
النشرة الدولية –
من العار علينا ن نعتبر أن شركات التواصل الاجتماعي الكبرى منصات محايدة، بل هي شركات تجارية بحتة، تسعى لتحقيق أكبر فائض ربحي. لذلك لا نستغرب أن تتحول هذه المواقع لساحة معركة، تفوز فيه كفة القوي على الضعيف، والذي يدل على هذا الكلام، الطرق المتباينة التي تتعامل بها شركات التكنولوجيا العملاقة مع المحتوى الرقمي الفلسطيني.
منذ سنوات تتعاظم الجهود الصهيونية مع منصات التواصل الاجتماعي في ملاحقة وتقييد المحتوى الرقمي الفلسطيني، حيث تمكن العدو الصهيوني من فرض شروط وتشريعات على كبرى شريكات التكنولوجيا المختلفة ” منصات التواصل الاجتماعي” مثل تويتر فيسبوك وأنستغرام ويوتيوب وسناب شات لمراقبة المحتوى الرقمي الفلسطيني.
الضغوط الصهيونية الرسمية على إدارات منصات التواصل الاجتماعي، بدأت وكأنها حربا محمومة على المحتوى الرقمي الفلسطيني، وذلك بفرض رقابة مشددة عليه، وتقييد كل ما ينشر عن القضية الفلسطينية، إن لم يكن بإزالته بشكل كامل، وحجتهم بملاحقة المحتوى الفلسطيني أنه يحرض على التطرف ضد إسرائيل.
بعد انتقال وسائل الإعلام المحلية الفلسطينية الى الفضاء الرقمي الخارجي، وبعد ن تحول الكثير من المواطنين العاديين الى صحفيين لنقل الأحداث أول بأول عبر هذه المنصات الاجتماعية والتي جعلت العالم قرية صغيرة، وبالنظر الى اعتماد الفلسطينيين بشكل كبير على منصات التواصل الاجتماعي لتلقي الاخبار المهمة، فإن السياسات المتبعة والتي تديرها شركات صهيونية كبيرة وملاحقتها لكل ما ينشر عن القضية الفلسطينية والانتهاكات التي تتعرض لها، فإن ذلك أثر في تلقي المواطنين لهذه المعلومات، وأثرت أيضا على إمكانية الوصول الى العديد من الشبكات الإخبارية الفلسطينية على هذه المنصات. الحقوق الرقمية الفلسطينية باتت مهددو بشكل واضح على منصات التواصل الاجتماعي، وأثر ذلك على مستوى حرية التعبير لدى الفلسطينيين ومدى مشاركتهم في الحياة السياسة.
العدو الصهيوني بأمنه القومي ومصالحه السياسية يحاول جاهدا ربط رقابته على تدفق المحتوى الرقمي عبر منصات التواصل المختلفة، ونحن نعلم جيدا أن الخطاب الدولي كان يبحث عن أسس الحفاظ على حرية التعبير على الإنترنت، وتجنب استخدام المحتوى الرقمي كذريعة لمطاردة النشطاء السياسيين.
تمكنت إسرائيل من فرض رقابتها، وشروطها وتشريعها على هذه المنصات، وتتم عملية الرقابة من خلال تتبع خوارزميات الإنترنت، أو الرموز السرية التي تحدد معين أو شخص معين لوقف حسابه أو حذف المحتوى الذي نشره. ومن خلال هذه الخوارزميات أصبحت بعض المصطلحات محظورة الاستخدام عبر منصات التواصل الاجتماعي، مثل كلمة غزة، فلسطين، مقاومة، شهيد، حماس، والكثير من المصطلحات التي يتم شطبها وشطب المحتوى القائم عليها، أو تقييد صفحات البعض لمدد معينة تحذيرا لهم، بالإضافة الى أن بعض الصور التي تشير الى بعض القيادات الفلسطينية أو صور لشهداء تكون ممنوعة من التداول والنشر.
ما يتكرر حدوثه الآن في ظل الأوضاع المأساوية التي يعيشها قطاع غزة تحديدا، ومن نشر الكثير من المنشورات تأييدا ودفاعا عن غزة والتراب الفلسطيني كاملا، فإن عمالقة التكنولوجيا بات يمكنهم التلاعب وإلغاء أي نشور أو شخص بين عشية وضحاها إذا عارض تلك الخوارزميات. ونلاحظ في سياسات الرقابة التي تفرضها منصات التواصل وعلى رأسها الفيسبوك أنها تخضع لأجندات إسرائيلية من خلال مصطلحات فضفاضة غير واضحة ومبهمة، على سبي المثال لا يوجد تعريف محدد للعنف، وما يعتبر خطابا عنيفا، وحتى أصبحت هذه المنصات تخلط ولا تميز بين ما هو انتقاد مشرع ومسموح لإسرائيل وما يحرض على العنف أو الكراهية أو التطرف. في الجهة الأخرى نلاحظ أن هذه المنصات توفر للإسرائيليين حرية مطلقة في نشر ما يريدون حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بما فيها الدعوات الواضحة لقتل الفلسطينيين، وينشر كل ذلك بلغتهم العبرية على مرأى القائمين على هذه المنصات ودون قيود أو رقابة أو شروط تفرض عليهم.
أعلن فيسبوك سابقا على ضمّ “إيمي بالمور”، المديرة العامّة السّابقة لوزارة العدل الإسرائيلية، بعد أن كان التعاون بين إسرائيل وعمالقة التكنولوجيا خلف الكواليس، إلى مجلس حكمائه عام 2020. وهو ما أثار غضب الفلسطينيين لا سيما وأن بالمور عملت سابقاً مع شركات التكنولوجيا، لفرض الرّقابة على المحتوى الفلسطيني وحظره. وفي عام 2015، أنشأت وزارة الخارجية الإسرائيلية مركز قيادة لجنودٍ سابقين يتمتعون بالذكاء التكنولوجي من وحدة 8200 (وهي وحدة استخبارات إلكترونية تابعة للجيش)، لقيادة المعركة عبر الإنترنت، لاحقاً وفي عام 2017، انطلق تطبيق (Act.IL) بدعم مِن وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية، لحشد الدعم لإسرائيل في مواقع التواصل وإغراقها بالدعاية للاحتلال، مقابل ملاحقة المحتوى الفلسطيني. يمكن القول إن الحرب الإسرائيلية على المحتوى الرقمي الفلسطيني بدأت قبل نحو عقد، بعد إعلان الجيش الإسرائيلي مواقعَ التواصل الاجتماعي ساحة معركة عام 2011.
يُثير الفلسطينيون بين الحين والآخر هذه القضية ويطالبون بوقفها لكن دون جدوى. ومِن أبرز سياسات التمييز التي تتبعها منصات التواصل ضد المحتوى الفلسطيني: حظر البث المباشر وفرض قيود على النشر، وتقليل فرص الوصول والمتابعة للمنشورات الفلسطينية، إلى جانب معاقبة المشتركين مِن خلال إلغاء قنواتهم وحساباتهم بشكل مؤقت أو دائم بحجّة استخدام محتوى يشجّع على العنف. في النتيجة، أُزيلت آلاف المنشورات والصّفحات الرقميّة الفلسطينيّة والعربيّة الدّاعمة للقضيّة الفلسطينيّة. وهكذا، يمكن القول إنّ إسرائيل نجحت فعلياً في تضييق الخناق على الإعلام وحرية التعبير لدى الفلسطينيين عبر توسيع مفهوم خطاب الكراهية ومعاداة السامية، بحيث بات ذلك يشمل كلّ ما يُعرّض دولة الاحتلال للانتقاد أو يفضح سياساتها على أرض الواقع.
إنّ غياب البدائل لمنصات التواصل الاجتماعي مِن جهة، وضعف القوانين العالمية لحماية الحقوق الرقمية والحريات عبر الإنترنت من جهة أخرى، يضع على الفلسطينيين مسؤولية إنتاج مواد إعلامية ذات جودة، تستخدم أدوات التسويق بعقلانية لتلافي سياسات الحظر والملاحقة. بكل الأحوال، استطاعت بعض الحملات الشعبيّة ممارسة الضغط على منصات التواصل الاجتماعي لإعادة النظر في سياساتها نحو المحتوى الفلسطيني عبر تنفيذ حملات تغريد موحدة. كما تمكّنت بعض المبادرات الشبابية مِن تحقيق اختراق والتواصل مع القائمين على المنصات الرقمية وإجبارهم على إعادة العديد مِن الصفحات الرقمية المُلغاة. من بينها، مبادرة “صدى سوشيال”، وهي مبادرة شبابية انطلقت عام 2017، لتوثيق انتهاكات الإعلام الرقمي للمحتوى الفلسطيني. ظهرت هذه المبادرة رداً على الحملة الإسرائيليّة المسعورة على المنشورات الفلسطينية والنشطاء والصحافيين الفلسطينيين في أعقاب أحداث “انتفاضة القدس”، التي شهدتها الأراضي الفلسطينية عام 2015 احتجاجاً على اقتحامات المتطرفين اليهود للمسجد الأقصى