كيف ستحقق الموازنة العامة للبنان فائضاً في العام 2024؟

النشرة الدولية –

نداء الوطن – باتريسيا جلاد –

أنهت وزارة المالية اللبنانية -العمليات الحسابية لموازنة 2024 بعد التعديلات التي أجرتها لجنة المال والموازنة عليها والتي لم يتمّ عرضها في اجتماع اللجنة الأخير الذي عقد منذ ثلاثة ايام، بل سيتمّ عرضها أمام الهيئة العامة لمجلس النواب المرتقب ان تعقد جلساتها بعد دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري لعقدها، أيام الثلثاء والأربعاء والخميس.

وعلمت «نداء الوطن» من مصادر مطلعة أنه «بعد التدقيق الذي اجرته لجنة المال في الايرادات، هناك احتمال أن يصدر قانون موازنة 2024 من دون عجز بل بوفر (فائض) بقيمة 26 ألف مليار ليرة، علماً أن لجنة المال طالبت بالتدقيق في السلفات والقروض والهبات ليبنى على الشيء مقتضاه.

الى ذلك تبيّن لوزارة المال بعد التدقيق في الإيرادات الجمركية والضريبة على القيمة المضافة TVA وضريبة الدخل، أن الأرقام الواردة في مشروع قانون الموازنة المحال من الحكومة غير دقيقة. وتبين أن هناك فائضاً اضافياً ممكناً في الإيرادات بقيمة 43 ألف مليار ليرة. اذ كانت الإيرادات بقيمة 277 ألف مليار ليرة في مشروع قانون الموازنة وباتت بعد التعديلات على بنود الموازنة 320 ألف مليار ليرة لبنانية. وبذلك هناك احتمال ألا يكون هناك عجز في الموازنة بين النفقات والواردات إستناداً الى الحسابات التي أجرتها وزارة المالية اذا تمّ في الهيئة العامة لمجلس النواب الأخذ بأرقام الواردات الجديدة التي أحالتها وزارة المالية.

كنعان: تعديلات لمنع الضرر

وفي هذا السياق أكّد رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان لـ»نداء الوطن»، أن «الموازنة بصيغتها الحكومية كناية عن اعتمادات عشوائية بلا رؤية اقتصادية، ومن دون الأخذ في الاعتبار تداعيات الانهيار المالي وانعكاساته الاجتماعية على مختلف شرائح المجتمع اللبناني بمؤسساته وافراده وعماله». من هنا، يشير الى أن «السعي لمنع وقوع الكارثة، المتمثلة بصدور الموازنة وفق الصيغة الحكومية، هو واجب نيابي ووطني، لا سيما أن المشروع المحال من الحكومة يضرب الاقتصاد الشرعي ويساهم بتوسيع رقعة غير الشرعي لذلك كانت التعديلات لرفع الضرر».

وتفادياً لصدور الموازنة بمرسوم كما وردت من الحكومة وذلك استناداً الى المادة 86 من الدستور، يجدر عند التئام الهيئة العامة لمجلس النواب ليس فقط تأمين النصاب وهو 65 نائباً بل أن يكون هناك زخم في الحضور من قبل الكتل النيابية التي واكبت إجتماعات لجنة المال والموازنة والتعديلات التي حصلت خلالها على مشروع قانون الموازنة.

أيوب: توحيد المعايير

وأوضحت النائبة غادة ايوب لـ»نداء الوطن» انه «تمّ في لجنة المال والموازنة توحيد معايير احتساب الشطور الضريبية بمضاعفتها 60 مرة والرسوم والغرامات 46 مرّة ووضع سقف للرسوم البلدية والتمييز بين سكني وغير سكني».

وكانت راهنت الحكومة إستناداً الى مصدر في لجنة المال والموازنة على أن «مجلس النواب لن يناقش مشروع موازنة 2024، لذلك أثقلته بالضرائب المستحدثة وزيادة الرسوم والغرامات، وأبقته من دون رؤية اقتصادية ولا اجتماعية، في ضوء رواسب الانهيار المستمر منذ العام 2019. فأحالت الحكومة المشروع في الموعد الدستوري، لا لسبب سوى إتاحة الفرصة لنفسها، في ضوء عدم انعقاد المجلس في ظل الفراغ الرئاسي، بإصدار الموازنة بمرسوم حكومي.

لجنة المال… و«الهدية المسمومة»

وأضاف مصدر اللجنة: «لكن المفاجأة تمثّلت بوضع لجنة المال والموازنة يدها على «الهدية المسمومة» من الحكومة، فضلاً عن عقدها عشرات الجلسات، منذ 9 تشرين الأول 2023، وتدقيقها بما بين يديها. لتجد اللجنة نفسها أمام اعتمادات عشوائية، غير قابلة للتطبيق، واجراءات ضرائبية تعزز الاقتصاد البديل غير الشرعي، وتنعكس سلباً على القطاعين العام والخاص».

وأوضح ان الجلسات الأسبوعية، تحوّلت الى جلستين صباحية ومسائية في أكثر من مرة، وتمكّنت لجنة المال من إدخال تعديلات جوهرية على المشروع الحكومي، لتحوّله الى صيغة أفضل نسبياً، ينتظر تبنيها من قبل الهيئة العامة في الأيام المقبلة، رافضة بشكل أساسي استحداث ضرائب ورسوم جديدة في الوضع الاقتصادي والنقدي المنهار واحتجاز أموال الناس في المصارف. فعجز الموازنة الذي حددته الحكومة بقيمة 17 ألف مليار ليرة، وهمي ودفتري، وسلفات الخزينة التي سمحت الحكومة لنفسها بأخذها، باتت بحد ذاتها موازنة ثانية تحت الطاولة».

تفكيك إحتياطي الموازنة

وبالأرقام أشار المصدر النيابي الى أن «احتياطي الموازنة، أي المبالغ المخصصة لتغطية النفقات المتوقعة من دون انقطاع وكذلك لتلبية النفقات غير المتوقعة، وصل إلى مستوى خيالي في مشروع الموازنة المحال من الحكومة (78000 مليار ليرة لبنانية أو 871 مليون دولار، أي نسبة 35% من النفقات). وخصصت لجنة المال والموازنة جزءاً كبيراً من أموال الاحتياط لنفقات محددة، بما في ذلك تمويل تسوية رواتب القطاع العام، التي تعادل 7 أضعاف قيمتها وفق سعر الصرف السابق. ناهيك عن 20 ألف مليار ليرة لبنانية (223.5 مليون دولار وفق سعر السوق الحالي)، والتي يمكن استخدامها لتمويل «مكافآت الإنتاجية»، من بين تعديلات أخرى».

سلفات الخزينة

وفي ما يتعلق بسلف الخزينة، رفضت لجنة المال والموازنة، استناداً دائماً الى المصدر عينه، «تمويل سداد عشرات آلاف المليارات المقابلة لسلف الخزينة الممنوحة في العام 2023، وكذلك عامي 2022 و2021. وسجّلت الحكومة ما مجموعه 3500 مليار ليرة لبنانية (ما يعادل 40 مليون دولار) في سلف ليتم سدادها. واكتشفت اللجنة بعد التدقيق ما يقارب الـ10 أضعاف إضافية، جرى توزيعها على العديد من الإدارات والمؤسسات. ووصل المبلغ الذي اعترفت به السلطة التنفيذية الى حدود 80 ألف مليار ليرة، ما يوازي 900 مليون دولار. وهذه النفقات لا تتضمن خدمة الدين، نظراً لأن البلاد في حال تخلّف عن سداد الدين ولم تقم حتى الآن بإعادة هيكلة ديونها».

مطار بيروت ومرضى السرطان

وبينما مطار بيروت يغرق بالسيول والفيضانات، وجدت اللجنة كما أوضح المصدر أن «الحكومة حددت لصيانة المطار 3 مليارات ليرة فقط، بينما وزارة الأشغال تطالب بـ 250 مليار ليرة. وبينما مرضى السرطان يرفعون الصوت لفقدان الدواء، وجدت اللجنة أن الحكومة لم ترصد ضمن اعتمادات وزارة الصحة أي مبلغ لتأمين دواء السرطان. بينما الحاجة تصل الى 12 ألف مليار ليرة. فعلّقت بند الدواء وطلبت آلية واضحة بين وزارتي الصحة والمال ومصرف لبنان، تؤمّن الخدمة للمرضى من دون انقطاع».

الإصلاحات التي أقرّتها اللجنة

إضافة الى ذلك، تمكنّت لجنة المال والموازنة كما أكدت مصادرها من إقرار إصلاحات يمكن اختصار أبرزها بالتالي:

1 – رفض تشريع فوضى الانفاق من خارج اعتمادات الموازنة او الاعتمادات الاستثنائية.

 

2 – رفض امكانية الدين من دون سقف ومن دون العودة الى مجلس النواب.

 

3 – رفض الصلاحيات الاستنسابية للقروض المدعومة من مصرف لبنان (من أموال المودعين والتي منحت للمحظيين والنافذين).

 

4 – إلغاء سلسلة اجراءات تهرّب الاستثمارات وتضغط على المواطن وتطال رواتبه وأجوره.

 

5 – إلغاء أو تعديل العديد من الضرائب والرسوم التي سعت الحكومة الى فرضها في مشروع الموازنة. وألغت على سبيل المثال الضرائب التي فرضت على دخل اللبنانيين غير المقيمين في لبنان ولكن لديهم أنشطة في البلاد.

 

6 – إلغاء التدابير القسرية، على غرار إحالة المكلّفين الذين لم يعلنوا عن دخلهم للسلطات الضريبية الى المدعي العام المالي أو حجز أصولهم.

 

7 – وضع حد أقصى للرسوم التي كانت محتسبة على سعر صرف 1507,5. يتم الآن ضربها بعامل 46 مرة للرسوم و60 مرة لضريبة الدخل (أما الضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركية فيتم تحصيلها منذ أشهر وفق سعر السوق). علماً أن سعر الصرف الثابت منذ أشهر والبالغ 89500 ليرة، يعادل 60 مرة سعر الصرف القديم، الذي استبدل بسعر 15 ألف ليرة بحسب ما أقره مصرف لبنان في الأول من شباط 2023.

 

في المحصلة، تؤكد لجنة المال إستناداً الى الكتل المواكبة للإجتماعات انها تمكنت من اخراج مشروع الموازنة أفضل مما تسلّمته، تاركة الكرة في ملعب مجلس النواب بكتله ونوابه، للسير بهذه التعديلات، معتبرين أن تأمين انتظام المالية العامة وفق الدستور والقوانين المرعية الاجراء، وتأمين الايرادات للدولة، من دون أن يكون ذلك من جيوب المواطنين.

يتقدّم الميدان على البحث الرئاسي. حتى الموفدون الدوليون تحوّل اهتمامهم إلى جبهة الجنوب ولم يعد الإستحقاق الرئاسي شغلهم الشاغل لأنّه صار ملحقاً بنتائج الحرب ومرحلة ما بعدها. ليس غريباً، فحرب غزة طوت صفحة حرب أوكرانيا فتراجعت عن جدول الاهتمام الدولي.

استناداً إلى رسائل الموفدين النشطين على خط لبنان، فإنّ الملف الرئاسي تراجع ولم يعد مدرجاً على جدول أعمالهم مقابل أولوية ضمان الأمن على الحدود الشمالية لإسرائيل والتي كان آخرها ما حمله الموفد الأميركي آموس هوكشتاين من إقتراح لوقف النار فكان الجواب جازماً أنّ تنفيذ هذا المطلب مرتبط بوقف الحرب على غزة، فكيف اذا كان الموضوع متصلاً برئاسة الجمهورية التي لم يعد ذكرها وارداً الا في كواليس المسؤولين واجتماعاتهم الداخلية وعلى سبيل الدردشة واستعراض الوضع من وجهته المسيحية ومحاولات من هنا وهناك لفتح الأبواب المغلقة بين رؤساء الأحزاب والكتل النيابية. لكنها حركة هادئة وبطيئة لا يُبنى عليها. حتى كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري الأخير لم يأت في سياق مستجد بل مجرد رسالة لمن يعنيهم الأمر.

فسّر كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري من أن لا مرشح الا سليمان فرنجية على أنّه بمثابة صد الأبواب تجاه ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون الذي لا يزال اسمه متداولاً لدى بعض الوسطاء الإقليميين لكنه خيار مستبعد في حسابات بعض الفاعلين في الملف على اعتبار أنّ قائد الجيش نال نصيبه من التمديد فيما للرئاسة حسابات أخرى أهمها الحاجة إلى تعديل دستور غير متفق عليه. في رأي أصحاب وجهة النظر هذه أنّ جلسة التمديد بعد التفكير بروية وهدوء لا يمكن أن تشكل بداية مسار لقائد الجيش باتجاه بعبدا، فالحضور من النواب وإن كان كبيراً إلّا أنّ التصويت لا يمكن أن يشكل مؤشراً لتعديل دستوري لصالح قائد الجيش لأنّ خطوة كهذه لها حساباتها واعتباراتها حتى لدى «حزب الله» الذي لا يزال متمسكاً بترشيح فرنجية كما شريكه في الثنائية، إلى أن يختار بنفسه الإنسحاب وحينها سيكون الإتجاه في التفكير نحو خيار ثالث.

لكن، سواء كان ترشيح فرنجية أو قائد الجيش أو أي خيار ثالث فإنّ البت بالموضوع الرئاسي لن يكون الا بعد حرب غزة أي أنّه سيكون ضمن تسوية شاملة محلية إقليمية تتوقع مرجعية نيابية أن تولد في الربيع القادم كحد أقصى. أمّا من ناحية «حزب الله» فأوساطه تستغرب الحديث عن مقايضة بين الرئاسة وتنفيذ القرار 1701 وتهدئة جبهة الجنوب اللبناني. لا يعرف من أين انطلقت فرضية كهذه لم يسبق وأن فوتح بشأنها من أي من الموفدين الساعين على خط وقف الحرب. طرح كهذا غير موجود في حسابات «حزب الله» ولا يعتبره قابلاً للنقاش من أساسه ويراه إهانة لدم الشهداء وللمهجرين قسراً من قراهم الجنوبية المحاذية.

من وجهة نظر مسيحية فإنّ حرب غزة ليست الا حجة، ذلك أنّ الشروط الداخلية غير متوفرة بعد للإنتخابات الرئاسية، حيث لا غطاء سياسي ولا غالبية 86 صوتاً. كان أغلب الظن أنّ تفاهم بري مع «القوات» والذي أنتج التمديد يمكن أن يسري مفعوله رئاسياً، لكن حسابات بري الرئاسية مختلفة تماماً وهو من المؤيدين لمقوله أنّ قائد الجيش نال قسطه بالتمديد ونقطة على السطر.

المراقبون المتابعون لدقائق الأمور يعتبرون أنه مهما بلغت درجة التسويات الخارجية، فإن لم تتوافر العوامل الداخلية للتوافق فلا رئيس، وعلى ما يبدو لغاية اليوم، لا يوجد ضوء أخضر لفرنجية من الكتل المسيحية الكبرى، أضف إلى ذلك أنّ النائب السابق وليد جنبلاط يشترط موافقة احدى الكتلتين المسيحيتين على أي مرشح وهو قال إن لا خلاف بينه وبين فرنجية ليعارض ترشيحه سوى أنّه لا يحظى بدعم مسيحي لانتخابه. وبالتالي فإنّ المناسبة التي جمعت الشخصيتين بقوة دفع من صديق مشترك لم تشكل محطة مفصلية رئاسياً، لوجود قناعة أن أي مرشح وإن انتخب بغالبية 65 صوتاً بلا دعم كتلة مسيحية أساسية فلن يتمكن من الحكم، وقد كانت ولاية الرئيس ميشال عون خير برهان على ذلك. عاملان أساسيان في انتخاب فرنجية يدركهما الثنائي هما الدعم المسيحي ودعم المملكة السعودية ومن دونهما لا رئيس، ولهذا فإنّ البحث الرئاسي سيبقى من باب التكهنات سواء تم تبرير ذلك بربطه بحرب غزة أم لا. وكما هو واضح فقد تحولت غزة إلى شماعة لتأجيل الإستحقاقات المهمة بينما العقد الداخلية لا تزال على حالها.

زر الذهاب إلى الأعلى