لم “أشغّل” الموسيقى للرقص
بثينة عبد العزيز
النشرة الدولية –
من السّذاجة طبعا و جدّا أن نعتقد أنّ جسد الإنسان يتعب وينهك بسبب المجهود العضلي وكثرة التنقّل والحركة وحمل الأثقال أو من الاحتراق الخارجي أو جرح بسكين أو ابرة أو غطاء وعاء حادّ ينغرس خطأ في أناملنا، بل علينا أن نقطع نهائيّا مع هذه الفكرة فقد علّمتنا التجربة وبعيدا عن القواعد العلمية لتركيبة هذا الجسد الجهاز الذي يحرّكنا ويوهمنا بالحياة ، بعيدا عن هذا ومن تجربتنا : لا شي يثقل الجسد قدر العقل والعقل الذي يجهد بالتفكير ويعيش حالة غليان دائما من أجل تحصيل المعنى من الوجود. ويكون العقل أكثر قسوة حين يسكن جسد مخضرم عايش أزمنة وثقافات مختلفة فبين الأمس واليوم تغيّرت الكثير من المقاييس. أن تكبر على أدباء المهجر مثلا وعمق تصورات حنا مينة ومنيف وتوفيق بكار عن الانسانية وتعيش هذا الكبر مع سطحية هذا العصر وغرائبه. فتصبح وكأنّك شخصيتين داخل شخص واحد. شخصية تحمل ثقافة وفكر وتساؤلات وتغرق في عمق هذه التساؤلات وشخصية الآن وهنا التي غالبا ما تصطدم مع الإرث الفكري ومعاني الأشياء التي كبرت عليها. الصدمة التي تولد حالة من الغليان والتساؤل حول الخطأ والصواب. ونعيش لخبطة حقيقية هل أنا على صواب أم الآخرين واشدّ ما يوجعك حين تعود إلى منطق الأشياء فتكتشف أنك على صواب ولكن الحاجة إلى المجموعة وضرورة عدم العزل تجعلك أحيانا تعيش شخصية لآن وهنا وتحاول أن تقنع نفسك أنك المخطئ حتى تجرب السلام الروحي. ولكن ما إن تختلي بنفسك حتى تثقلك الأسئلة مجدّدا والأفكار والحاجة إلى قلب المعاني وإعادتها إلى أصلها وعمقها.
يصبح الجسد إذن ثقيلا، معدما من الحياة. كلّنا نحتاج إلى هدف لنستمرّ، إلى محفّز. لهذا حين نضع الأهداف الخاطئة ونفشل فيها، أوّل شعور ينتابنا هو الإحباط، فنركن إلى زاوية كسيارة معطبة تنتظر من ينقلها إلى مكان ” الخردة”، فمصيبتنا تبدا إذن من أهدافنا الخاطئة أو التي لم تحدّد على الطريقة الصحيحة والأهداف الخاطئة هي غالبا ما تكون تلك الأهداف التي نربطها بالبشر وكأنّنا نربط طوق نجاتنا بطوق شخص آخر وبكلّ غباء نعتقد في أنّ هذا الشخص سيحافظ على طوقنا بالقدر نفسه الذي يحافظ به على طوقه. الأهداف الحقيقية هي الأهداف التي تحقّقها وأنت في إستقلاليّة تامّة عن الشخوص. لأنّ الناس قد تتغيّر وتخذلك ولكن لما تكون أنت صاحب الفكرة والهدف حسب امكانياتك ومهاراتك الذاتية فلن تخذل نفسك طبعا.
قد يكون ما أقوله من البديهيّات بل من البديهيات وأساسيات بناء الفرد لهويته وشخصيته ولكن قد ننسى ونسهو مع إيقاع الحياة الذي يغوينا أحيانا ويبعدنا ولو للحظة عن أهدافنا الرّئيسيّة فمثلا قد تسحرنا الموسيقى أحيانا فتنسينا أنّنا شغّلناها لتنشيط الذاكرة وتحفيزنا على التفكير وليس بنية الرقص.
كلما فهمنا هدفنا كلما أتقنا استخدام الاشياء بدل من أن نترك لها دور استخدامنا واستعمارنا.