عقدنا النفسية سجننا الأبدي
بقلم: حنان مبروك

النشرة الدولية –

“عقدك النفسية سجنك الأبدي”، كتاب قرأته مؤخرا للكاتب يوسف الحسني وهو طبيب ومفكر يعتمد على المنهج التحليلي لاستعراض مشكلات النفس البشرية من خلال ما يسميه “التحليل النفسي/الطبي الواقعي” وهو نتاج بحثه في العلاج السلوكي الإدراكي والتحليلي.

يعيدنا الحسني بكتابه هذا، ومؤلفاته الأربع كلها، نحو أعماق تكويننا النفسي ومدى تأثيره على واقعنا وشخصياتنا وأهم مميزاتنا و”عقدنا”، وهو يعلمنا كيف يتم تلقيننا الموروثات الفكرية وإلى أيّ مدى يصل تأثير الأبوين في تشكيل هويتنا وردود أفعالنا، ويطرح أمامنا أهم العقد النفسية التي توجد في جوانب علاقاتنا مع النفس والآخر، في العمل والسلطة، مع المال وحتى في العلاقات الجنسية.

إنه يدعو كل قرائه لاتباع التجربة الواقعية، لتكون معلما حقيقيا، مع دراسة وتحليل أسلوب مفكر نفسي واحد لمدة لا تقل عن أربعة أشهر والالتزام بإرشاداته ليطور الإنسان نفسه ويتصالح مع عقده النفسية ويصل إلى مرحلة النضج.

لكن الدرس الأكبر من كل ذلك، أن عقدنا النفسية هي فعلا سجننا الأبدي، ومن الصعب أن يلتزم الإنسان بسهولة ولن يستطيع مراقبة عقده وعقد الآخر رغم أن “إلّي فيه طبه ما تتخبى” (مثل تونسي: من يمتلك عيبا لا يستطيع إخفاءه عن الناس).

شخصيا، حللت كل فصول الكتاب الخمسة عشر وأسقطتها على نفسي وعلى من أعرفهم، لكنني لم أنتبه لتفاصيل كثيرة منه إلا عندما شاهدت صدفة فيلما لكريم محمود عبدالعزيز.

“اطلعولي برّه” (اخرجوا لي) هكذا جاء عنوان الفيلم، ويلعب فيه كريم محمود عبدالعزيز دور يوسف، الشاب الذي يعاني من عقد كثيرة – منها التردد والخوف وضعف الشخصية والسلبية – ولا يستطيع التحرر منها رغم خضوعه للعلاج النفسي، حتى يعثر صدفة على كتاب بعنوان “اطلعولي برّه” فيقرر لوحده أن يخرج الشخصيات المتصارعة في داخله (الخير والشر) إلى أرض الواقع ويستمع إلى توجيهاتها، فيغير حياته بحيل شريرة، حتى ينتصر الخير في الأخير، ويعرف البطل نفسه ويتحدى عقده النفسية، ويتصالح مع عيوبه.

هذا الفيلم الذي قد نعود إليه بتحليل أكبر، يبدو كأنه معالجة سينمائية لأغلب ما جاء في كتاب الحسني، من خلال قصة يوسف، لكنه لفت انتباهي أيضا إلى عقد تتكرر في سلوك بعض الممثلين، فكريم محمود عبدالعزيز رغم إبدائه لموهبة مهمة، إلا أنه لا يزال سجين عقدة الانتماء للأب، وربما انبهاره بوالده الراحل محمود عبدالعزيز يجعله يكرر في أغلب أفلامه حركات “الساحر” وتعبيراته، هكذا سيخط تجربة تمثيلية خاصة لكنه سيظل “في لاوعيه” سجين تجربة والده.

على عكس البطل، يضعنا الفيلم أمام محاولة كبيرة للتحرر من أفكار الآباء وأساليبهم ومناهجهم، فمنتج الفيلم محمد أحمد السبكي تمرد على “توليفة” السبكي المعتادة، فلم يصور لنا الصراعات ولا الأفراح الشعبية ولم يؤثث فيلمه بفنانين شعبيين ولا راقصات.

طوال ساعة ونصف من زمن الفيلم، ظللت أردد لنفسي أننا فعلا “عقد نفسية” تمشي على قدمين، قد نرى بعضها وقد لا ننتبه للأخرى إن لم نشاهد أنفسنا عن بعد، وقد يعيش المرء ويموت وهو ضائع لا يعلم ما به، حتى يضع نفسه على طاولة افتراضية أمامه ويحللها منذ الطفولة حتى الزمن الراهن.

كما أن انشغال الإنسان بالآخر كثيرا يفقده نفسه، وكما جاء على لسان أبوالخير في الفيلم “مشكلتك يا يوسف إنك مركز مع الآخر، الأفضل أن تركز مع نفسك وتعرف إزاي تطورها”، وكلنا في الحياة “يوسف”.

خلاصة القول، “عقدك النفسية سجنك الأبدي”، “طلعها برّه” ولا تيأس حتى تتحرر منها وتتعلم التحكم فيها.

 

زر الذهاب إلى الأعلى