لعبة المقارنات .. أين موقعنا الحقيقي في الأردن؟
بقلم: سامح المحاريق

المقارنة السليمة والمنتجة تتطلب وضع الأردن مع الدول العربية غير النفطية.

ما معنى مقارنة منتجة؟

معناها مقارنة يمكن توظيفها لغايات الوقوف على نقط القوة والضعف، وبالتالي، وضع خطة للتحسن.

يحدث كثيراً أن نكتب المقارنة مع مصر أو العراق أو سوريا أو تونس، فيتصدى شخص ليقول، ولماذا لا تقارن بالسويد أو هولندا؟

مع أن سؤاله يبدو وجيهاً للوهلة الأولى، إلا أنه في جوهره يشبه مقارنة مستوى اتقان اللغة الإنجليزية من يعيش في الأردن وتخرج في جامعة محلية، مع شخص بريطاني في نفس المستوى التعليمي.

المقارنة غير صحيحة..

أوروبا عبرت مرحلة تطور عمرها أكثر من 500 عام، خاضت خلالها حروباً أهلية وقومية راح ضحيتها عشرات الملايين، مع صراعات مذهبية وفكرية، ومئات الشهداء في المحارق التي أقيمت للمفكرين والمختلفين.. وبحيث لا يصبح لأي مقارنة سند واقعي لإجرائها من حيث المبدأ..

الوضع في الأردن أفضل من الدول العربية الأخرى القريبة في ظروفها منه، ولكنه ليس في المستوى المأمول بكل تأكيد.

لماذا الأردنيون متشائمون قياساً بالدول العربية الأخرى، أو سوداويون أو عدميون، ليس مهماً المصطلح في حد ذاته.. المهم هو الحالة العامة التي تجعل الشخص الأردني في مزاج سلبي.

عادة ما تجري المقارنة مع مرحلة الثمانينيات، وقتها كان الأردن يكتسب ميزة تنافسية قياساً بالدول العربية الأخرى، وخاصة في قطاعات مثل التعليم والصحة والإعلام؟ فما الذي حدث؟

بدايةً، توجد حالة من قيادة المزاج العربي العام من دول الوفرة النفطية، والتي بدأت بالمناسبة بعد حرب 1973، ووفرت تمويلات ضخمة لمسيرة التنمية في الخليج، فأصبحت الصورة الذهنية مرتبطة بالمستوى الخليجي وأنماطه الاستهلاكية.

في الثمانينيات، العقد الذهبي كما يتصوره البعض، وجدت الأردن أيضاً فرصاً كبيرة في تصدير العمالة التي عادت مع سلوكياتها الاستهلاكية في التسعينيات لتنتج أردناً جديداً، وشهدت العراق ولبنان ظروفاً صعبة، جعلت من الأردن نشطة تجارياً بأخذ حصة من تبادلات العراق، ورئة بديلة عن لبنان التي تزامنت أزمتها أصلاً مع والمقاطعة العربية لمصر.

ولكن ما الذي أنجزناه؟

ببساطة كارثة اقتصادية سنة 1989، كان عنوانها الدينار الأردني، مع تأصيل حالة من الاسترخاء الذي شجعته العمالة الوافدة.

ما تحقق في الثمانينيات كان مكتسبات اقتصادية ممولة بالديون، على أساس وجود فرص سلام مستقبلية، أتت بنتائج أقل بكثير من المتوقع مع عقد اتفاقية السلام غير الناضجة نظراً لانعقاد أوسلو وتفاهماتها بصورة مفاجئة حملت إضراراً بالأوراق التفاوضية للأردن.

ولكن ذلك كان مترافقاً بظاهرتي الركود الإنتاجي والسياسي، ففي تلك الفترة تراجعت إنتاجية الشخص الأردن، وأصبح من الأفضل تصدير الخبرات الأردنية إلى الخليج لأن عائدها أعلى من إنتاجها في الداخل، وأمام الفراغ الذي يحدث، وجدت طبقات جديدة دخلت في حراك اجتماعي سريع وأنتجت واقعها الخاص، وبعد عقود من الاعتماد على الذات في جميع الأوجه الانتاجية ابتداء من بناء السلاسل بين قطع الأرض إلى البيوت والمدارس بسواعد الأردنيين، أصبحت عملية نقل بعض المستلزمات المنزلية تتطلب أحياناً عمالاً وافدين من أجل انجازها.

أما الركود السياسي، ففترة الثمانينيات شهدت حكومتين رئيسيتين، زيد الرفاعي ومضر بدران بواقع ما يزيد عن 8 سنوات، مع حكومات قصيرة العمر وانتقالية، لأحمد عبيدات أقل من ثلاثة أشهر، وقاسم الريماوي، أقل من شهرين، وحكومة الأمير زيد بن شاكر بعد هبة نيسان، بمعنى أن تشكيل البيروقراطية السلبية تشكل في تلك المرحلة التي لم تكن تحمل مشروعاً كاملاً يقرأ مآلات التغيرات الاجتماعية القادمة.

ما هي البيروقراطية السلبية؟

تشكلت الدولة الأردنية بنماذج مبهرة من المرونة والقدرة على الاستجابة، فالجيل السياسي الذي بدأ مع هزاع المجالي 1959 ولغاية 1973 مع حكومة أحمد اللوزي، كان يمثل ديناميكية الدولة في مواجهة التحديات، وكان يقوده رجال تنقلوا بين المواقع المختلفة، وعبروا القطاعات ولكنهم كانوا يدركون البعد الاستراتيجي للمنظومة، لنأخذ مثلاً وصفي التل، فهو يبدأ حياته معلماً في مدارس الكرك، وينتقل إلى الخدمة العسكرية، ثم في المكتب العربي في القدس، وهي وظيفة ذات بعد دبلوماسي، ليعود إلى الأردن من جديد ويعمل في الإحصاءات العامة ثم الضريبة وبعد ذلك الإعلام، ثم إلى الدبلوماسية والديوان الملكي، وهو ما يختلف عن الصعود الرأسي الوظيفي الذي يمكن أن يشكل تدرجاً مناسباً لإدارة غير سياسية، أما في الإدارة السياسية فإنه يؤسس لمعازل تحول والتكامل المطلوب بين المؤسسات، ويبعدها عن النبض العام للمجتمع.

توجد حالياً خطابات قطاعية وأخرى فئوية وثالثة مرتبطة بملفات معينة، وما يفترض فعله هو العمل على وضع هذه الخطابات ضمن خطاب إصلاح وتنمية مناسب للظروف المستجدة، ولن يتم ذلك إلا من خلال توزين واقعي يقوم على أساس الإصلاح السياسي، مع الاستعداد لدفع تكلفته لأن أول ثلاث أو أربع حكومات برلمانية ستكون متخبطة وتبحث عن الشعبية والأصوات، وربما كانت تجربة اليونان 2015 مع حكومة رفضت التقشف ومشهد الطوابير أمام البنوك اليونانية يستدعي التأمل ومحاولة استشراف المستقبل، فالديمقراطية ليست هي الغاية في حد ذاتها، والغاية هي وجود مؤسسات تؤدي أدوارها ضمن الأطر الرقابية السليمة التي تستطيع استعادة التوازن، بمعنى أن إصلاح الممارسة المؤسسية لا يجب أن يترك لفترة لاحقة للإصلاح السياسي، فالمقارنة يجب أن تكون على مستوى الدور الذي تؤديه المؤسسة السياسية، وهو ما بدأ فعلياً سنة 1974، وهي السنة التي تحدثت لأكثر من مرة عنها وكان بعض القراء يستغربون من إصراري على اعتبارها نقطة الارتكاز التي يتوجب على أساسها تقييم الأوضاع السياسية والاقتصادية في الأردن.

خلاصة القول، بأنه وبعد 12 سنة من الربيع العربي، من المهم أن نحصر أين تكمن نقاط القوة الحقيقية ضمن مقارنة واقعية ومنتجة، وأين تتخفى نقاط الضعف، وأن نعمل على تحديد إحداثياتنا ضمن المعقول والممكن، فالزمن لن يعود إلى الوراء، ولن يمكن أن نختصر قرون من التطور في بعض التحركات الشكلية، وبينما يمكن القول بأننا خرجنا من تفاعلات الربيع العربي بالحد الأدنى من الخسائر، فإن استعادة نظرة واقعية و(صريحة) من شأنه أن يسهم كثيراً في تحقيق بداية جديدة، وفقط لو تمكنا من عقد المقارنات الصحيحة، لأمكن أن نتخلص من كثير من التوتر القائم على فكرة الاستسلام لعقد مقارنات محبطة غير قائمة على أساس واقعي.

ما الذي تقوله هذه المقارنة؟

بوضوح ما زال أمامنا فرصة، ولكن ليس بكثير من الركون إلى فائض الوقت.

زر الذهاب إلى الأعلى