الفارق بين الإفلاسين الاحتيالي والتجاري: كيف يستعيد المودعون أموالهم؟
بقلم: عزة الحاج حسن

النشرة الدولية –

المدن –

تتعدّد دعاوى الاختلاس وإساءة الأمانة والإفلاس الاحتيالي بحق المصارف اللبنانية، ومنها تلك المُقامة من قبل نقابات المهن الحرة ونقابة المحامين ورابطة المودعين و”متحدون”.. بحق المصارف. ويتزايد معها الحديث بين قانونيين عن احتمال إعلان إفلاس مصارف في المرحلة المقبلة، لاسيما أن البعض يرى في أحد أوجه الإفلاس منفذاً لتهرّب المصارف من مسؤولية سداد الودائع للمودعين.

توجيه تُهم “الإفلاس” إلى المصارف رفع منسوب “التهويل” على المودعين بأرجحية ضياع أموالهم فيما لو أُعلن إفلاس مصرف، وكأن أموال المودعين مُصانة اليوم ومحفوظة في ذمم المصارف. وبعيداً عن مدى جدوى إعلان إفلاس أحد المصارف اليوم، هناك من يدعو إلى قطع الطريق على تهرّب المصارف من مسؤولياتها ورفع دعاوى بالإفلاس الاحتيالي عليها، في حين يصر آخرون على مقاضاة المصارف بتهمة الإفلاس التجاري حرصاً على ما أمكن من أموال المودعين.

 

إفلاس واقعي لا قانوني

لا يختلف اثنان على أن المصارف اليوم بحكم المفلسة عملياً، وإن لم تكن مفلسة بنظر القانون. وهو الاعتقاد الذي عزّزه أمين عام جمعية المصارف، فادي خلف، بتصريحه بأن لا سيولة في المصارف. من هنا يدعو قانونيون إلى مقاضاة المصارف بتهمة الإفلاس، بناء على القانون 2/67 المتعلّق بكل مصرف عامل في لبنان يتوقف عن الدفع. وحسب المادة الثانية من القانون المذكور، فإنه فور ثبوت توقف أحد المصارف عن الدفع، يترتب على حاكم مصرف لبنان أن يطلب من المحكمة المختصة تطبيق أحكام هذا القانون على المصرف المذكور، ويعلم بذلك وزيري العدل والمال.

لكن مسألة إفلاس المصارف لم تحظ بتفسير قانوني موحد، بل اختلف بشأنها قانونيون. وفي حين يرى البعض أن مسار دعاوى الإفلاس الاحتيالي بحق المصارف هي الأجدى، يرى آخرون أن مسار الإفلاس الاحتيالي سيؤدي إلى محاسبة أصحاب المصارف، لكنه لن يعيد الودائع لأصحابها. وبرأي هؤلاء، فإن الطريق الأجدى لاستعادة الحقوق ومحاسبة المسؤولين عن توقف المصارف عن الدفع هو مسار الإفلاس التجاري.

وقد تقدّم الحديث عن دعاوى الإفلاس بحق المصارف عقب دخولها في إضراب مفتوح. وهو ما حذا بقانونيين إلى دعوة القضاء للتحرك باتجاه تعيين مدراء مؤقتين لتسيير عمل المصارف، واتخاذ القرار بتوقيف رؤساء مجالس الإدارة والمدراء العامين الداعين للإضراب، بجرائم الإفلاس الاحتيالي والابتزاز وتبييض أموال. إذاً هي دعاوى “الإفلاس الاحتيالي” التي تتكرر الدعوات لإقامتها بوجه المصارف. فما هي مفاعيل الإفلاس وتداعياته على المودعين؟ وما هو الفارق بين الإفلاس الاحتيالي والإفلاس التجاري؟

 

اختلاف في تفسير الإفلاس

آخر دعاوى الإفلاس الاحتيالي بحق المصارف هي الدعوى المقامة من قبل “متّحدون” بحق البنك اللبناني للتجارة BLC، وحسب المحامي رامي علّيق، المتحدث باسم تحالف متحدون، فإن جرم الإفلاس الاحتيالي يتعدّى بتبعاته حالة الإفلاس التجاري. ويُعرب عليق في حديثه لـ”المدن” عن تخوفه من توجه المصارف إلى إعلان إفلاسها التجاري الذي “لا يحفظ أموال جمهور المودعين، باعتبار أن الإفلاس التجاري يطبق على أموال وأصول المصرف كشخصية معنوية. أما الإفلاس الاحتيالي فيطبق على كل شخص له علاقة بالتوقف عن الدفع، بعلاقاته المهنية والشخصية. وبرأي عليق، أن الإفلاس الاحتيالي هو السبيل الأساسي لاسترداد حقوق المودعين.

وحسب علّيق، فإن المصارف أصبحت جاهزة لإعلان إفلاسها التجاري، الذي يجنبها المساءلة بأبعد من أصول المصرف. فهي تتصرّف منذ قرابة العام والشهرين بأصولها.

رؤية علّيق لا تنطبق على الخبيرة القانونية والرئيسة التنفيذية لمؤسسة juriscale سابين الكيك، فهي ترى في حديثها لـ”المدن” أن بالافلاس الاحتيالي يمكن سجن أصحاب المصارف، لكن لا يمكن منعهم من إدارتهم لأصولهم أو ممتلكاتهم، ولا إتمامهم عملية تصفية جماعية. وتوضح الكيك أن المحكمة الجزائية لديها نصوص تتعلق بالإفلاس الاحتيالي. اما الإفلاس التجاري لدى المحكمة المدنية فنصوصه مرتبطة بالقانون التجاري. من هنا يجب السؤال ما الذي نريده من الإفلاس، وإذا كان الجواب محاسبة المصرف والنظر بوضعه من خلال تعيين مدير مؤقت وتقييم موجوداته وأصوله وغيرها، وتصفيته، وغير ذلك من الخيارات، لا بد من اللجوء إلى الإفلاس التجاري. يطالبون بالإفلاس الاحتيالي للمصرف. وهذا أمر صحيح. لكن ما الذي سيستفيد المودعون من تلك المسؤولية الجزائية؟ تجيب الكيك: لا شيء. لذلك المادة 14 من قانون توقف المصرف عن الدفع تؤكد المؤكد، لجهة ملاحقة مدراء المصرف بما تنص عليه أحكام قانون التجارة المتعلقة بالإفلاس، لجهة مسؤولياتهم المدنية والجزائية.

 

بين الإفلاس الاحتيالي والتجاري

وتشرح الكيك أهمية الإفلاس التجاري لجهة استعادة المودعين أموالهم وتقول: مفاعيل الإفلاس (التوقف عن الدفع) التي تقضي بكف يد المدين عن إدارة أمواله (وهنا أصول المصرف و/أو أصول القيمين عليه الخاصة)، لا تبدأ بالسريان إلا من تاريخ صدور قرار قضائي عن الغرفة الابتدائية المختصة، لأن لهذا القرار مفعول إنشائي. وبالتالي، لا تنشأ المفاعيل القانونية إلا بصدوره عن هذه المحكمة بالذات. وبالتالي، للإفلاس الاحتيالي مفاعيل جزائية فقط، وهي لا تمتد بأثرها القانوني لتشمل كف يد المدين عن إدارة أمواله والحجز عليها، ومنعه من التصرف بها وغيرها.

لذلك، يجب التمييز بين نوعي الإفلاس وبين المفاعيل الناتجة عن كل من الإفلاس الاحتيالي أو التجاري. فالافلاس التجاري هو النظام القانوني الكامل والأساسي والوحيد الذي أوجده المشرع لحماية الدائنين. أما الإفلاس التقصيري أو الاحتيالي، فهو جريمة لا يؤدي الحكم القاضي بها إلى تطبيق المفاعيل التجارية والمدنية، وحتى أنه لا يلزم المحكمة التجارية، لأنه بكل بساطة لكل نوع اختصاص وشروط وآثار. تقول الكيك: اختصاص الغرفة الابتدائية للنظر بدعوى الإفلاس هو اختصاص يتعلق بالنظام العام، وهو شرط شكلي لصدور قرار الإفلاس صحيحاً ومرتّباً لمفاعيله القانونية.

وتتابع “نظام الإفلاس الأساسي هو نظام موجود بكل نصوصه ومفاعيله في أحكام قانون التجارة. وفيما يتعلق بالمصارف هناك قانون التوقف عن الدفع، وهو القانون 2/67 الذي يحيلنا بكل ما لم يرد نص بخصوصه إلى أحكام قانون التجارة الذي هو نظام إفلاس”.

 

دعاوى إفلاس مقبلة

لم ترتفع وتيرة الحديث عن إفلاس مصارف من فراغ. بل من مساع حقيقية يقوم بها البعض في سبيل رفع دعاوى إفلاس في المرحلة القريبة. وتؤكد مصادر لـ”المدن” أن أكثر من دعوى إفلاس باتت أمام القاضية غادة عون. من هنا يتوقع قانونيون أن يلجأ القضاء إلى إعلان إفلاس أي مصرف يستمر بالتوقف عن الدفع، ليتم بعد ذلك اعتماد التدرّج في اتخاذ الإجراءات، بدءاً من إعلان التوقف بقرار قضائي صادر عن محكمة البداية، وإقفال أبواب المصارف مع تسيير الأعمال العادية، ثم عزل مجلس الإدارة، وتعيين مدير مؤقت، وتعيين لجنة إدارة أولى تضم المودعين، للبحث عن فرص لإنقاذ البنك ثم حجز احتياطي على أصول أعضاء مجالس الإدارة والمدراء المفوضين بالتوقيع ومفوضي المراقبة…

من هنا تؤكد الكيك بأن نظام الإفلاس له مدخل وحيد هو القانون التجاري، والإفلاس الاحتيالي هو تكميلي للإفلاس التجاري وليس العكس. بمعنى أنه حتى لو صدر قرار بالإفلاس الاحتيالي فإنه لن يمنحنا المفتاح للدخول إلى نظام الإفلاس.

Back to top button