الدولار والدونار الخليجي
بقلم: سعد بن طفلة العجمي
النشرة الدولية –
يسمونه في اللهجة الأميركية “غرين” والعجين والبك BUCK، اختصاراً لكلمة جلد الوعل الذي كان يعادل عملة المقايضة في أميركا الشمالية قبل إصدار الدولار. هو أكثر العملات تداولاً وبه تقارن العملات ويسعر الذهب الأسود والأصفر، أكثر العملات عرضة للتزوير وأكثرها قدرة على التعمير أو التدمير. إنه الدولار عملة الولايات المتحدة، تحديداً، لأن بعض الدول مثل كندا وأستراليا ونيوزيلندا تسمي عملتها الدولار، لكنه مختلف عن نظيره الأميركي.
تطبع الولايات المتحدة دولاراتها من دون هوادة ومن دون ضمان مقابل لعملتها كالذهب أو سلة عملات، هي تطبع على مسؤوليتها وضمانتها الوحيدة اقتصادها الذي يعادل ربع اقتصاد الكرة الأرضية.
أصل الكلمة من الهولندية، فتجار هولندا وبلجيكا أخذوا عملة فضية من وادٍ في جمهورية تشيكيا الحالية اسمه وادي يواكيم JOACHIMDALER، واختصرت لكلمة “دالر” التي تعني وادي باللغة الألمانية. وتعامل بها التجار الهولنديون والبلجيكيون في القرن الـ18 بشمال أميركا، وأخذها الثوار الأميركيون الثائرون ضد حكم بريطانيا عملة لهم كنوع من الانفكاك والاستقلالية عن الدولة المستعمرة وعملتها الجنية الاسترليني الذي بدوره أخذ اسمه من الرطل POUND فقد كان يعادل رطلاً من الفضة.
واختلف اللغويون التاريخيون حول أصل تسمية استرليني لكني أميل إلى الرأي القائل إنها أتت من الإنجليزية القديمة وتعني النجم المشع كتشبيه للمعان الفضة.
ويعد الجنيه الاسترليني واليورو والين الياباني إلى جانب الدولار الأميركي العملات الأربع العالمية التي تشكل سلة العملات المعتمدة عالمياً، والين باليابانية تعني الدائرة، وهي تعود لنفس جذر ومعنى العملة الصينية والكورية، اليوان والوان على التوالي. أما اليورو، فهو اسم نحته الأوروبيون بداية هذا القرن حين أطلقوا عملتهم الموحدة.
في خليجنا العربي ست عملات مختلفة، الدينار في البحرين والكويت، والريال في السعودية وعمان وقطر، والدرهم في الإمارات.
والدينار أصلها من اليونانية (دينوريوس) أي عشري القيمة، وكانت العملة الشائعة في كل منطقة الجزيرة والشرق الأوسط وعليها رسومات مختلفة لهرقل وأباطرة الرومان والإغريق حتى جاء عبدالملك بن مروان وسك الدينار العربي أواخر القرن الأول للهجرة.
أما الريال، فمعناه الملكي وقيل إنه سمي كذلك نسبة إلى عملة إسبانيا التي كانت من أكبر دول العالم استعماراً وانتشاراً حتى نهايات القرن الـ19، والدرهم من اليونانية “دراخما”، وكان في العراق يعني 50 فلساً. أما اليوم، فلا أحد يأتي على ذكر الـ50 فلسا أبداً في العراق حيث وصل سعر صرف الدولار إلى 1600 دينار عراقي. والفلس من اليونانية أيضاً ومعناه النحاس الذي هو أقل قسمة من الذهب والفضة، وهي كلمة اشتق منها الغني الذي “عنده فلوس”، والمعدم المُفلّس، وأعلن إفلاسه، والمفلس بكسر اللام تعني الخائب.
بنهاية السبعينيات، كنا نذهب إلى البصرة في العراق مرة كل شهر تقريباً في السيارة، كانت الرحلة ساعة ونصف تقريباً من الجهراء إلى البصرة، وكان الدينار العراقي يساوي ديناراً كويتياً ومئة فلس، أي ما يعادل ثلاثة دولارات ونصف الدولار للدينار العراقي الواحد، وكنا نعبئ السيارة مشتريات مما لذ وطاب بما لا يتجاوز 10 دنانير عراقية، نشتري بها خضراوات وفواكه ولحماً ورزاً تمّن العنبر العراقي وقيمر وبقصم وخلافه.
تدمر العراق والاقتصاد بحروب عبثية مجنونة أشعلها صدام حسين بغروره وغبائه وعنجهيته وجهله، والمحزن أن بيننا اليوم من لا يزال يترحم عليه ويعتبره بطلاً قومياً، كما أن المؤلم أن بين العراقيين اليوم أصواتاً عالية تردد، رحم الله الحجاج، فقد كان أرق بعباده.
يحاول العالم اليوم ضمن سياسات وتحالفات مختلفة المروق من ربقة الدولار، فكانت تكتلات “بريكس” التي تضم الصين والهند وروسيا وجنوب أفريقيا والبرازيل، وينظر القائمون على هذه التكتلات بالتوجه نحو عملات جديدة يتعاملون بها غير الدولار، وتعيش دولنا الخليجية حالاً من الرفاه الاقتصادي الممتاز مقارنة بالمعاناة الاقتصادية التي تمر بها معظم اقتصادات دول العالم، ولعل هذه التطورات تعيد لمتخذي القرار الخليجي فكرة العملة الخليجية الموحدة التي أصبحت طي النسيان والتي من شأنها أن تعلو بشأن الاقتصاد الخليجي وتعزز التجارة البينية وتقوي المكانة السياسية الخليجية عربياً ودولياً، وهي خطوة وحدوية اقتصادية خليجية ستعزز الأرضية لتحقيق حلم الوحدة الفيدرالية الخليجية مستقبلاً.
ولكي لا نختلف على تسميته مستقبلاً كعادتنا، كما اختلفنا حول مقر البنك المركزي الخليجي قبل أعوام، فإني أقترح من الآن نحت اسم جديد له بين الدولار والدينار ويكون دونار.