خلل وظيفي لم يتصحّح
بقلم: مصطفى أبو لبدة
إرم نيوز –
أتخيّل بلينكن عندما يلتقي رئيسه بايدن ليختصر له نتائج مفاوضاته مع نتنياهو بالفشل، ستكون فرصة للرجلين بأن يستذكرا ما كانا سمعاه وعايشاه في البيت الأبيض عن لقاءات أوباما ونتنياهو، وانطباعات الأول عن الثاني.
خلال الأسبوعين الماضيين، أخضعت واشنطن حكومة الائتلاف الإسرائيلية الجديدة لغزوة سياسية نادرة في نوعها، تَعاقَبَ فيها ثلاثة موفدين من الدرجة الأولى على زيارة القدس، هم مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ومدير المخابرات المركزية وليام بيرنز، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، بهدف معلن هو تصحيح اختلال وظيفي نشأ بين البلدين نتيجة انتخابات غيّرت صورة إسرائيل في العالم وأظهرت أن لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أجندة مُتفلّتة يمكن أن تربك إدارة الرئيس جو بايدن.
هو تقريبا من نوع الاختلال الوظيفي الطارئ في علاقات البلدين، الذي كان قد حصل بين إدارتي نتنياهو وباراك أوباما قبل 12 سنة.. أيامها كان ثلاثتهم، بايدن ونتنياهو وبلينكن، شهوداً وأطرافاً في تلك الأزمة، كما هم الآن في الأزمة الحالية؛ بايدن كان نائبا للرئيس أوباما، وأنتوني بلينكن نائب مساعد الرئيس ومستشار الأمن القومي لنائب الرئيس.
في المرة الماضية، أيام أوباما ونائبه بايدن، حصل الاختلال الوظيفي بين واشنطن وتل أبيب بسبب ملفّي النووي الإيراني وموضوع الدولة الفلسطينية، ووصلت العلاقات بين الرجلين إلى الذي وُصف بأنه أسوأ نسخة لها في التاريخ المدوّن.
حكومة نتنياهو لجأت لفَرْط العنف في العلاقة مع الفلسطينيين، واستهداف إيران بعمليتين متتابعتين بالمُسيّرات، واحدة في أصفهان، والثانية على الحدود العراقية السورية.
لم يكن سرّاً في حينه أن الرجلين، نتنياهو وأوباما، كانا يكرهان بعضهما عمىً.، لكن كبير محرري صحيفة “ذي أتلانتيك” الأمريكية، جيفري غولدبيرغ، تطوّع ليمنح تلك العلاقة المتورمة، ألوانَها وروائحها الفجّة التي يبدو أن الزمن لم يجفُفها كفاية، فعادت تتكرر هذا الأسبوع.
في تقرير نشره في أكتوبر 2014، يقول غولدبيرغ: ذات يوم كنت أتحدث إلى مسؤول رفيع قي إدارة أوباما عن الزعيم الأجنبي الذي يُنكّد على البيت الأبيض ووزارة الخارجية أكثر من غيره، فقال لي المسؤول، مشيرا إلى رئيس وزراء إسرائيل: “إنه بيبي، روث الدجاج Chicken Shit”. وأورد غولدبيرغ قائمة من المسبّات التي يستخدمها المسؤولون الأمريكيون في وصف نتنياهو ، وألطفها صفة المرتشي..
الطريف أن قاموساً مماثلا من التجريحات المُخَفّفة بداعي العلنية، أطلقه يوم الاثنين الماضي حلفاء نتنياهو في الائتلاف الحكومي، على وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عندما كرر بعد لقائه نتنياهو تمجيد التظاهرات الشعبية المطالبة بإسقاط الحكومة، وانتقاد برنامج تغيير النظام القضائي، وموضوع الاستيطان.. شارك في التصويب على بلينكن وزيرة البعثات الوطنية وعضو في الكنيست.
في البرنامج المُعلن لزيارات المسؤولين الأمريكيين الثلاثة لإسرائيل، سوليفان وبيرنز وبلينكن، كانت ثلاث قضايا سياسية متفق اعليها، وهي احتواء العنف في العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية، والانتقال في الخريطة الإقليمية إلى مرحلة التكامل كصيغة مقلوبة لما كان يسمى صفقة القرن، ثم موضوع النووي الإيراني وكيفية التعامل معه بعد أن دخلت المفاوضات الثلاجة.
وفي البرنامج كان يقوم موضوع قلق إدارة بايدن على إسرائيل كحليف، وعلى صورتها كدولة، مع محاولة التحقق مما إذا كان البرنامج المتطرف للحكومة الائتلافية برنامجا يستطيع نتنياهو لجمه، أو أنه في حقيقته برنامج لنتنياهو شخصيا يريد أن يتوّج به حياته السياسية خارج الوظيفة التي تفهمها واشنطن وتريدها له ولإسرائيل.
ما حصل على الأرض صدم مبعوثي واشنطن، لكنها الصدمة التي لا تحتمل الحكي العلني عنها.
ما فعله نتنياهو في توقيت عمليتي جنين وأصفهان، هو في مضمونه برنامج عمل بديل للبرنامج الأمريكي، وفيه من التحدي ما هو مكتوب على الحيطان بالرصاص.
فقبل يوم من وصول مدير المخابرات المركزية للقدس، قامت قوات الأمن الإسرائيلية باجتياح مخيم جنين في عملية دامية من النوع الذي يستجرّ ردودا من ذات اللغة، وهو ما حصل يوم وصول بيرنز، متمثلا بعملية جوار الكنيس اليهودي في القدس.ٍ
وقْعُ العمليتين وتتابُعهما كان صاخبا غطى على كل شيء، وأعاد برمجة الجدول الرسمي للمفاوضات الأمريكية الإسرائيلية.
موعد وصول بلينكن إلى القدس قادما من القاهرة، كان يوم الاثنين الماضي. قبله بساعات كانت إسرائيل تنفّذ أول عملية عسكرية ضد إيران في عهد حكومة نتنياهو الجديدة، وهي عملية الطائرات المسيّرة في نواحي أصفهان.
واشنطن أعلنت أنها لم تشارك بقصف إيران ، وظلّ قائما احتمال أن تكون الحكومة الأوكرانية شاركت فيها، وهو ما ضاعف من التعقيدات والارتدادات المحتملة.
ما فعلته حكومة نتنياهو في الموضوعين: فَرْط العنف في العلاقة مع الفلسطينيين، واستهداف إيران بعمليتين متتابعتين بالمُسيّرات، واحدة في أصفهان، والثانية على الحدود العراقية السورية، طالت أسلحة متجهة لحزب الله، صنع توقيتا لا يحتمل المصادفة.
كانت زيارة وزير الخارجية الأمريكي للقدس واضحة كفاية في أهدافها المعلنة التي تريد تصحيح الاختلال الوظيفي في علاقة البلدين. لكن ما فعله نتنياهو في توقيت عمليتي جنين وأصفهان، هو في مضمونه برنامج عمل بديل للبرنامج الأمريكي، وفيه من التحدي ما هو مكتوب على الحيطان بالرصاص.
يوم الثلاثاء الماضي وهو يغادر عائدا إلى واشنطن، لم يجد وزير الخارجية الأمريكي ما يقوله أكثر مما قاله يوم وصوله، وهو أن التحدي الأكثر إلحاحا في الشرق الأوسط هو نزع فتيل دائرة العنف التي يشعر بها الناس هنا ويقلقون بشأنها للغاية في جميغ أنحاء المنطقة. وزاد على ذلك بأن استئناف المفاوضات من أجل إقامة دولة فلسطينية يجب أن يأتي فقط بعد استعادة الهدوء.. خطوة واحدة في كل مرة. وهي صياغة مهذبة للقول إن المفاوضات والدولة في المشمش.
لم يأت بلينكن على سيرة النووي الإيراني، وهو الملف الذي أراد نتنياهو أن يعطيه الأولوية بتوقيت عملية أصفهان.
كما لم يتحدث عن النظام الإقليمي الجديد الذي يقوم على التكامل الوظيفي التنموي، وهو الذي جرى الشغل عليه بكثافة خلال الأشهر القليلة الماضية.
أتخيّل بلينكن عندما يلتقي رئيسه بايدن، اليوم أو غدا، ليختصر له نتائج مفاوضاته مع نتنياهو بالفشل، ستكون فرصة للرجلين بأن يستذكرا ما كانا سمعاه وعايشاه في البيت الأبيض عن لقاءات أوباما ونتنياهو، وانطباعات الأول عن الثاني.
ففي تقريره الموسع الذي كان نشره تحت عنوان “عقيدة أوباما”، يروي غولدبيرغ أن أوباما أُصيب بخيبة أمل من بعض قادة الشرق الأوسط، وأولهم نتنياهو، باعتباره صنفا خاصا في سلبياته. ويضيف أن أوباما طالما آمن أن بإمكان نتنياهو تحقيق حل الدولتين لكي يحمي إسرائيل.. لكنه جبان ومشلول سياسيا أكثر مما يجب.