بلدات لبنانية حدودية مع إسرائيل تدفع ثمن موقعها الاستراتيجي
قربها من الحدود يسمح باستخدامها كمواقع استراتيجية لمراقبة التحركات المعادية
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية –
تحتدم المواجهات على الحدود الجنوبية اللبنانية بين إسرائيل و”حزب الله”، وذلك على وقع معلومات تداولها الإعلام الإسرائيلي أن تل أبيب عازمة على نقل قوات إضافية إلى حدودها الشمالية، كجزء من التحضير لحربها المقبلة مع “حزب الله”، في حال فشلت الجهود الدبلوماسية والسياسية التي يقوم بها وسطاء ومبعوثون دوليون.
وقالت “القناة 12” الإسرائيلية في تقرير، إن “إسرائيل معنية بالتوصل إلى تفاهم سياسي مع “حزب الله” يسمح لسكان الحدود الشمالية بالعودة إلى منازلهم بعد أكثر من ثمانية أشهر، إلا أن المستويين السياسي والعسكري يدركان أن فرص التصعيد تتزايد، وتم اتخاذ قرار بنقل القوات من قطاع غزة إلى شمال البلاد”.
ومع التصعيد والتهديدات المتبادلة بين طرفي الحرب، تركز إسرائيل في غاراتها وعملياتها الحربية على بلدات محددة ومنها كفركلا وحولا وعيتا الشعب ومارون الراس وميس الجبل وبنت جبيل وعيترون، وغيرها، ما يدفع إلى السؤال عن أهمية تلك البلدات اللبنانية الحدودية، وموقعها الجغرافي وما تتضمنه تضاريسها، من تلال أو هضاب، أو مواقع للحزب، ما يجعلها نقطة استراتيجية وهدفاً دائماً للعمليات والمواجهات العسكرية.
مواقع للمراقبة وخزان شعبي
تُعتبر البلدات الحدودية اللبنانية الجنوبية ذات أهمية استراتيجية بالغة في السياق الجيوسياسي والعسكري للصراع مع إسرائيل، وذلك لأسباب عدة، منها حدودها المباشرة وتداخلها في بعض النقاط مع الداخل الإسرائيلي، ما يجعلها نقاط تماس ومسرحاً محتملاً للعمليات، لكن لهذا الموقع وجهان وأهمية كبرى في عمليات الدفاع والهجوم على حد سواء. وتقع تلك البلدات على ممرات وطرق رئيسة تُستخدم للتنقل العسكري والإمدادات، مما يجعل السيطرة على تلك الممرات مسألة جوهرية في منع أو تسهيل تحركات عناصر “حزب الله”.
كما أن وجود تلك البلدات على الحدود يسمح باستخدامها كمواقع استراتيجية لمراقبة التحركات الإسرائيلية، وجمع المعلومات الاستخباراتية، ويمكن نشر وحدات استطلاع فيها لرصد أي نشاط عسكري على الجانب الإسرائيلي.
ناهيك عن تلك البلدات تعد الخزان الشعبي الداعم لـ “الحزب”، حيث أن العديد من سكانها إما محازبون أو مناصرون له، أو على الأقل لا يجاهرون بمواقف معارضة للحزب. وضمت تلك البلدات تاريخياً عناصر من “المقاومة اللبنانية” والأحزاب اليسارية، نظراً إلى الصراع التاريخي الممتد منذ عام 1947 مع إسرائيل، وهذا الدعم يُترجم بتوفير ملاذات آمنة، ومساعدات لوجستية، وتجنيد أفراد جدد.
قواعد عسكرية ومخازن أسلحة
وكان الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله وفي آخر خطاب له في يونيو (حزيران) الجاري، وصف “البيئة الحاضنة” بأنها “من أهم عناصر القوة”. من هنا ووفقاً لتقارير إعلامية عدة تنتشر قواعد عسكرية عدة للحزب، بما في ذلك مخازن الأسلحة ومراكز القيادة، بحيث يمنع دخولها سواء من قبل السكان المحليين، أو القوات الدولية “اليونيفيل” وحتى الجيش اللبناني.
وكان موقع “ألما” المقرب من الاستخبارات الإسرائيلية نشر تقريراً في يونيو 2022، أن هذه المناطق تُستخدَم من قبل “حزب الله”، بشكل روتيني وفي أوقات الطوارئ لأغراض التدريب وكمستودعات تخزين للأسلحة، عدا عن تخصيص مناطق للانتشار، وأخرى دفاعية، علاوةً على مناطق لإطلاق الصواريخ.
وأُرفق المقال، الذي كتبه الباحث الإسرائيلي تال بيري، بيانات تتضمن رسم خرائط لعشرات من هذه المناطق في جنوب لبنان
ووقعت حوادث عدة بسبب منع قوات “يونيفيل” من دخول بعض المناطق أو القرى الجنوبية، أخطرها على الإطلاق حادثة إطلاق النار على إحدى آليات القوة الدولية، بعد محاولة اعتراضها على طريق يربط بين مدينتي صور وصيدا، أسفرت عن مقتل جندي في الكتيبة الإيرلندية وجرح ثلاثة آخرين، ما استدعى استنكاراً لبنانياً واسعاً، وتصريحاً من “حزب الله” نفى فيه ضلوعه بـ”الحادث غير المقصود”، ودعا إلى عدم إقحامه فيه، وذلك في ديسمبر (كانون الأول) 2022.
ويعترض الحزب على الصلاحيات المعطاة لـ “يونيفيل”، وكان نصرالله رفض صيغة التمديد المعمول بها منذ عام 1978، وشكك بالدور الحيادي لمجلس الأمن، الذي برأيه “لا يرى خروقات إسرائيل البرية والجوية والبحرية، ولذلك يريدون اليونيفيل جواسيس عند الإسرائيليين”.
إضافة لكل العوامل السابقة، تحظى تلك المنطقة بتغطية إعلامية واسعة، مما يجعلها نقاطاً محورية في الحرب النفسية والدعائية، وأي هجوم أو اشتباك يحدث هناك يمكن أن يؤثر في الرأي العام المحلي والدولي. فما أبرز تلك البلدات وأكثرها أهمية؟
كفركلا أو “بوابة فاطمة”
من الأمثلة البارزة على أبرز البلدات الحدودية نجد، مارون الراس، وبنت جبيل، وعيترون، إضافة إلى كفركلا، حيث شكلت هذه البلدات ساحات قتال رئيسة خلال حرب عام 2006 بين “حزب الله” وإسرائيل، واليوم تشهد أعنف جولات القصف والاستهداف.
وتُستهدف تلك البلدات والقرى الحدودية انطلاقاً من فكرة “التجريف”، ووفقاً لمتابعين عسكريين أن ذلك يسبق أي عملية “غزو بري”، عبر فرض منطقة عازلة، انطلاقاً مما تعلن عنه الحكومة الإسرائيلية، من أن حرب غزة قامت في الأساس لتأمين الحدود الإسرائيلية الجنوبية والدفاع عنها، وتبعتها الحدود الشمالية.
ويلاحظ أن بلدة كفركلا شكلت هدفاً متكرراً للغارات والعمليات العسكرية الإسرائيلية، وذلك لأهمية موقعها الجغرافي، كونها تُعتبر بوابة فلسطين من الشمال سابقاً قبل النكبة، وأطلقت عليها إسرائيل اسم “بوابة فاطمة”، ثم أعاد مجلسها البلدي تسميتها “بوابة الانتصار” في عام 2005، وتُستخدم كنقطة انطلاق لهجمات وعمليات عسكرية.
تبلغ مساحة كفركلا خمسة كيلومترات مربعة تقريباً، من دون الأراضي الزراعية التي اقتطعتها إسرائيل، ومساحتها 2007 دونمات تقريباً.
وتُعتبر كفركلا من البلدات الحدودية الجنوبية المهمة، وتُستهدف من قبل إسرائيل لأسباب استراتيجية وعسكرية متعددة، أهمها موقعها الجغرافي، حيث تقع على الحدود مباشرة وتحديداً بالقرب من مستوطنة المطلة الإسرائيلية، ما يجعلها هدفاً مباشراً في أي تصعيد عسكري أو توتر أمني.
تقول إسرائيل إن كفركلا تحتوي على أنفاق ومخازن أسلحة يستخدمها “حزب الله” في عمليات تسلل أو تحركات عسكرية ضدها، ومن هنا سعيها الدائم لتدمير هذه الأنفاق والتحصينات لمنع استخدامها في أي هجمات مستقبلية أو تعزيز الحزب قدراته العسكرية. كما أن استهداف تلك البلدة في محاولة لتقييد حرية حركة المقاتلين يعتبر جزءاً من الحرب النفسية والإعلامية، التي تخوضها إسرائيل، حيث أن الإعلان عن تدمير المنشآت العسكرية والبنى التحتية في هذه البلدة يمكن أن يرسل رسالة قوية إلى الحزب وسكان المنطقة، مما قد يؤثر على معنوياتهم.
وتُستخدم تلك البلدة بطبيعة الحال كموقع لمراقبة التحركات الإسرائيلية وجمع المعلومات الاستخباراتية.ولعل التداخل الحدودي في تلك البلدة يجعل منها نقطة مرور محتملة لأي عمليات تسلل أو تهريب بين لبنان وإسرائيل، فضلاً عن الاعتقاد بتمركز “فرقة الرضوان” فيها، وهي فرقة النخبة التابعة للحزب”.
التلال حاجز طبيعي يعيق عمل الاستخبارات
وتلعب التلال والجبال على الحدود دوراً مهماً في منع أو تقليل قدرة القوات الإسرائيلية على المراقبة المباشرة والقيام بتحركات استخباراتية. من بين هذه التلال والجبال، تلال كفرشوبا في الجنوب الشرقي للبنان، والتي تُعتبر من المناطق الجغرافية الوعرة، وتشكل حاجزاً طبيعياً أمام المراقبة الإسرائيلية. تتميز بتضاريسها الوعرة والمتنوعة، ما يجعلها ملاذاً طبيعياً وموقعاً ممتازاً للعمليات العسكرية والدفاعية. وتوفر هذه التلال غطاءً طبيعياً لعناصر الحزب ومعداته. ودائماً ما يعلن الحزب عن استهدافه قوافل عسكرية إسرائيلية بالقرب من مواقع رويسات العلم وجل العلام وموقع السماقة ورمثا وغيرها، من التي كانت مسرحاً للعديد من الاشتباكات والنزاعات خلال الحروب مع إسرائيل.
أيضا هناك جبل الشيخ أو جبل حرمون، ويمتد على الحدود اللبنانية الشرقية مع إسرائيل، ويوفر غطاءً طبيعياً للمنطقة ويعيق الرؤية المباشرة والمراقبة من الجانب الإسرائيلي.
تلال مارون الراس، وتقع على الحدود المباشرة مع إسرائيل، وتُعرف هذه التلال بأهميتها الاستراتيجية العالية في النزاعات اللبنانية- الإسرائيلية. تتميز بارتفاعها وبإطلالتها المباشرة على الأراضي الإسرائيلية. حيث توفر مناظر بانورامية تسمح بالمراقبة والاستطلاع الواسع للمنطقة المحيطة. لعبت دوراً مهماً خلال حرب 2006، حيث كانت مسرحاً للعديد من المعارك الحاسمة. كما تُستخدم كنقطة انطلاق للعمليات العسكرية وتخزين الأسلحة.
وتشكل تلال عيترون، قرب الحدود مع إسرائيل، حاجزاً طبيعياً يمنع المراقبة ويساعد في تأمين التحركات على الجانب اللبناني، وتعتبر منطقة استراتيجية مهمة للعمليات الدفاعية والمراقبة، وتتميز بتضاريسها الوعرة وارتفاعاتها المختلفة، كما توفر غطاءً طبيعياً يمكّن عناصر “حزب الله” وغيره من التخفي والتحرك بمرونة.
وتعد هذه التلال نقاطاً حيوية في السياق العسكري والجيوسياسي في الصراع المستمر بين لبنان وإسرائيل، حيث توفر مواقع استراتيجية للمراقبة، والدفاع، وشن العمليات العسكرية.
انفجارات غامضة ومخازن للأسلحة
وكثيراً ما وقعت انفجارات داخل مناطق سكنية لبنانية بالقرب من الحدود، كانت القنوات الرسمية تعللها بأنها ناتجة من حريق أو انفجار مولد للكهرباء وغيرها من التفسيرات، ولكن بعد كل تفجير كانت التقارير الإعلامية الإسرائيلية تتحدث عن مستودعات للأسلحة تابعة للحزب بين البيوت، كما حصل عندما وقع انفجار في بلدة عين قانا، في سبتمبر (أيلول) 2020، ولم يمضِ حينها شهر على تفجير مرفأ بيروت، وسط تأكيدات أمنية حينها، بأن الانفجار وقع في منزل يُستخدم كمركز لتجميع قذائف من مخلفات الحرب. وعلق مصدر في المكتب الإعلامي التابع لـ”حزب الله” أن “ما انفجر هو مركز لتجميع مخلفات حرب تموز أي الألغام”. لكن وكالة “رويترز” نقلت عن مصدر أمني قوله إن ذلك الانفجار “وقع في مستودع أسلحة لحزب الله بسبب خطأ فني”. وقيل حينها إنه استهداف من قبل إسرائيل لأحد مخازن الأسلحة التابعة للحزب حيث ترافق مع تحليق مكثف للطيران الحربي الإسرائيلي.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد تحدث عن الموضوع أيضاً في الفترة ذاتها، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو يعرض خرائط لمواقع “الحزب”، ما دفع بنصرالله إلى النفي.
خيمتا “الحزب” والسياج الحدودي الإسرائيلي
في يونيو 2023، قالت قناة “كان” الإسرائيلية الرسمية، إن قوة من “حزب الله” “اجتاحت أراضي دولة إسرائيل السيادية، في قطاع جبل دوف (مزارع شبعا المحتلة)، وأقامت موقعاً عسكرياً مسلحاً هناك”، في إشارة إلى الخيمتين اللتين نصبهما الحزب على الحدود مع إسرائيل. وأزال الحزب خيمة واحدة في ما بعد كانت نُصبت داخل الخط الأزرق في جرود بلدة كفرشوبا، وأبقى على الخيمة التي نُصبت داخل الأراضي اللبنانية شمال الخط الأزرق الذي وضعته الأمم المتحدة.
بدورها إسرائيل أقامت سياجاً حدودياً في قرية الغجر على طول الحدود الشمالية للقرية، في مطلع عام 2018، وقالت إنه جدار أمني، مجهز بكاميرات، وتسعى من خلاله إلى إحباط أي محاولة للتسلل والهجوم من جانب “حزب الله”. وأتى ذلك بعد بناء جدار في عام 2012 حول مدينة المطلة الإسرائيلية المجاورة للحدود. وصرح مسؤولون عسكريون إسرائيليون حينها، أنه “تم استبدال السياج الحدودي ببناء الجدار لأغراض أمنية”.