خوري: صندوق النقد قد يسحب يده من لبنان… “عندما يتأكد من عدم إحراز تقدّم في الإصلاحات”
بقلم: باتريسيا جلاد

النشرة الدولية –

نداء الوطن –

يشكّل مطلب إشراك الدولة في الفجوة المالية أو الخسائر المقدّرة بنحو 73 مليار دولار، محور جدل خصوصاً لدى صندوق النقد الدولي الذي عادة ما يرفض استثمار أملاك الدولة أو بيعها للاستفادة من عائداتها في اطفاء خسائر قلة من المجتمع. وفي الزيارة التي سيقوم بها وفد الصندوق الى لبنان الشهر المقبل من المتوقّع أن يتمّ من الجانب اللبناني وتحديداً القطاع الخاص عرض إمكانية إنشاء صندوق تساهم عائداته في إعادة الودائع لأصحابها، والذي سبق لوزير الإقتصاد الأسبق رائد خوري أن طرحه.

حول محور زيادة صندوق النقد في ظلّ تقاعس المسؤولين اللبنانيين عن تنفيذ الشروط الإصلاحية المطلوبة منه، ومدى إمكانية استجابة صندوق النقد لمطلب إشراك الدولة في الخسائر والفائدة التي ستعود منه، مواضيع عرضتها “نداء الوطن” مع الوزير خوري فكان معه هذا الحوار:

https://s2.nidaalwatan.com/storage/attachments/148/1_209336.jpg/r/1000/1_209336.jpg

– مع اقتراب موعد وصول وفد صندوق النقد الدولي الى لبنان، تتزايد التساؤلات حول هدف الزيارة التي يقوم بها وفد الصندوق في آذار المقبل. فماذا ستكون مهمّة الوفد وفقاً للمعلومات التي لديك؟

 

وفد صندوق النقد الدولي سيبحث مع المسؤولين اللبنانيين في الأسباب التي حالت دون التزامهم بالإصلاحات المطلوبة، طوال الأشهر الـ10 التي مرّت على توقيع الإتفاق على صعيد الأفرقاء. كما سيطلع على ما اذا كان لبنان سيقوم بالإصلاحات المطلوبة منه أو يتّخذ قراراً بنزع يده نهائياً عن الملفّ اللبناني في حال شعر وفد “الصندوق” انه لا يوجد أمل بإحراز اي تقدّم، وهذا الجوّ استقيته من لقائي مع ممثلي صندوق النقد. فمشكلة لبنان لا تنحصر بصندوق النقد، إذ تعاني البلاد من شلل تام، مجلس النواب لا يمكنه تشريع القوانين بسبب تعطيل نصابه في كل مرة يلتئم فيه، ومجلس الوزراء لا يجتمع بسبب فراغ سدّة رئاسة الجمهورية، الأمر الذي اوصلنا الى مرحلة الجمود التام أو ما يسمّى بالـ dead lock. هذا الواقع لا يمكن كسره إلا من خلال انتخاب رئيس جمهورية لتكرّ بعدها السبحة، وصولاً الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي لأنه خطوة ضرورية للتمكّن من “الوقوف على أرجلنا”. فالدول الغربية تولي الصندوق مهمّة معالجة معضلة الدول المتعثّرة عن تسديد ديونها مثل لبنان والتي تعاني من أزمات مالية واقتصادية. فالصندوق يعتبر ممرّاً إلزامياً للتمكن من انفتاح البلاد مجدّداً على الإستثمارات الخارجية للقطاعين العام او الخاص بغض النظر عن رأي القوى السياسية، ولكن للأسف لغاية الساعة لا توجد بوادر امل بانتخاب رئيس.

 

– هل من الممكن تعديل بنود الإتفاق على صعيد فريق العمل الذي وقّع في نيسان 2022 مع “الصندوق”؟

 

إدارة صندوق النقد ليست “قاسية” في تعاملها مع لبنان وفي نصّ الشروط. لديها أفكار مسبقة بمواضيع معينة، ولكن وضع لبنان يختلف عن سائر الدول. وفي لقاء مع ممثلين عن الصندوق طرحت سؤالاً حول ما اذا كان سبق أن واجهت إدارته بلداً يواجه مشاكل مثل لبنان؟ فكانت الإجابة بالنفي لناحية ما تعانيه الدولة ومصرف لبنان من نفاد الأموال لديهما وحتى المصارف. من هنا لا يمكن للصندوق إستخدام الحلول نفسها المعتمدة في أي بلد آخر، ويجب أن تكون الحلول المعروضة للبنان من خارج الأطر المعتمدة عادة. في قانوني إعادة هيكلة المصارف والإنتظام المالي، هناك بند شطب الودائع أقلّه لتلك التي تتخطى الـ100 ألف دولار. اما لتلك التي هي دون الـ100 ألف دولار، فجزء منها سيسدد بالليرة اللبنانية وفق سعر صرف السوق السوداء وبالتالي إعادتها لن تتمّ بالدولار النقدي بأكملها، من هنا أرى أن باب الحلّ يبدأ من تلك النقطة. ولا بدّ من التذكير أنه في الخطة الإقتصادية الأولى التي قدّمتها الحكومة ارتأت ضرورة شطب الودائع، في الخطة الثانية خلقت الدولة صندوق تعافٍ لاسترداد الودائع. وانطلاقاً من الأخير بدأت تطرح الحلول. لكن ما أدرج ضمن هذا الصندوق غير كاف بعد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، مثل إيداع جزء من فائض موازنة الدولة في الصندوق، واسترداد الأموال المنهوبة… لذلك هناك حلول أخرى لاسترداد الودائع باستخدام أصول الدولة، وحول تلك النقطة لم يتّخذ صندوق النقد قراراً نهائياً، وباب التشاور معهم مفتوح.

 

– برأيك اذاً، ما هي الحلول الممكن السير بها من خلال استخدام أملاك الدولة؟

 

هناك حل تكون نتيجته تحقيق الفائدة لجميع الأفرقاء. أولاً، اذا وضعنا أنفسنا مكان صندوق النقد الدولي والمودع والمصارف والسياسيين يمكننا اعتماد حل ليس من اختراعي وإنما طبّق لدى معظم الدول:

 

دبي في الثمانينات على سبيل المثال، كانت صحراء لا قيمة لها والدولة تملك معظم الأراضي التي تعود لها، فاتخذت قراراً بتمليك الأراضي لممثلين عن القطاع الخاص مجاناً بهدف تطويرها وبنائها… فجذبت استثمارات من الخارج ومنحت مستثمرين عدداً كبيراً من الأراضي، فكانت النتيجة زيادة قيمة الأراضي التي لا زالت تملكها الدولة 100 و200 و300 مرّة، بعد ارتفاع قيمة العقارات بسبب إشراك القطاع الخاص في الإقتصاد. فباتت الدولة أكثر ثراءً من المرحلة السابقة، وبدلاً من أن تتملّك 100% من مشروع باتت تتملك نسبة 50% من مشاريع بالمئات، ما حقّق ربحية لها.

 

– ماذا عن المرافق العامة؟

 

مرفأ بيروت على سبيل المثال، مرفق كبير يمتدّ على مساحة 2 مليون متر مربّع تملكه الدولة في أغلى منطقة في لبنان، يقول المنطق اليوم أنه يمكن نقله الى مكان آخر أو تطوير مرفأ طرابلس أو صيدا… يمكن فتح المجال للقطاع الخاص للاستثمار في أرض المرفأ من خلال الـPPP لإنشاء فنادق أو مراكز سكنية… علماً أن هناك إمكانية لردم البحر وتوسيع المساحة 500 ألف متر. فإذا كانت قيمة متر الأرض 5000 دولار أي ما يعادل 10 مليارات دولار اليوم لكامل مساحة “المرفأ” رغم انخفاض قيمة العقارات، فإنه بعد تطوير تلك المساحات وضخّ إستثمارات فإن قيمة الأرض قد تصبح بعد 5 أو 10 سنوات نحو 50 مليار دولار.

 

ويترافق مع هذه الخطوة إدراج شروط في العقد، على سبيل المثال اذا أصبحت قيمتها 50 مليار دولار، قيمة الزيادة والبالغة 40 مليار دولار توزّع كالتالي: 10 مليارات دولار تمنح الى صندوق استعادة الودائع Recovery deposit fund و 10 مليارات دولار للمستثمرين الذين ضخّوا أموالاً، فتبقى الدولة متملّكة لنسبة 60% من الـ 50 مليار دولار بدلاً من نسبة 100% (أي نحو 30 مليار دولار بدلاً من 10 مليارات دولار). ووفق تلك المعادلة، تكون الدولة ربحت والمودعون ربحوا وصندوق النقد الدولي “ارتاح” باعتبار أن الضمانة باتت 30 مليار دولار بدلاً من 10 مليارات دولار. فصندوق النقد يخشى أن تبيع الدولة أملاكها وتضيع ضمانة القروض التي سيمنحها للبلاد، إلّا أن النتيجة ستنعكس بالفعل نموّاً في الإقتصاد وزيادة في قيمة إجمالي الناتج المحلّي… والدولة في تلك الحالة ستربح مرتين: أولاً من قيمة العقارات التي ارتفعت، ومن زيادة عائداتها من الضرائب التي تجبيها جراء زيادة العمالة وتنشيط الإستثمارات. فقيمة صندوق إعادة الودائع أو صندوق النهوض يمكن ربطه بقيمة الإقتصاد، فتُعاد الودائع ولو بعد سنوات عدّة بدلاً من خسارتها نهائياً.

 

-هل سيقتنع صندوق النقد بإقحام أصول الدولة في إطفاء الخسائر؟

 

دول عدة اعتمدت سياسة إشراك القطاع الخاص في مرافق الدولة، فضلاً عن اننا سنشترط لتملّك القطاع الخاص لأملاك الدولة تحقيق الأرباح وزيادة قيمة العقارات وتحقيق عائدات. فالمعارضون لتلك الفكرة يرتكزون على تجربة لبنان السيئة في إشراك القطاع الخاص في مرافق الدولة بسبب عدم تعميم الشفافية واستحواذ السياسيين على حصص فيها. ولكن الحلّ الذي أقترحه يقوم على إدراج شركات عالمية في الإستثمارات واعتماد حوكمة الشركات corporate governance واستقدام مراقبين عالميين.

زر الذهاب إلى الأعلى