كيس سكر ولا شروط صندوق “النكد”!
بقلم: يمينة حمدي

النشرة الدولية –

العرب –

لطالما انبهر السياح الذين زاروا تونس بحفاوة سكانها وآثارها الرومانية والفينيقية القديمة، وما تزخر به من معالم أثرية ومناظر طبيعية مبهرة، وشواطئ متوسطية ومنارات منتشرة على امتداد السواحل، وتاريخ حافل بالحضارات الموغلة في القدم.

مفاتن تونس أكثر مما تبدو للعيان. إنها تتمتع بتنوع ثقافي منتشر بين ثنايا القرى الخلابة والمدن العتيقة التي اشتهرت تونس بأنها تضم أفضلها في العالم.

ناقش أشخاص كثر هذا الموضوع بالذات على وسائل التواصل الاجتماعي، وشاركوا صورا ومقاطع فيديو تحتوي على مشاهد مفعمة بالحفاوة التونسية ومظاهر الجمال الطبيعي الخلاب. وشبهت امرأة بريطانية تونس بقطعة الإسفنج بسماتها المميزة، فعندما يزورها السياح يمتصون تقاليدها وعاداتها الموغلة في القدم ويجرفهم الحنين إليها بمجرد أن يضعوا أقدامهم في الطائرة لمغادرتها بعد أن تنتهي رحلتهم.

لكن يبدو أن أخبار السياحة في تونس لم تعد جميعها إيجابية بالنسبة للكثير من الحالمين بالاسترخاء في فنادقها ومنتجعاتها الفخمة، فبينما يطالب البعض بخدمات سياحية رخيصة وامتيازات مجانية، لا يكلف البعض الآخر أنفسهم القيام بأي شيء لمساعدة تونس على مجابهة أزماتها الاقتصادية والمحافظة على مجدها وجمالها، بل لا يقدمون سوى تبريرات معتادة لأوضاعها الصعبة، في حين تقف عدة حكومات عربية وأوروبية في موضع المتفرج، وتضع أخرى شروطا مجحفة تكبل تونس وتخنق شعبها.

لطالما اعتُبر “حرق الجسور” أمرا قاتلا سياسيا، فهو سياسة تكتيكية يمكن أن تدمر سمعة البلدان، كما أنها تزيد من صعوبة الحصول على فرص استثمار اقتصادية جديدة.

أطلق مصطلح “احرق جسورك كاملة” في السابق على الأساليب العسكرية الرومانية القديمة، إذ كان الجيش حينها يتعمد تدمير كافة الجسور خلفه أثناء غزوه للبلدان، حتى لا يكون التراجع خيارا قائما.

وفي سياق الوضع التونسي، يعني حرق الجسور ما فعلته التجاذبات السياسية وضجيج الحكومات لعلاقات تونس الدولية، سواء كان ذلك عبر الإضرار بسمعتها، أو بفقدان علاقاتها الدبلوماسية المتوازنة، وكان يمكن أن تساعدها على تجاوز أزماتها.

 

لسنوات طويلة، وربما بشكل غير منصف، رُسمت لتونس صورة سيئة لدى السياح الأجانب الذين يصدقون انطباعات الآخرين بأنها بلاد مثقلة بالمشاكل وغير آمنة.

لكن في الوقت الذي تواجه فيه معظم اقتصادات دول العالم معضلة تشبه المشكلة التقليدية “البيضة أولا أم الدجاجة؟”، قد لا يكون حرق الجسور هو المسمار الأخير في نعش السياحة التونسية، كما لا يستحق هذا البلد المتوسطي السمعة السيئة التي وصمته بها الافتراضات المجحفة، والرسائل السياسية.

تونس تحب زوارها كلّما أحبوها، ويعرف كل من وطأت قدماه أرضها معنى الدفء التونسي وحسن الضيافة الذي يجعل الأجانب يشعرون على الفور بأنهم مرحب بهم على أرضها.

إنه لأمر محزن أن تتجاهل غالبية دول العالم ما فعلته تونس، في ما يتعلق بتقديم العون للأجانب ممن قصدوها طلبا للأمان واللجوء. ومن المؤسف أن الخدمات التي أسدتها تونس لحشود غفيرة من السياح والفنانين والمفكرين لم تُقدّر حق قدرها.

فلو حمل كل سائح نية الدعم لتونس وإن كان ذلك معنونا لوصلنا إلى نتائج أفضل، ماذا يعني أن يحمل كل سائح على سبيل المثال كيسا صغيرا من السكر أو قهوة للتبرع به لتونس، يمكن أن تكون لدينا ستة ملايين كيس سكر وقهوة في كل موسم السياحي، وهي كافية لسد حاجة نصف التونسيين تقريبا.

ليس هذا المثال مفرطا في التوهم أو المبالغة، بل هو أبسط ما يمكن أن يقدمه السائح لبلاد أحبها وتردد عليها ومنحته نفحات من السعادة.

مثل هذا المثال البسيط أرى أنه سيكون محفزا لمجموعة من الأفكار الملهمة تؤول في النهاية إلى إعادة الاستقرار السياسي والاقتصادي للبلاد، بعيدا عن الحلول المكبلة لصندوق النقد الدولي، أو صندوق “النكد” الدولي!

زر الذهاب إلى الأعلى