لبنان يتأرجح بين الرمادي والأسود.. التحويلات المالية في خطر؟
النشرة الدولية
لبنان 24 – نوال الأشقر –
ينتظر لبنان صدور تقرير مجموعة العمل المالي Financial Action Task Force) (FATF، التي تصنّف الدول على قوائم بيضاء، رمادية أو سوداء، وفقًا لمدى امتثالها لإجراءات ومعايير مكافحة تبييض الأموال. السيناريو الأكثر ترجيحًا للتقرير الذي سيصدر في أيار المقبل، وفق أوساط مالية واقتصادية، هو شطب لبنان عن اللائحة البيضاء، ووضعه على القائمة الرمادية. ماذا يعني هذا الأمر وكيف سينعكس على التحويلات المالية؟
القائمة الرمادية تضم دولًا لديها ثغرات في نظامها المالي، تحول دون مراقبة معايير مكافحة الإرهاب وتبيض الأموال، فيتمّ إخضاعها إلى رقابة مشدّدة والتدقيق في كافة التحويلات المالية الواردة إليها والصادرة عنها. بنتيجة الرقابة، إمّا تُرفع هذه الدول إلى اللائحة البيضاء، أو يتمّ إسقاطها إلى القائمة السوداء، وذلك استنادًا إلى مدى تعاونها في معالجة الثغرات. أمّا القائمة السوداء فتضم الدول ذات المخاطر المرتفعة، التي لديها أوجه قصور استراتيجية في نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار التسلح، بحيث تدعو مجموعة العمل المالي جميع الدول الأعضاء الى اتخاذ تدابير مضادة بحقّها، وتواجه هذه الدول عزلة ماليّة، مثل ايران وكوريا الشمالية، وهما على القائمة السوداء في تصنيف المجموعة الدولية.
العلاقة بين اقتصاد الكاش وتبيض الأموال
تنقسم الاراء حيال التصنيف المرتقب بشأن لبنان، هناك من يدعو إلى عدم التهويل، خصوصًا أنّ المجموعة تقوم بمراجعات دوريّة، لتقييم التزام الدول بالمعايير الدولية لمكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب، وأنّها في شباط الماضي أصدرت تقريرًا صنّفت بموجبه عددًا من الدول ضمن القائمة الرمادية، ولم تذكر لبنان ولو أرادت خفض تصنيفه لفعلت، وأنّ المعطيات لم تتغير في لبنان منذ تصنيفها الأخير. بالمقابل تقول أوساط اقتصادية متابعة لـ “لبنان 24” أنّ تصنيف لبنان سيكون في القائمة الرمادية في أحسن الأحوال، مشيرة إلى معلومات أوليّة، مفادها، أنّ هناك عشرة معايير تحكم عمليّة التصنيف، وأنّ لبنان سقط في المعايير التسعة الأولى، أمّا المعيار العاشر فيُعرض على التصويت. الرئيس السابق لغرفة عمليات القطع في مصرف لبنان، بهيج الخطيب، مستشار اتحاد المصارف العربية يرجّح بدوره عبر “لبنان 24” وضع لبنان على القائمة الرمادية، التي خرج منها عام 2003.
احتمالات خفض تصنيف لبنان تعود إلى جملة معطيات، في مقّدمها التوجه نحو اقتصاد الكاش بفعل أزمة القطاع المصرفي، وفقدان المصارف لوظائفها الأساسية في تمويل الإقتصاد وجذب الودائع وتتبع حركة الأموال في البلاد، بحيث باتت المعاملات المالية تتم بمعظمها نقدًا وخارج المنظومة المصرفيّة، الأمر الذي جعل العمليات المالية غير خاضعة للرقابة. بالمقابل ظهرت أسواق مالية غير مصرفيّة لا تخضع لمراقبة السلطات المالية والنقدية، كالقرض الحسن، هذا الواقع المالي نتج عنه تراجع في معايير مراقبة تبييض الأموال ومكافحة التهرب الضريبي. فضلًا عن اقتصاد الكاش، هناك اسباب أخرى قد تدفع بلبنان إلى المنطقة الرمادية، منها ما صدر من قرارات قضائيّة اتُهمت فيها بعض المصارف بتبيض الأموال على خلفية عدم تزويد القضاء بحسابات مسؤولين لديها، هذه القرارات تؤثّر سلبًا وفق الخطيب، لأنّ الجهات الدولية لا تنظر إلى القضاء من زاوية التفريق بين مسيّس أوغير مسيّس، بل تعتبره سلطة لديها صدقية.
مؤشر إضافي يعزز من احتمالية خفض التصنيف، هو تقرير بعثة صندوق النقد الدولي التي زارت لبنان مؤخرًا، وحذرت في بيانها الختامي إلى توسّع نطاق الاقتصاد غير المنظّم، وتسارع الانتقال نحو الدولرة النقديّة التي لا تمر عبر المصارف، وما ينتج عن ذلك من ارتفاع في مخاطر العمليّات غير الشرعيّة.
مخاطر وضع لبنان على اللائحة الرمادية
خفض تصنيف لبنان إلى المنطقة الرمادية ينتج عنه مجموعة من الإجراءات، التي تؤدي إلى مزيد من التضييق على حركة التجارة الدوليّة، وتشديد التدقيق على أيّ تحويلات من لبنان وإليه، وفق ما يلفت الخطيب “اعتبار لبنان أنّه بلد غير ممتثل للمعايير الدولية في نظامه المالي، يجعل المصارف العالميّة تأخذ حذرها في التعامل مع المصارف اللبنانية. وفي هذه الحال تخضع التحويلات إلى رقابة مشددة بمصدرها ووجهة تحويلها، مما يؤدي إلى تأخّر إتمامها، كما يأخذ الموضوع منحى تصاعديًا، قد يصل إلى حدّ اتخاذ المصارف المراسلة قرارًا بعدم التعاطي مع المصارف اللبنانية، فنصبح في عزلة ماليّة”.
إذن لبنان أمام ثلاثة سيناريوهات، إمّا أن يبقى في موقعه الحالي أي في القائمة البيضاء، أو خفض تصنيفه إلى الرمادي، أو إدراجه على اللائحة السوداء، والإحتمال الثالث تستبعده الأوساط الإقتصادية “لما لذلك من تداعيات كارثيّة على وضعه المالي، لن يرغب المجتمع الدولي في دفعه إليها في ظل خطورة أزمته الراهنة”. لكن تصنيفه ضمن القائمة الرمادية في حال حصل، لن يكون سهلًا، إذ أنّ خروجه منها يستلزم معايير جديدة وتشريعات وبرامج مع مجموعة العمل، قد يتطلب تنفيذها سنوات عديدة، خصوصًا في ظل أزمته السياسية والفراغ المؤسساتي وعدم القدرة على التشريع.