قراءتي في رواية (أولاد حارتنا) للكاتب ( نجيب محفوظ)

نسرين كريم عبد الله

النشرة الدولية –

نجيب محفوظ هو الاسم الأدبي لنجيب محفوظ عبد العزيز ابراهيم أحمد باشا،(١٩١١/٢٠٠٦)، روائي وكاتب مصري وهو أول أديب حائز على جائزة نوبل في الآداب عام  ١٩٨٨ وقد اعتذر عن حضوره لاستلامها لتأتي العالمية له دون ان يسعى لها.

امتدت رحلته مع الكتابة لأكثر من سبعين عام، كتب خلالها أكثر من خمسين رواية ومجموعة قصصية ترجمت الى اكثر من ٢٥ لغة عالمية، وسيناريوهات تحولت لاعمال سينمائية، في مسيرة تلخص تطور فن الرواية العربية في مراحلها التاريخية والواقعية والرمزية والملحمية.

من أهم رواياته ثلاثية القاهرة، القاهرة الجديدة، اللص والكلاب، الطريق، الحب تحت المطر وأولاد حارتنا…

تعيد قصة رواية أولاد حارتنا إنشاء التاريخ المترابط للديانات التوحيدية الثلاث اليهودية المسيحية الاسلام، حيث رحل الكاتب سؤاله الى زمن البدء التماسا واستنكارا للحاضر في آن.

فالرواية تركيب أدبي فيه الحقيقة وفيه الواقع وفيه الخيال، حول حارة صغيرة من حارات القاهرة في صحراء المقطم يمتلكها شخص ذو هيبة وعظمة ويتصِّف بصفات القداسة والأزلية يدعى الجبلاوي، يمتلك الجبلاوي بيتًا كبيرًا ومنه ينطلق أبناؤه إلى تلك الحارة حتى يحكموها وينظموها.

وعندما شعر الجبلاوي أنَّه يجب عليه الخلود إلى الراحة،

يسرد الكاتب قصة ولده أدهم ابن امرأة سمراء وكيف فضله الجبلاوي على أبنائه الآخرين بتولِّي أمور الوقف في الحارة، ما تسبَّب في تمرُّد إبنه إدريس  عليه فطَرده من البيت الكبير، بقيَ يحاول الإيقاع بأدهم حتى تسبب بطرده من البيت بعد أن يخالف أوامر الجبلاوي

لتبدأ عند ذلك رحلة الخروج من البيت الكبير إلى الحارة، وفقدان النعيم الذي كان أدهم يعيش فيه في بيت والده، ويبدأ الصراع بين الخير والشر أو بين الإنسان والشيطان، فيقتل أحد أبناء أدهم أخاه، ومع مرور الأيام وبعد أن يموت أدهم يخالف أبناؤه الوصايا التي كتبها لهم الجبلاوي على اعتباره مالك الحارة والجد الأكبر لهم، ويتيه أبناؤهم في الحارة ويشكلون ثلاثة أحياء كبيرة ويخرج من كل حيِّ وعلى سنوات متباعدة بطل بأمر من الجبلاوي نفسه رغبةً منه في إعادة الأمور إلى نصابها وحتى يحارب الفتوات أو العصابات التي تعيث فسادًا وظلمًا في الحارة. فيسترجع الأبطال حياة جبل/ موسى ورفاعة/عيسى وقاسم/محمد فاستلهم محفوظ الدين والتاريخ والأسطورة معتمدا على فضاء روائي خصب   للربط بين التاريخ والحاضر وكانها تكتب الحاضر بلغة تاريخية يحاول كل ابن نشر الحق والعدل والاصلاح ليعود بعد كل جيل وابن/نبي  تجدد الصراع  والفساد والظلم والتخبُّط،  الحارة وتولي أمورها، بعد ان يعيث المفسدون والفتوات فسادا وقتلا.

وأخيرًا يظهر عرفة غريبًا عن الحارة وهو عالم يجري التجارب والاختبارات العجيبة، تمثِّل العلم في العصر الحديث، ولكنَّه كان يحنق على الجبلاوي فتسلل إليه وقتله في بيته، وتنتهي الرواية بموت الجبلاوي وسيادة عرفة على الحارة من بعده، وانتهاء أسطورة الجبلاوي في نفوس أهل الحارة وتعظيمهم لعرفة رغم معرفتهم أنَّه قتل الجبلاوي.

ويبقى زمن الرواية مفتوحا والتأويلات حول كل شخصية ودورها على مدى التاريخ الانساني والصراع الدائم بين الخير والشر وبين العلم والدين والعلم والخرافة.

لم تنشر هذه الرواية لأول مرة بين دفتي كتاب بل واضب صاحبها على نشر فصولها بشكل متسارع في اعداد صحيفة الأهرام ثم توقف نشرها بعد الضجيج الذي تبعها لينشرها عام ١٩٦٢ في دار الآداب لبنان. واضعا من خلالها مكانة راسخة للأدب العربي في الأدب العالمي كرائد للواقعية

الرواية جنس تخيلي بامتياز حاول من خلالها نجيب محفوظ، رصد قضايا محيطه ومعالجتها في بنية سردية ووصفية مسترسلة، تناقش قضية العدل المغيبة والتي لم تستطع ان تسود على امتداد التاريخ الانساني الا في فترات البعث. إنها تركيب أدبي أتقن فيها الكاتب حرفة السرد الروائي، ليعالج جدلية (الدين/ السلطة) واشكالية ( الأسطورة/ العلم)، شكل فيها الرمز أفقا رحبا لمعالجة هذه الجدليات بين ماض شرير وحاضر أشد شرا، لرسم ملامح بشرية غائمة تشهد على فساد الزمن الإنساني.

بنيت الحجة على النقد في التقارب الصوتي بين اسمي

آدم/ أدهم، إدريس/ ابليس، قدري/ قابيل، همام/ هابيل..

وتطابق الأحداث معما جاء في نصوص الوحي

شخصيات رسم خطوطها ومساراتها، هي محور البحث والعمل الأدبي، غرس فيها قيمه وحملها أفكاره وقضايا مجتمعه ليرفع الغطاء عن شريحة من البرجاوزية وفسادهم، ليقول ان لكل جيل أقوياءه وفتواته وليس علينا ان ننتظر ما يرسله الله، بل أصبح لزاما علينا أن نصنع العدالة بأنفسنا، في دعوة الى الارتماء في حضن العلم، وضمان العدل والمساواة.

زمن كتابة الرواية بعد ثورة يوليو ١٩٥٢ اما زمن الرواية فمفتوح على معضلة الصراع الأزلي بين الخير والشر وبين الحق والباطل.

تقدم هذه الرواية اول جريمة اقترفت في الأرض وهو قتل قابيل لأخيه هابيل، قتل قدري لأخيه همام، مسبوقة بمعارضة إدريس لأمر الجبلاوي وهو عصيان ابليس لربه وطرده من البيت الجنة.

اتقن الكاتب استخدام الرمز رغم ما استدعت الرواية من ردود سياسية ودينية، وتعرضه للاغتيال على إثرها، فالرمز في الأدب لا يمكن أن يطابق الأصل بكل حذافيره، رمز الشخصية هو الموقف والحدث وهو سلاح الفنان ورداؤه في أرض الكلمة، من هنا فان قراءة واعية للفكر الفلسفي والرؤيوي للشخصيات تقرأ وفق سياقها التاريخي تبرئ ما نسب اليه من غمز الى الكفر والتعدي على الذات الالهية.

ننطلق من قول محفوظ أن الدين موضوع والله موضوع آخر، ليمثل جبلاوي نظرتنا الى الذات الالهية وليس الله، اضافة الى صفات الانجاب والاكل والنوم التي تبعد هذا الحكم عن الجبلاوي، أما الشخوص التي تمثل مسيرة الانبياء فقد ضحوا بالنفس والنفيس من أجل اقرار العدل والانتصار للحق والخير، وعندما طرح رؤيته عبر شخصية عرفة، إنما كانت دعوة للانفلات من الأسطورة والخرافات التي خلقت لتهيمن على عقل الانسان وليس الابتعاد عن الدين ليضعنا امام جدلية (الأسطورة/ العلم) وليس ( الدين/ العلم).

وقد ترجمت الى اليونانية بقلم الصديقة العزيزة الأديبة المترجمة الدكتورة Persa Koumoutsi

Back to top button