هل هناك بوادر أزمة بالعلاقات بين المغرب وفرنسا؟
النشرة الدولية –
بعد الاتهام غير المباشر من البرلمان المغربي لباريس بالوقوف وراء قرار البرلمان الأوروبي الذي انتقد حالة حقوق الإنسان في المملكة، سارعت فرنسا، الخميس، لنفي وجود أي توتر مع الرباط، واصفة العلاقات بأنها “استثنائية” وأنها تعتزم تحسينها.
لكن محللين سياسيين تحدثوا لموقع “الحرة” قالوا إن تصعيد المغرب من لهجتها ضد فرنسا، هو قناعة الرباط بأن دوائر صنع القرار في باريس هي المحرك للمواقف الأوربية ضد مصالح المملكة في أوروبا.
وفي بيانه، الاثنين، أعرب البرلمان المغربي “خيبة الأمل إزاء الموقف السلبي والدور غير البناء الذي لعبته، خلال المناقشات في البرلمان الأوروبي والمشاورات بشأن مشروع التوصية المعادية لبلادنا، بعض المجموعات السياسية المنتمية لبلد يعتبر شريكا تاريخيا للمغرب”.
ولم يذكر البرلمانيون المغاربة فرنسا بالاسم، لكن مراقبين ووسائل إعلام المغربية أشاروا إلى أن المقصود هو فرنسا التي لا تعيش علاقاتها مع الرباط أفضل أوقاتها.
ويقول، محمد سالم عبد الفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، إن فرنسا “توظف المؤسسات الحقوقية والتشريعية وحتى القضائية لأجل ابتزاز الدول والحكومات، سيما في المناطق التي تعتبرها مناطق نفوذ خاصة بها في مقدمتها المنطقة المغاربية”.
ويقول عبد الفتاح في حديث لموقع “الحرة” إن الموقف المغربي مبرر، لأن السياق الذي جاء فيه قرار البرلمان الأوروبي سبقته إشارات صادرة عن دوائر صنع القرار بفرنسا، وحتى إن كانت هذه الإشارات ضمنية وليست علنية.
وفي تفسيره للموقف الفرنسي، يقول عبد الفتاح إن دوائر صنع القرار الفرنسي باتت تتوجس من تصاعد الدور المغربي في المنطقة، وتجد صعوبة في استيعاب تزايد الدور المغربي في العمق الأفريقي خاصة في مجال الاسثتمار والأمن” بحسب تعبيره.
ويتابع عبد الفتاح في حديثه أن هناك “توجسا فرنسيا أيضا من انفتاح المغرب على قوى دولية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا بعد “البريكست” وإسرائيل”.
ويضع عبد الفتاح الموقف المغربي في سياق خطابات الملك، وخاصة الخطاب الأخير في أغسطس الماضي، والذي جعل من قضية الصحراء مفتاح التعامل مع شركاء المملكة وطالب الشركاء بموقف واضح من القضية.
نفي فرنسي واتهام مغربي
ونفت فرنسا، الخميس، وجود أزمة بينها وبين المغرب، مؤكدة أن الشراكة بين البلدين “استثنائية”، وذلك ردا على انتقادات من نواب مغربيين وحملة إعلامية شرسة مناهضة لباريس في وسائل الإعلام في المملكة.
والمقالات الصحفية، التي غالبا ما تكون حادة، تضاعفت في الأيام الأخيرة، إذ تحدثت عن مزيد من التدهور في العلاقات الفرنسية-المغربية، وألقت بظلال من الشك على زيارة الرئيس الفرنسي الوشيكة للرباط.
ونشر موقع “هسبريس” المغربي تحليلا أشار إلى أن “تعزيز الشراكة الإستراتيجية بين المغرب وأميركا يزعج المصالح الفرنسية”.
ونقل الموقع عن مصادر لم يسميها بأن ” الموقف الأميركي المتميز بصدقه واحترامه المتبادل( في إشارة إلى الاعتراف الأميركي في عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب، بسيادة الرباط على الصحراء)، تناقض مع الطبيعة المتقلبة للعلاقة مع فرنسا، التي تكافح من أجل التخلص من إخفاقاتها الوصائية من حقبة استعمارية ماضية”.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الفرنسية، آن-كلير لوجاندر، في مؤتمر صحفي، إنه “على العكس من ذلك، نحن في شراكة استثنائية نعتزم تنميتها”.
وإذ ذكرت بالزيارة التي قامت بها وزيرة الخارجية، كاترين كولونا، إلى المغرب في ديسمبر، قالت “كانت زيارة إيجابية للغاية”، مشددة على أن زيارة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، المقررة مبدئيا للمملكة خلال الربع الأول من العام الجاري ستكون “علامة فارقة”.
وتنتقد الطبقة السياسية المغربية والإعلام المقرب من الحكومة فرنسا بشدة منذ أن تبنى البرلمان الأوروبي بغالبية كبيرة قبل أسبوع قرارا أعرب فيه عن القلق من تدهور حرية الصحافة في المملكة.
المحللة السياسية المغربية، شريفة لومير، أشارت في حديث لموقع “الحرة” إلى أن “اتهام المغرب لفرنسا جاء للدوافع الواضحة التي جعلتها محط اتهام في خضم تجاذب خفي للأزمة الديبلوماسية بين الطرفين، وهي خطوة تحاول من خلالها فرنسا إظهار قوتها للمغرب في مرحلة هي غير مرتاحة للدينامية الجديدة التي تشهدها شراكتها مع الولايات المتحدة”.
وترى لومير أن “التصعيد المغربي يوضح جدية موقفه من فرنسا تجاه ضرورة خروجها بموقف واضح، في مقابل ‘تهدئة الاوضاع’ من الجانب الفرنسي التي توضح على أن فرنسا ليست مستعدة لأي أزمة ديبلوماسية مع المغرب نظرا لكونه شريكا تقليديا مهما لها”.
واتهمت فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، بأنها “تدبر” حملة مناهضة للمغرب في بروكسل.
ونقلت وكالة فرنس برس عن النائب المغربي، أحمد التويزي، عن حزب الأصالة والمعاصرة (الغالبية) قوله إن قرار البرلمان الأوروبي “يقف خلفه بلد كنا نعتقد أنه صديق وشريك موثوق به، لكن رائحة الغاز أفقدته صوابه”، في إشارة إلى التقارب بين باريس والجزائر المنافس الإقليمي للرباط.
وردت المتحدثة باسم الخارجية الفرنسية على هذه الاتهامات، الخميس، قائلة إن “البرلمان يمارس صلاحياته بشكل مستقل”، مضيفة أن “فرنسا، من جانبها، تقيم علاقة صداقة عميقة مع المغرب وتناقش معه المواضيع كافة، بما في ذلك حقوق الإنسان”.
الباحث الإعلامي، يوسف منصف، يقول في حديث لموقع “الحرة” إن “الإشارة المبطنة وغير المباشرة لفرنسا في بيان البرلمان المغربي منطقية بالنظر للثقل السياسي لفرنسا داخل دواليب الاتحاد الأوربي”.
ويضيف أن ” توجيه البرلمان المغربي أصابع الاتهام لفرنسا ولو بصفة غير مباشرة، إشارة صريحة لمصدر الإزعاج الرئيسي للمغرب، حيث أن فرنسا لم يرق لها خروج المغرب عن “بيت الطاعة” وتوجهه صوب تحالفات بعيدة عن القارة العجوز بإسرها..في اتجاه الصين وأميركا وروسيا وانكلترا كذلك” بحسب تعبيره.
ويتابع منصف أن فرنسا تعتبر المغرب “حديقتها الخلفية، وهذا أمر لم يعد مستقيما مع تطلعات المغرب صوب شركاء اقتصاديين أكثر فائدة، بمنطق الشراكة وليس بمنطق الوصاية. وستعرف الأيام المقبلة رد فعل مغربي أكثر صرامة في علاقته بالاتحاد الأوربي وفرنسا تحديدا”.
وأوردت مجلة “جون أفريك” الفرنسية، الأربعاء، أن “الأخطاء وسوء التفاهم يتنامى بين باريس والرباط”، مضيفة أنه “في مواجهة ما تعتبره مظاهر عداء من فرنسا، لم تعد السلطات المغربية تخفي أن العودة إلى الوضع الطبيعي ستكون صعبة”.
وفي وقت نفت باريس أي توتر للعلاقات مع المغرب ودافعت عن استقلالية البرلمان الأوروبي، كانت هناك أصوات فرنسية داعمة للمغرب، ودافع النائب الفرنسي المحسوب على اليمين، تييري مارياني، عن الرباط، وقال إنه عوض التحدث عن المغرب يجب التحدث عن الجزائر عند التحدث عن انتهاكات حقوق الإنسان، مشيرا إلى أنه يجب احترام أحكام القضاء المغربي.
وكانت التوصية، غير الملزمة، التي تبناها البرلمان الأوروبي قبل أسبوع، انتقدت تدهور حرية الصحافة في المغرب، مطالبة السلطات “باحترام حرية التعبير وحرية الإعلام”، و”ضمان محاكمات عادلة للصحفيين المعتقلين”.
كما أعربت التوصية عن قلق البرلمان الأوروبي إزاء “الادعاءات التي تشير إلى أن السلطات المغربية، قد تكون رشت برلمانيين أوروبيين”.
ولقيت هذه التوصية إدانة قوية في الرباط، عبر عنها تحديدا البرلمان المغربي الذي أعلن، الاثنين، عزمه على “إعادة النظر” في علاقاته مع نظيره الأوروبي، منددا بـ”تدخل أجنبي” و”ابتزاز”، و”محاولات خطيرة للمساس بمصالح المغرب وصورته”.
وردا على الانتقادات، تشدد السلطات المغربية دوما على “استقلالية القضاء” وعلى حقوق الضحايا، مؤكدة أن المحاكمات تتعلق بـ”قضايا حق عام” لا دخل لها بها.