بيان خطير لبعثة صندوق النقد الدولي “لبنان أمام منعطغ خطر”
النشرة الدولية –
لبنان 24 – نوال الأشقر –
غريب أمر هذا البلد، تزور بيروت بعثةُ صندوق النقد، تصول وتجول، وتصدر بيانا ختاميًّا خطيرًا في توصيفه لحالنا، مفاده أنّ لبنان أمام “المنعطف الخطر” وأن بقاء الوضع على ما هو عليه سيؤدي إلى عواقب أكثر خطورة “لا رجعة فيها”. بيانٌ، فيه ما يكفي من التنبيه من الإرتطام الكبير، ورغم ما تضمّنه من تحذيرات تزلزل الكيان، لم يحدث أيّ جلبة على المستوى الداخلي، لا بل قوبل بسكون رهيب، فيما مُنح سجال “التوقيت الصيفي” كلّ الإهتمام، إلى حدّ أضحى معه البلد بناسه ومرجعياته ومؤسساته، مشطورًا، بفدرالية التوقيت، إلى لبنانَين.
ليته نال تحذيرُ صندوق النقد من الآتي الأعظم، ربعَ ما ناله سجالُ التوقيت، لكنّا سخّرنا جهدنا الوطني للبحث في كيفية الخروج من المخاطر التي حذر صندوق النقد من تبعاتها، ونحنا على “مفترق طرق خطير”، تتساوى فيه سوداوية الفصول صيفيّة كانت أم شتويّة. وليت الشعبويين الذين لا ينفكّون يستثمرون في مآسي اللبنانيين، الذين صوّروا تأخير اعتماد التوقيت الصيفي إلى ما بعد شهر رمضان المبارك على أنّه مؤامرة ضدّ المسيحيين، ليتهم لم يعطّلوا جلسات انتخاب رئيس، ولم يخرجوا من القاعة العامة لإفقدان النصاب القانوني، لكان للبنان رئيس منذ نهاية ولاية الرئيس السابق ميشال عون، ليتهم يقلعون عن ذر الرماد في العيون.
صندوق النقد الدولي الذي نقف على بابه طالبين العون، يلفت انتباهنا إلى أنّ مسار التعافي يمر بدرب الإصلاحات، وفي كلّ مرّة يردّد على مسمعنا ماهيّة هذه الإصلاحات، أبرزها وفق قراءة الخبير الإقتصادي الدكتور لويس حبيقه، إصلاح القطاع المصرفي، إنجاز موازنة 2023، إقرار الكابيتال كونترول، وقانون السرية المصرفيّة بصيغة مغايرة عن التي أُقرت، حيث أكّد رئيس بعثة الصندوق إرنستو ريجو خلال مؤتمره الصحافي، أنّ التعديلات على قانون السريّة المصرفيّة لم تكن على مستوى طموحات الصندوق، وخصوصًا لجهة صلاحيات رفع السريّة المصرفيّة لغايات إعادة هيكلة القطاع المصرفي.
أضاف حبيقه في حديثه لـ “لبنان 24” نحن لم ننفذ أيّ من الإصلاحات التي طلبها صندوق النقد، لا بل يحصل العكس، وكان لافتًا في هذا السياق، ما أعلنه نائب رئيس مجلس النواب الياس أبو صعب، عن استمرار عمليات تحويل أموال إلى الخارج.
في ختام جولته لفت الصندوق إلى مسؤولية كلّ من “الحكومة والبرلمان والمصرف المركزي، الذين يفترض أن يبادروا معًا، بسرعة وحسم، إلى مقاربة مكامن الضعف المؤسساتيّة والبنيويّة لإعادة الاستقرار للاقتصاد اللبناني، وفتح الباب أمام التعافي القوي والمستدام”. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الحكومة أرسلت خطّتها ومشاريع القوانين الإصلاحية إلى مجلس النواب، حيث سمعنا الكثير من الإعتراضات على خطّة الحكومة، وهي فعليّا ليست منزلة، بإمكان القوى السياسية وغير السياسية أن تطرح المعالجات التي تراها مناسبة، وبإمكان المجلس النيابي تعديل الخطّة، ولكن الأخير لم يفعل، ولم ينجز القوانين الإصلاحيّة المطلوبة، وما أقرّه أتى منقوصًا، كقانون تعديل السريّة المصرفيّة. فيما يرقد الكابيتال كونترول في أدراجه، في وقت كان يجب إقراره صبيحة 17 تشرين الأول عام 2019.
في الوقت الحالي ليس هناك من إمكانية لإقرار القوانين الإصلاحيّة، بظل إصرار فريق على عدم التشريع في زمن الفراغ الرئاسي، ولو أنّ بعض من يتبنّى هذه المقاربة، هو نفسه من يعطّل نصاب جلسات انتخاب رئيس للجمهورية، ويقف ضد ممارسة الحكومة لعملها وواجبها، ويدفع باتجاه الشلل المؤسساتي الشامل. من هنا أعاد الرئيس نجيب ميقاتي في بيانه الكرة إلى أصحابها، لجهة وجوب إدراك الجميع حجم المخاطر المحدقة والذهاب باتجاه المعالجات “أمام السادة النواب والقيادات السياسية والروحية المعنية مسؤولية انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة جديدة، فليتحمّل كل طرف مسؤوليته”. وفي بيان ميقاتي دعوة للجميع لأخذ المواقف والتحذيرات الدولية من خطورة الاوضاع بعين الاعتبار، والتوحد لاتمام المعالجات المطلوبة.
حبيقة لفت إلى خلافات بين الكتل النيابية تعيق إقرار القوانين، معتبرًا أنّ القوانين التي تُنجز تحت الضغط، لن تكون لمصلحة البلد على المدى الطويل “باعتقادي، القوانين التي رفعت من شأن لبنان لا زالت صالحة، وأيّ تعديل لها يجب أن يُدرس بعناية. على سبيل المثال يريدون تطيير قانون النقد والتسليف أو جزءًا منه، علمًا أنّ هذا القانون كان له الدور الأساسي في بناء اقتصاد البلد. كذلك الأمر بالنسبة للسريّة المصرفية التي جذبت الأموال إلى البلد، وأيّ مس بهذه القوانين يجب أن يكون مدروسًا بعناية”
في الوقت الراهن لا يمكن فعل شيء، وأيّ انفراج وفق حبيقة، لا بدّ أن يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية “الجهود يجب أن تنصبّ في هذا الإتجاه، خصوصًا وأنّ الأمور آخذة في التدهور، وهدر الوقت يرفع من حجم الكلفة كما أشار بيان صندوق النقد، ويزيد من إفقار اللبنانيين. ولكن مع الأسف يربط البعض تعطيلنا لاستحقاقاتنا بالخارج، كأن نسمع أنّ رئيس دولة عظمى كالولايات المتحدة لم يتفق مع دولة أخرى على رئيس للبنان، وهذا كلام مؤسف وغير واقعي”.
حبيقة يرى أنّ ليس هناك من بديل عن صندوق النقد الدولي، وأي مساعدات من المجتمع الدولي مشروطة بتنفيذ بنود الإتفاق مع الصندوق “عملت في البنك الدولي لمدة خمس سنوات في واشنطن، وأدرك كيفية عمل هذه المؤسسات، فهناك حاجات كبيرة لدى عدد لا يستهان به من الدول، ولا تمنح المؤسسات الدوليّة الأموال، إلا بعد إذا كانت متيقّنة من وصولها إلى مكانها الصحيح، من هنا لا أموال قبل تنفيذ الإصلاحات”.
معركة واحدة تستأهل كل الضجيج والتضامن والتكافل السياسي والإعلامي والشعبي والروحي، معركة خلاص لبنان من أزمته، وما عدا ذلك تضييع للبوصلة. وقد فاتهم أنّ كلّ ساعاتنا وأيامنا باتت بتوقيت القهر والعوز، كما فاتهم أنّ دول القرار قالت مرارًا إنّها لن تسارع لإنقاذنا طالما لم نساعد أنفسنا، وأنّ كبار المتخاصمين في الأقاليم والأمم نسجوا تحالفات وتسويات، كانت بالأمس القريب بمثابة معجزة، وفاتهم أنّ الأزمة القاهرة في بلدنا دخلت عامها الرابع، وأنّ وتيرة الإنهيار تنزلق نحو القعر، بخطى متسارعة حدّ الجنون، فاتهم أنّنا نلعن الساعة التي قادتنا إلى جهنّم، وعدوا به، وإذا به الوعد اليتيم المُحقق