لغز كيسنجر
بقلم: سارة الشلقاني
النشرة الدولية –
الدستور المصرية –
«في البداية أنا أمريكي، وثانيًا أنا مستشار الأمن القومي، وثالثًا أنا يهودي».. هذا ما قاله هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي عند لقائه جولدا مائير رئيس الوزراء الإسرائيلية خلال حرب أكتوبر عام 1973، لتجيبه «جولدا»: «أنت نسيت أننا في إسرائيل نقرأ من اليمين إلى اليسار!» في إيماءة واضحة بأنها تتعامل معه كمسئول يهودي في دولة عظمى، ويجب أن يدرك أنه يقدم خدمات لدولة يهودية، أي ينتمي إليها مثل الولايات المتحدة تمامًا، وربما أكثر عند الحاجة.
حوار ثنائي حرص القائمون على فيلم “جولدا” الإسرائيلي -الصادر حديثًا- على إبرازه، فوزير الخارجية الأمريكي حينها كان هو المحرك الرئيسي للمشهد، أو بوضوح للسياسة الخارجية الأمريكية، خاصة أن الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، كان غارقًا في أزماته الداخلية.
ومع قرب ذكرى حرب أكتوبر، ظهر كيسنجر، صاحب الـ100 عام، في حوار نادر، وربما حصري، مع صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، يتحدث خلاله عن كواليس الحرب، وكيف أنه كان مهتمًا بمنع أي حرب على إسرائيل، الفتى المدلل لأمريكا.
في إسرائيل، أو في جزء منها، هناك نظرية بأن كيسنجر كان بإمكانه أن يمنع الحرب، لكنه لم يفعل، بل جعل الأوضاع تتحرك تجاهها، في إطار الحرب الباردة التي تخوضها الولايات المتحدة ضد السوفييت ونفوذهم في الشرق الأوسط آنذاك.
الجدل الذي يدور في إسرائيل حول كيسنجر متشعب، هل هو من حرك الدمى بألا تعرقل الأوضاع أمام الحرب لزعزعة نفوذ السوفييت؟ أم ساعد في استمرار تجاهل إسرائيل للإشارات والمعلومات التي تلقتها قبل الحرب؟.
موقف كيسنجر كان مقيدًا، لكن “الثعلب” يعرف دومًا كيف يستغل الأمر، فهو أول وزير خارجية يهودي لأمريكا، ويجب أن يثبت أنه لن يقع تحت طائلة «تضارب المصالح»، فهو يعمل لصالح الولايات المتحدة فقط في المقام الأول، وكان يحتاج إلى ترسيخ ذلك الأمر لتقوية قيادته الدبلوماسية ونفوذه للتعامل مع الأوضاع في الأوقات اللاحقة.
في كتابه الذي يحمل اسم «انتصار باحتمالات ضئيلة.. حقائق حول حرب يوم الغفران»، يعزز الدكتور أورى ميلشتاين، المؤرخ العسكرى الإسرائيلي، نظرية «لغز كيسنجر» والتي يقول فيها إن ما حدث كان مدبرًا من أجل التوجه لاتفاق سلام، وتكون أمريكا ربحت توجه المنطقة إليها بديلًا عن السوفييت في نهاية المطاف.
بين سطور حواره مع «معاريف»، يدافع كيسنجر عن ذاته كونه «يهوديًا»، ويروي أن مائير ووزير دفاعها موشيه ديان، كانا على وشك الانهيار عقب اندلاع الحرب، لكنه “وحده” عمل على إقناع نيكسون وسيَّر جسرًا جويًا عسكريًا مكثفًا، ووصف إسرائيل بـ”الحليف المحظوظ”.
يقول كيسنجر، لمعاريف، : “أنا يهودي.. لن يمنعني شيء من احترام الشعب اليهودي، لقد فقدت 11 من أفراد عائلتي المقربين في المحرقة، لقد فقدت على الأقل نصف الأصدقاء الذين ذهبت معهم إلى المدرسة في ألمانيا، بالنسبة لي من الطبيعي أن أضع وجود الشعب اليهودي ووجود دولة إسرائيل كهدف شخصي، لكني كنت أول وزير خارجية يهودي وأول وزير خارجية لم يولد في أمريكا”.. لم يقف كيسنجر هنا، لكنه أكد أنه منع فرض اتفاق سلام عربي يعيد إسرائيل لحدود 1967، وأنه لولاه لتم فرضه بالفعل!
تبرير “هنري”، الذي قضى نصف القرن الثاني من عمره محاصرًا في السؤال عن الحرب وتداعياتها ودوره فيها، يمكن تفسيره أنها محاولة للدفاع عن “ذاته اليهودية”، التي عايشت المحرقة النازية، ضد الهجوم عليها، وأنه لم يدخر جهدًا في دعم إسرائيل “الدولة اليهودية” عند تعرضها لكابوس مصري في أكتوبر 1973، ليقول إنه يهودي مخلص لم يقصر يومًا ضد وطنه الديني.