“المجد للذين يضعون قواعد جديدة للعبة”

النشرة الدولية –

هالة نهرا * النص منشور وجميع الحقوق محفوظة

المجد للعيون الشغوفة في هذا العالم. المجد للحالمين الذين يوضّبون أحلامهم مثلما يوضّبون جواربهم في غرفهم الضيقة وجوارير علب الشوكولا وزجاجات النبيذ الأبيض، ونغمة جاز هاربة، وشعراً غزلياً مفتوحاً على الارتجال والاستزادة والمفاجأة. المجد للذين سئموا من مانشيتات جرائد تقليدية بليدة فقرّروا كتابة مانشيتات عالمهم الجديد رافعين أبصارهم نخب الحياة والأفق الرحب. أولئك الذين يغرسون أحلاماً في رؤوس مَن لا يعرفون كيف يحلمون من فرط ما سحقهم الواقع وبرمج أدمغتهم وحركتهم وقراراتهم. المجد للمنقلبين على روتينهم وركونهم إلى الاعتياديّ والسائد والدارج. المجد للذين يضعون قواعد جديدة للعبة المسمّاة “حياة”، للمنقّبين عن الدهشة قبل التنقيب عن البترول، للذين هتفوا بحناجرهم المبحوحة: تباً للركاكة والفتور والابتسامات الصُّفر والأقنعة والديماغوجية والأوليغارشية والمجاملات التقليدية وبعوض المستنقعات!

المجد للذين يخلعون الأبواب التي لا تنفتح ويخترعون أبواباً مفتوحة تقلب المعادلة. الذين يلهمهم الحب وتغويهم اشتعالات الفكر الحرّ، الذين كلّما اهتدوا إلى قضية أو نظرية أو إشارة أو شرارة أو طرف خيطٍ نطّوا من الفرح حفاة وصرخوا مثل أرخميدس كلٌّ بمفرده على البلكونة: “وجدتها، وجدتها”!

الذين يجازفون كي يربحوا أنفسهم. أصحاب الهمم والجرأة التي لولاها لتحوّلوا إلى أعداد زائلة عن هذه الأرض.

الذين يطربون لتغاريد المهمَّشين في أوكار النسيان ويخلّدون المهمَل الذي يلمح كالبرق والنجم.

الذين يختلسون النظر إلى الغد من ثقوب سراويلهم ونهاراتهم ويتأنّقون في اختيار ربطات العنق وأحمر الشفاه في نصوصهم المهداة إلى غريب.

الذين تطلع الأشياء بين أياديهم محكمة الصنع غالباً ولا يبحثون عن الكمال لأنه مضجرٌ وغير بشريّ. الذين يفتنهم قضم القليل من الأخطاء والهفوات والنقائص وتمرير إلتباسات مثيرة مفتوحة على النقصان والاتّقاد مثل الأيّام.

الذين يشوطون كرة جمالهم من أرواحهم وشخصياتهم لا من أشكالهم كالدمى البلهاء، وبقدرة قادرٍ تبقى الكرة دوماً في مرماهم، تلك الكرة النادرة المشتهاة.

الذين لا تغريهم الآخرة، ولا وعود المؤجَّل المرتجى على الأرض كأملٍ زائف، وتراهم مستعدين ليقطعوا البلاد ولو سباحةً وراء ما ومن يحرّك فيهم جذوة الولع.

الذين يدركون أن الحياة هي الآن وهنا، ولا ينسحبون إلى جحور اطمئنانهم المراوغ كقوّة وهمية. الذين يزلزلون الراكد الراسخ ويُدخل عناقٌ صادقٌ واحتواءٌ إلى نفوسهم السكينة.

الذين يبتكرون نداءً جديداً للتغيير ويُمَوْسِقون المسافة خطوةً خطوة كأنها رقصة تانغو.

الذين يقطفون الفرص المقنَّعة التي لا تراها الغالبية، ويحيكون فرصاً على نوْل الاستنباط؛ هكذا يبتدعونها بمهاراتهم ومواهبهم.

الذين يكرهون وسامة السخافة ويحبّون الثقل الذي تجنّحه الخفّة فكل ثقل غير مجنّح محكومٌ بالارتطام بالأرض.

الذين ينادون بالضحك رغم كل شيء ويبثون الحماسة والتشوّق إلى الانتصار. الذين تستهويهم في الوقت عينه حكمة شجرة معمّرة جبّارة وهشاشة برعمٍ آيل للانكسار.

الذين لا يصفّقون لجبروت الديناصورات المتحكّمة وأصنام ومومياءات القوّة وتسحرهم الرقّة. الذين من ضعفهم يشيّدون عظمتهم.

المجد للذين قرّروا، بمدّهم وجزرهم، أن يكونوا في معركةٍ وجودية من نوعٍ آخر. المجد للذين يشرقون من خروم وتصدّعات جدران العالم لتتهاوى الحواجز كأحجار الدومينو فنتعمّد بالضوء معاً || هالة نهرا

Back to top button