قراءة في وقائع مؤتمر معهد أبحاث الأمن القومي الاسرائيلي
بقلم: د. سنية الحسيني

النشرة الدولية –

أنهى معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي أعمال مؤتمره السنوي السادس عشر مطلع الشهر الجاري، حاملاً معه العديد من القضايا المهمة التي ركز عليها.

وتعود أهمية تتبع أعمال المؤتمر لسببين: الأول؛ يتعلق بطبيعة المعهد وأهميته ودوره في التأثير على صنع القرار في إسرائيل، والثاني؛ يرتبط بضرورة معرفة الفلسطينيين والعالم العربي ودول الشرق الأوسط كيف يفكر فيهم عدوهم وماذا يدبر لهم.

ومعهد الأمن القومي الإسرائيلي مركز فكري بحثي مستقل غير حزبي تابع لجامعة تل أبيب، وله مكانه مرموقة. تأسس في العام ٢٠٠٦، ويقوم بالتركيز على تحليل الوضع الاستراتيجي في مجالات الأمن القومي والشؤون العسكرية والصراع في الشرق الأوسط والحروب بأشكالها المختلفة. ويعمل المعهد على تقديم النصح لصانع القرار بشأن تلك القضايا، على أسس علمية ومعرفة معلوماتية، وبذلك يساهم بشكل غير مباشر في صنع القرار. وتتكون غالبية باحثيه من أكاديميين مخضرمين، كما شغل العديد منهم مناصب رفيعة المستوى في المؤسسات الرسمية الإسرائيلية ذات الصلة بتخصص المركز، كمؤسسة الجيش ومكتب رئاسة الوزراء ووزارة الخارجية ولجنة الطاقة الذرية في إسرائيل.

اعتبر الخبراء المشاركون أن تدخلات نتنياهو وحكومته في منظومة الحكم وإضعاف جهاز القضاء، وما خلفه ذلك من اضطرابات داخلية في إسرائيل، جعلتها تعاني لأول مرة منذ ٧٥ عاماً من تصدع يهدد حصانتها القومية وقيم التضامن في المجتمع اليهودي، التي تحمى وجودهم واستمرارهم، ويضر بمكانتها وسمعتها في العالم، وهو الأمر الذي يعرقل الجهود لمواجهة التحديات الخارجية لإسرائيل.

ومن أهم التحديات الخارجية، حسب مخرجات المؤتمر، وصول إيران إلى العتبة النووية، ما يجعل إسرائيل، حسب تعبيرهم، تواجه خطرا وجوديا لأول مرة منذ حرب أكتوبر العام ١٩٧٣. يأتي ذلك بالإضافة إلى التهديدات الأمنية القادمة من الشمال في سورية ولبنان، وتدهور الوضع الأمني في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتتعقد القضايا الخارجية أكثر في ظل تأثر إسرائيل بالصراع بين الولايات المتحدة والصين والحرب الأوكرانية وتطور العلاقات الإيرانية الروسية.

وفي لهجة لوم على ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية اليوم تجاه جهاز القضاء، أكدت دوريت بنيش رئيسة المحكمة العليا سابقاً، على أن جهاز القضاء كثيراً ما تعرض لضغوط بسبب سياسات الحكومات المختلفة، وطالما اختار أن يدعمها في مهامها الصهيونية، طارحة عدداً من الأمثلة المثيرة للاهتمام. على سبيل المثال، وقوف القضاء متفرجاً وعدم تصديه للحكومة عندما بدأت العمل بسياسة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث إن القانون الدولي يمنع نقل سكان غرباء من قبل المحتل إلى الأراضي المحتلة. كما أجاز القضاء سياسة الاغتيالات الإسرائيلية الرسمية لقادة فلسطينيين أو شبان كانوا على وشك تنفيذ عمليات مسلحة، وهو ما لم يفعله أي جهاز قضائي في العالم من قبل، على حد تعبير رئيسة المحكمة السابقة. وصمت القضاء الإسرائيلي أيضاً على سياسة الجيش باستخدام مدنيين فلسطينيين كدروع بشرية خلال عملياته الحربية، وهو ما ينتهك صراحة القانون الإنساني الدولي.

واعتبرت القاضية أن اتخاذ القضاء لعشرات من القرارات المشابهة، جاء بهدف الحفاظ على روح الصهيونية، على حد تعبيرها، ما أتاح للاحتلال أن يستمر في السيطرة على الأراضي الفلسطينية لأكثر من ٥٥ سنة.

يقلق خبراء المؤتمر من إمكانية حدوث تصدع في العلاقات مع الولايات المتحدة، نتيجة لسياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية.

ورغم ذلك، وفي ظل مواصلة إسرائيل التهديد بعمل عسكري ضد إيران، أكد توماس نايدس، السفير الأميركي في إسرائيل، أن بلاده ستفي بالتزاماتها تجاه إسرائيل بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي، كما أنها لن تكبل يدي إسرائيل وهي تسعى للدفاع عن نفسها، ورغم أنه أكد أن بلاده لا تزال تميل لحل القضية مع إيران دبلوماسياً، إلا أنه شدد على أن أميركا ستحمي إسرائيل إن قررت التصرف، وهو ما أعاد التأكيد عليه قائد سلاح الجو في الجيش المركزي الأميركي، والذي كان مشاركاً في المؤتمر، معتبراً أن بلاده لديها قوات في المنطقة، ويمكن تحريكها إن دعت الحاجة.

في المجمل أكد خبراء المؤتمر أن أوروبا وبريطانيا لن يقدما لإسرائيل دعما عسكريا مباشرا، إن أقدمت الأخيرة على شن حرب ضد إيران، إلا أن الطرفين سيدعمان إسرائيل سياسياً لمنع إدانتها وبالعتاد أيضاً. كما تعتبر إسرائيل أن التقارب الإيراني الروسي مضر لإسرائيل، فالعلاقات الإسرائيلية الروسية المضبوطة حفظت توازن الصراع في سورية، خلال السنوات الماضية، ما يجعل تصاعد الأحداث فيها خصوصاً بين الولايات المتحدة وإيران غير مطمئن. كما تقف إسرائيل بين الولايات المتحدة والصين في صراعهما المتأجج، حيث تطلب واشنطن من إسرائيل صراحة عدم تصدير التكنولوجيا الحديثة للصين، في ظل عدم رغبة إسرائيل بخسارة الصين، لوعيها بدورها العالمي المتصاعد، والذي لا يمكن إغفاله اليوم.

في استطلاع للرأي أجراه المعهد، اعتبر ٥٢ ٪؜ من المستطلعة آراؤهم أن الصراع مع الفلسطينيين يشكل التهديد الأول لأمن إسرائيل، يليه التهديد الإيراني بنسبة ٢٤ ٪؜، بينما لم يتعد التهديد القادم من سورية ولبنان الـ ١٠ ٪؜. واعتبر المجتمعون أن في فلسطين المحتلة اليوم نضالا حقيقيا ضد الاحتلال، ووسع جيش الاحتلال من نطاق عملياته العسكرية والاستخبارية منذ عام ونصف العام، وعزز قواته أكثر من أي وقت مضى، حاشداً قوات بأعداد غير مسبوقة، كما زاد من عمليات الحراسة والدوريات في المستوطنات وما حولها. وهناك حرص إسرائيلي كما بين خبراء المؤتمر على إبقاء الانفصال بين غزة والضفة الغربية.

اعتبر غابي أشكنازي، رئيس أركان جيش الاحتلال السابق، أن الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة قابل للانفجار في أي لحظة، معتبراً أن الفرق بين فترة الانتفاضة الثانية والوضع الأمني الحالي، عدم وجود تنظيم فلسطيني محدد ذي قيادة واضحة كما الماضي.

واعتبر أشكنازي أن استكمال بناء جدار الفصل العنصري ومواصلة المراقبة الاستخبارية لمنع العمليات المسلحة، إلى جانب اتخاذ إجراءات لتسهيل عمل السلطة الفلسطينية، قد يساعد على وقف التصعيد الأمني في الأراضي الفلسطينية، معتبراً أن إجراءات التصعيد من قبل الجيش في القدس والمدن الفلسطينية الأخرى تأتي في غير صالح إسرائيل. كما اعتبر أنّ للولايات المتحدة دوراً مهماً في الوصول إلى حالة التهدئة المطلوبة.

ويبدو أن الولايات المتحدة تسعى بالفعل لتحقيق ذلك، حيث جاء على لسان السفير الأميركي في هذا المؤتمر، أن مؤتمر العقبة وشرم الشيخ قد جاءا لتجنب الأعمال المضرة بالولايات المتحدة وإسرائيل.

وسادت في السنوات الأخيرة في إسرائيل، حسب خبراء المؤتمر، عقيدة سياسية تسعى لتحقيق الهدوء في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في سبيل كسب الوقت لتحقيق الأهداف والقرارات السياسية، في ظل استراتيجية لإدارة الصراع أو حتى تقليصه، ضمن عدم السعي مطلقاً نحو التسوية. ويبدو أن ضم المنطقة ج من الأراضي المحتلة يقع على رأس تلك الأهداف، حسب ما جاء في أوراق المؤتمر، ويبقى الحديث المستقبلي قائما حول منح الفلسطينيين حكماً ذاتياً يمكن تسميته أقل من دولة وأكثر من حكم ذاتي، لأن حكم إسرائيل لأكثر من مليونين ونصف المليون فلسطيني في الضفة الغربية يعني تحمل إسرائيل لأعباء مالية واقتصادية وسياسية وأمنية إضافية، ناهيك عن الأضرار التي ستلحق بإسرائيل على مستوى سمعتها الدولية وعلاقاتها العربية، على حد تعبير يورام كوهين، قائد جهاز المخابرات الإسرائيلي السابق.

قد يكون من أهم القضايا التي أكد عليها المؤتمر أن اتساع الشرخ في المجتمع الإسرائيلي الداخلي يعد الأخطر الآن، كما أن تصاعد غليان الجبهة الفلسطينية، وإعطاء أولوية وجاهزية للتصدي لإيران، بدرجة أكبر من أي مرة سابقة، يفرض ضرورة تهدئة الساحة الفلسطينية. وتعتبر إسرائيل أن انفجار أكثر من جبهة في آن واحد يوصل إسرائيل إلى حالة من الإرباك، وهو ما يذكّر بمعركة وحدة الساحات، التي التحمت فيها الجبهات الفلسطينية في الضفة وغزة والقدس والداخل، فما بالكم لو انضمت إليها إيران، في ظل اضطراب الجبهة الداخلية الإسرائيلية.

زر الذهاب إلى الأعلى