بلومبيرغ: صعود الصناديق السيادية الخليجية تدير أكثر من 3.5 تريليون دولار

النشرة الدولية –

أصبحت صناديق الثروة السيادية في دول الخليج ممولة لبعض أكبر حزم الإنقاذ والاستثمارات وعمليات الاستحواذ في العالم دون أن تظهر علامات على التراجع عن هذا التوجه في عام 2023، وفق تقرير لوكالة “بلومبيرغ“.

وأضحت الصناديق السيادية من السعودية إلى قطر وأبوظبي تدير أكثر من 3.5 تريليون دولار، وهو مبلغ يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة، وذلك نتيجة لارتفاع سعر النفط في 2022.

خلال السنوات السابقة، كان المستثمرون الخليجيون يتمتعون بـ “سمعة طيبة” في اقتناص الاستثمارات بالدول الغربية مثل نادي مانشستر سيتي الإنكليزي وعقارات مانهاتن ومتجر هارودز، بحسب الوكالة الأميركية.

ويقول صانعو الصفقات إن الخليجيين هذه المرة يستخدمون تكتيكا جديدا باستخدام ثرواتهم للمطالبة بدور أكبر على الساحة العالمية وتنويع اقتصاداتهم وكسب النفوذ الجيوسياسي.

وقال آندي كيرنز، رئيس أسواق رأس المال بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة “هوليهان لوكي” الأميركية: “تجلس صناديق الثروة السيادية في المنطقة على رأس المائدة بشكل لا لبس فيه لإلقاء نظرة أولى على جميع الصفقات العالمية”.

وأضاف أن ذلك يتماشى مع منطقة “تعبّر بشكل متزايد عن طموحاتها الاقتصادية والسياسية وتؤكدها على المسرح العالمي”.

مليار دولار يوميا

وأنفقت صناديق الثروة في المنطقة ما يقرب من 89 مليار دولار على الاستثمارات خلال عام 2022 أي ضعف ما تم إنفاقه العام السابق، وفقًا لمزود البيانات “غلوبال إس دبليو إف”

واستحوذت أوروبا وأميركا الشمالية على 51.6 مليار دولار من إجمالي ما أنفقته الصناديق السيادية الخليجية خلال العام الماضي.

وعززت صناديق الثروة الخليجية احتياطاتها مع ارتفاع أسعار النفط بعد الغزو الروسي لأوكرانيا مما جعل السعودية – على سبيل المثال – تجني مليار دولار من مبيعات النفط يوميا، بحسب “بلومبيرغ”.

بدون قيود الشركات العالمية الأخرى، من المتوقع أن تستمر الصناديق الخليجية في الإنفاق حتى مع تراجع أسعار النفط الخام، في مشهد متناقض مع الولايات المتحدة وأوروبا والصين، حيث خضع التمويل والصفقات لمعدلات فائدة أعلى وسط مخاوف من الركود.

وبحسب تقرير “بلومبيرغ”، فإن ترسل الشركات والبنوك المتعطشة للمال من جميع أنحاء العالم ترسل فرقا كبيرة إلى مدن مثل الرياض وأبوظبي لطرح أفكار استثمارية.

ورغم مستوى النشاط المحموم، يجد بعض المديرين التنفيذيين أنفسهم ينتظرون أيامًا للقاء المسؤولين المناسبين، حسبما قال أشخاص مطلعون على الأمر.

وعندما يصل صانعو الصفقات إلى المكان المناسب، يمكن أن يواجهوا عالما معقدا، حيث تتطلب القرارات الكبرى في كثير من الأحيان موافقة من العوائل المالكة، مما يؤدي إلى طمس الخط الفاصل بين أدوات الاستثمار الخالصة والسياسة، على حد قول أشخاص آخرين.

ووفقا للمستشارين والمديرين التنفيذيين العاملين مع الصناديق الخليجية، بات من الصعب الآن كسب مستثمري الخليج حيث يرفضون الصفقات التي لا تتناسب مع أهدافهم المتمثلة في بناء الدولة أو تحقيق العوائد.

وقال راجيش سينجي، رئيس عمليات الاندماج والاستحواذ في “ستاندرد تشارترد” بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن صناديق الثروة السيادية في المنطقة تعيد تشكيل استراتيجياتها، مع التركيز على “دعم اقتصاداتها المحلية أو تكوين الثروة للأجيال القادمة”.

ويلتزم المسؤولون التنفيذيون في صندوق الاستثمارات العامة السعودي بإبرام صفقات تتناسب مع استراتيجية الأمير محمد بن سلمان للمملكة، والتي تسعى إلى تقليل الاعتماد على النفط كمصدر للدخل والتوسع في صناعات جديدة، كما يهدفون لإدارة أصول بقيمة 1 تريليون دولار بحلول عام 2025،

وقال متحدث باسم صندوق الثروة السيادي السعودي عبر البريد الإلكتروني إن نهج صندوق الاستثمارات العامة “لا تغيره أسعار النفط، بل تحدده استراتيجيتنا الخمسية الأخيرة التي تم الإعلان عنها في يناير 2021 والتي ينفذها الصندوق”.

وأضاف أن الصندوق السعودي لديه عملية استثمار قوية تتناسب مع مديري الأصول العالميين ويلعب كل عضو في مجلس الإدارة دورًا مهمًا في المناقشات.

والتزم صندوق الاستثمارات العامة باستثمار أكثر من 200 مليار دولار في اقتصاد السعودية بحلول عام 2025، وهو هدف طموح حدده ولي العهد، يتطلب من الصندوق إنفاق 40 مليار دولار في المتوسط سنويا.

ولم يحقق التنفيذيون في صندوق الاستثمارات العامة هذا الهدف في 2022 للعام الثاني على التوالي، وفقا لأشخاص مطلعين على الأمر. وقال المتحدث إن الصندوق السيادي السعودي “سرّع استثماراته المحلية إلى مستويات قياسية”.

“رفاهية”

وأصبحت بعض الحكومات الأوروبية أكثر حذرا بشأن علاقاتها التجارية مع الصين، مما يمنح الشرق الأوسط المزيد من الفرص.

في الدوحة، يسعى جهاز قطر للاستثمار الذي تبلغ تكلفته 450 مليار دولار للحصول على المزيد من الصفقات الخارجية بعد انتهاء كأس العالم لكرة القدم الشهر الماضي بالإمارة الخليجية.

وبعد زيارة المستشار الألماني، أولاف شولتس، إلى قطر خلال سبتمبر أصبح جهاز قطر للاستثمار داعمًا مهمًا لمرافق شركة خدمات الكهرباء الألمانية “آر دبليو إي” باستثمار قدره 2.4 مليار يورو (2.5 مليار دولار).

وقال ممثل جهاز قطر للاستثمار عبر البريد الإلكتروني إن استراتيجيته تركز على القيمة طويلة الأجل عبر مجموعة متنوعة من القطاعات بما في ذلك “الصناعات التي تدعم التكنولوجيا والطاقة المتجددة والمنخفضة الكربون والرعاية الصحية”.

في عام 2021، التزمت “مبادلة” باستثمار 10 مليارات جنيه إسترليني (12.2 مليار دولار) في المملكة المتحدة لنقل الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا في صفقة أعلنها الحاكم الحالي لدولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد والتي تهدف إلى إظهار دعم الدولة للمملكة المتحدة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وكانت شركة “مبادلة” – أحد الصناديق السيادية في عاصمة الإمارات – مهتمة بشراء بنك ستاندرد تشارترد، العملاق المالي البريطاني الذي تبلغ قيمته أكثر من 20 مليار دولار عن طريق بنك أبوظبي الأول التابع للصندوق.

وذكرت “بلومبيرغ” أن بنك أبوظبي الأول – المملوك لمبادلة وأفراد من أسرة آل نهيان الحاكمة في أبوظبي – استكشف صفقة ستاندرد تشارترد لأكثر من ستة أشهر قبل أن يعلن تراجعه عنها.

وقالت الباحثة البارزة بمركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، كارين يونغ، “إن القدرة على توظيف رأس المال لتحقيق عائد استثماري وأهداف سياسية معا، يعد رفاهية”.

وأضافت أن “هذا ما يوضح حجم هذا التحول في أصول صناديق الثروة السيادية الخليجية”.

زر الذهاب إلى الأعلى