هل انتهت مدة صلاحية منتدى دافوس؟
بقلم: مصطفى أبو لبدة
إرم نيوز –
حين يعلو صوت الملاسنة الخشنة بين قيادات منصتين من سوية تويتر ومنتدى دافوس، كما حصل الأسبوع الماضي، فإنك بالتأكيد ستكون محظوظاً بسماع ما لم تسمعه أو لم تصدقه من قبل.
مناسبة الاشتباك اللفظي كانت انعقاد دورة 2023 للمنتدى الاقتصادي العالمي في منتجع دافوس السويسري، وهي المناسبة السنوية للنخب العالمية التي كان الملياردير إيلون ماسك، مالك ومدير عام تويتر، غاب عنها منذ 2015 بزعم أنه وجدها مملة.
وفي خلفيات الملاسنة، أن المنتدى الاقتصادي العالمي كان أسسه عام 1971، رجل الأعمال الألماني كلاوس شواب، كمنظمة أممية غير ربحية بهدف معلن، وهو تشكيل الأجندات العالمية والإقليمية الاقتصاد–سياسية.
دورة “دافوس” كانت الأولى بعد تخارُج العالم من إغلاقات جائحة كورونا. ولكورونا مع دافوس قصة أعطت إيلون ماسك ما يحتاجه من ذخيرة.
طوال نصف القرن الماضي، بعضوية ورعايات الآلاف من القادة والشركات الأكثر تنفذاً في العالم، كان “دافوس” ورئيسه التنفيذي شواب، رأس الحربة في قيادة وتجديد العولمة كنظام عالمي له دعاته ورعاته وأدبياته، كما له معارضوه. ولكل منهما كتائبه الإعلامية وعسكره المنظورون وغير المرئيين.
في أواسط تسعينيات القرن الماضي، نظم “دافوس”، المؤتمر الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، المنبثق عن مؤتمر مدريد للسلام 91، وكان الحديث عن بنك للشرق الأوسط للتعاون والتنمية بمشاريع 100 بليون دولار، لكن أحداً لم ير شيئا، ونسيه الناس.
في عام 1998 أسس كلاوس شواب وزوجته هيلدا “مؤسسة شواب للمقاولة الاجتماعية”، وأتبعاها عام 2004 بمؤسسة “منتدى قادة العالم من الشباب” التي اعترف شواب بأنها أداته لاختراق حكومات العالم وتوظيف السياسيين لصالحه. كان حديثه زلّة لسان استعراضية لعله ندم عليها الأسبوع الماضي، عندما تناوله إيلون ماسك بسلسلة تغريدات بإيحاءات المؤامرة وانتهاء الصلاحية.
دورة “دافوس” التي انطلقت يوم الاثنين من الأسبوع الماضي، كانت الأولى بعد تخارُج العالم من إغلاقات جائحة كورونا. ولكورونا مع دافوس قصة أعطت إيلون ماسك ما يحتاجه من ذخيرة.
فقبل انفجار الجائحة ببضعة أشهر كان شواب أجرى في نيويورك ما وُصف بأنه “تمرين بالذخيرة الحيّة” بعنوان “إعادة ضبط وتركيب العالم” من خلال جائحة صحية. كان عنوان الورشة التي ضمت قادة الحكومات والأعمال والأمن والصحة “الحدث 201″، وتضمنت سيناريو افتراضيا للجائحة العالمية.
وبعد بضعة أشهر نشر كتابه المعروف بعنوان “كورونا.. إعادة الضبط الكبرى للعالم”، وهي النظرية التي ساعده في ترويجها بيل غيتس مؤسس مايكروسوفت، والرمز القيادي في منتدى دافوس.
نفس فكرة “إعادة ضبط وتركيب العالم انطلاقاً مما أحدثته كورونا”، كانت تقريباً عنوان دورة المنتدى الاقتصادي العالمي التي انعقدت الأسبوع الماضي، وأحدثت خذلاناً لشواب لم يكن يتوقعه.
كان عنوان الدورة “التعافي في ظل عالم مشرذم”، إشارةً لتداعيات الحرب في أوكرانيا وما أحدثته حتى الآن من خلل وتفكيك لآليات نظام العولمة. وفيها دعا شواب لـ”السيطرة على المستقبل” ملقياً باللوم على الشعبويين اليمينيين في تصاعد انعدام الثقة في العالم.
كما ألقى فيها ريتشارد إيدلمان، الرئيس التنفيذي لأكبر شركة عالمية للعلاقات العامة، اللوم على الجماعات اليمينية بدعوى أنها تلاحق منظمات المجتمع المدني بسبب مصادر تمويلها المعروف ارتباطها بالبنوك والشركات الكبرى المؤازرة لمنتدى دافوس.
كلمتا شواب وإيدلمان أعطتا إيلون ماسك ما كان ينتظره؛ انطلق من دعوة شواب للسيطرة على المستقبل، فغرّد عبر تويتر يوم الأربعاء الماضي قائلاً “تريدون السيطرة على المستقبل؟ أي نحس هذا؟! هل يريد منتدى دافوس أن يحكم العالم؟ مَن الذي أوكله بهذه المهمة التي لم يطلبها الناس ولا يريدونها؟
وكعادته في تحويل نَتْعاته إلى استفتاء بين ملايين الذين يتابعونه على تويتر، فقد طرح سؤالاً استطلاعيا عما إذا كان مقبولاً أن يضع منتدى دافوس نفسه حاكماً للعالم، ليأتيه الجواب من 2.4 مليون شخص بكلمة “لا” بنسبة 86%.
وفي ردّه على إيدلمان، أقوى رجل علاقات عامة في الدنيا، كان ماسك أكثر من شرس. قال عنه: “إيدلمان إنسان حقير. وظيفته هي حرفياً أن يكون كذاباً محترفاً”.
هذا المهرجان من الشتائم والاتهامات التي تبادلها قادة تويتر ودافوس، لقي في العالم صدى ومشاركات صاخبة لم يكن المنتدى الاقتصادي العالمي يتمناها. فهي المرة الأولى منذ خمسة عقود التي يتعرض فيها دافوس لمثل هذا التجريح الاتهامي الذي يصدر من مرجعيات لا تُحتسب ضمن أصحاب النظريات المحفزة لشطط المخيّلة.
والأقسى من ذلك على شواب، أنها المرة الأولى التي تغيب فيها عن دافوس القيادات الدولية المحسوبة عليه أو المحسوب هو عليها، بدءاً من الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء البريطاني وانتهاء بالصحافة النافذة التي تقرأ اتجاهات الريح.
وفي الوقت الذي كان فيه دافوس ينعقد بتوقيت يصادف جردة حساب العام الأول من حرب أوكرانيا التي يصفها بابا الفاتيكان بأنها “حرب عالمية ثالثة بالقطّاعي”، كان الرئيس الأمريكي جو بايدن يتبلّغ من بعض ذوي الخبرة أن المزيد من الوثائق السرية التي ليس من حقه (هو وسلفه دونالد ترامب) أن يحتفظوا بها في بيوتهم، باتت الآن تحتمل أن يجد نفسه (بايدن) خارج البيت الأبيض قبل نهاية فترته.
هي إشارات متزامنة لا تقل في قوة صدمتها السياسية عن الذي أحدثته مذكرات الأمير هاري على مؤسسة الحكم البريطانية، أو الذي كشفته اجتماعات الناتو الأخيرة بشأن تسليح أوكرانيا، من أن الأحوال الألمانية والفرنسية والأوروبية هي في الحقيقة أسوأ مما كان متصوراً.
أيضا.. كل هذا ربما يهون في صدمته عن الذي كشفته وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين بخصوص الديون الحكومية إذ بلغت سقفها الدستوري، 31 تريليون دولار، وأن انفجار القضية منتظر أواخر الصيف القادم..
فقد كشفت عن مشروع يقترحه بنك الاحتياطي الفيدرالي لمعالجة التخلف المنتظر عن سداد الديون الأمريكية، وذلك بسكّ عملات بلاتينية بقيمة 1 تريليون دولار يتم دفعها للبنك المركزي، لتتمكن إدارة بايدن بعد ذلك من سحب الأموال لدفع الرواتب وفواتير الحكومة.
هي كلها، ابتداء من موضوع منتدى دافوس وانتهاء بسك العملات البلاتينية التي ستطيح بالدولار والنظام المالي العالمي، مستجداتٌ أولى من نوعها في التاريخ المعني، يصعب استيعاب تزامنها إلا بكونها أصوات تكسير أوانٍ زجاجية انتهت مدة صلاحيتها، بانتظار نظام عالمي جديد يتشكل في العتمة.