موروثات العودة ،الرجوع ، الظهور و المنقذ
بقلم: د. فلك مصطفى الرافعي

النشرة الدولية –

كثيرة و ملتبسة تلك الامنيات بعيدا عن احتمالات حدوثها أو نفيها، لأنها ضرب من تراكم الحاجة و الغاية ..

و مع شيخوخة الزمن الافتراضي فاضت “حصّالات” متخمة بالمتون واضدادها و بالأسانيد و نقضها ،على الرغم من عدم احاديتها فتنجو من الإنكار، و سيف الانتظار الطويل  يعمل بها الذبح و النحر كصنوف الانعام و انواع الإبل، و هي بالتوكيد رغبة و نزعة شعبية من تلقين قوىَ حاكمة وهادفة لربط ناسها بعودة نبي و انتظار رسول، ربما لإنهاء مهمات لم يستطع القيام بها بولايته الاولى، فجرى التمديد له لإنجاز لم يتحقق سابقا

و تمحورت كل الموروثات، إلى خلق هالات و مفعول رجعي من قائمة تخويفية و مرعبة لمن ينكر على حامل أختام الملك الذي يحمل مفاتيح الجنة، و يملك مقادير جهنم ..

و هنا اود التعريف، أنني أصف حالات مع حيادي المطلق دون الهتاف لمن يعتقد بها يقينا أو تنكير و تكفير لرافضها، وإنما الإضاءة عليها و إعمال العقل مما يقع تحت مسمى واحد “إنما وجدنا آباءنا على أمة و إنا على آثارهم مهتدون “..

فكل الشعوب كانت لها اساطير، فمهنم من نصّب للخصب آلهة، و مثلها للحرب و الريح و الحب …و كان للفراعنة آمون و مسميات يضيق ذكرها …

و كذلك اتباع بوذا و ينتظرون شعاع مثوله في معابدهم، و أيضا أنصار ذراداشت و كونفوشيوس وحمورابي واخناتون وعبدة النار في بلاد فارس القديمة، و تعاليم الديانة المزدكية في ولاية الامبراطور قباذ والد الامبراطور كسرى انوشروان الذي قتل مدعي الربوبية مزدك وأنهى اسطورته. .

و لم يسلم أتباع الديانات السماوية من اعتماد الانتظار الموعود على الرغم من الانبياء الذين أرسلوا لهم ..

فاليهود يؤمنون بظهور من يسمى ميسا، و أيضا بعودة العزير رغم نبوة أحد رسل أولي  العزم سيدنا موسى عليه السلام، و فرق من طوائف مسيحية تؤمن بنزول سيدنا عيسى المسيح عليه السلام، ليقتل الأعور الدجال و يحكم بالعدل بعد استشراء الباطل ..

و كذا معظم الطوائف الإسلامية تؤمن بالمسيح الدجال و نزول السيد المسيح، و أيضا معظم المذاهب الإسلامية يؤمنون بظهور الامام الثاني عشر المهدي عليه السلام، بعد غيبة طالت و يدعون له بالفرج، و الآية الكريمة تُتلى آناء الليل و أطراف النهار “اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا”….  فتم وضع الكمال و التمام و الرضوان على رف الموروثات، مع ملاحظة دقيقة و متأنية :أن القرآن الكريم الذي افرد آية لكيفية الوضوء لم  تلحظ أية إشارة قرآنية لأية عودة أو نزول او ظهور .

و هناك في كتبنا و منها بعض الصِحاح أن الاعور الدجال له إمكانيات مرعبة ، فهو يحي و يميت و يعيد للحياة من ماتوا سابقا …

و ان ما بين اذني دابته ثلاثون فرسخا، فكيف بحجم الدابة و صاحبها؟ و هل يعقل أن الرحمان الرحيم لم ينبهها على تلك الفتنة الطاغية؟؟  و حاشا *لله* أن يوصم بهذا الظلم …

و من الامل من ينتظر غودو المنقذ، إن كان آتيا من خاصرة الصحراء بسيفه و ترسه، أو قادما عبر مقصورة قطار ، فالكثير من ينتظره في محطات القطار أو هابطا على ظهر نيزك ..

و من المنتظرين من يؤمن بعودة أحد خلفاء القرون الماضية الذي تجسد فيه حلولا الربّ العلي الكريم، و نحتْ في ذلك أيضا بالغلو بعض الفرق الصوفية التي غالت بتعظيم شيوخها ..

و ما قصة الحلاّج عنّا بغائبة و مدارس البهائية و البابية و القاديانية لها تطلعات لتأليه بابها الاعظم و انتظار عودته ..

و الهنود ينتظرون كريشنا بعد سباحة مضنية في نهر الغانج  لتطهير أمته مما طرأ عليها من ادران ..

و من جميل ما قرأت أن أحدهم كان ينكر ظهور ما فقال لشيخه الشافعي: أنه لا يؤمن بذلك. ثم اردف و أن ظهر ماذا أفعل ؟؟ قال الامام الشافعي “إتبعه و لا تستغفر” لأن كل عودة و نزول و ظهور ليست من الأركان الإيمانية ..

و لم نزل منذ قرون تجمدت في عروق الزمن  اتباع كل فئة يؤكدون و أمامهم فئات تدحض ذلك، و كم سالت حروب و دماء بين مؤمن و منكر!!

…  ملهاة و خصومة تتحكم بالمريدين واضدادهم …

و معظمنا على انتظار، و قطار الزمن يسابق علامات الساعة صغيرها و كبيرها ..

غير أن عودة أكيدة باتت قريبة لأنها تحمل كل البشائر فعلا و قولا .

عودة ربما تأتينا من بشارة غمامة مثقلة بماء الجهاد، و لعلها تأتينا و نشهدها و نشهد لها و عليها مع بواكير ازهار الربيع القادم، و ربما في رياح تحمل البشائر تنزع من طريقها طواغيت و قتلة و تستقر في جنبات المسجد الأقصى و محرابه في سجدة شكر ..

عودة ارتوت كما التراب من دماء طهورة  و ألوف سكنوا جنة المقابر بانتظار صافرة الفرح بتحرير المسجد الأقصى…

إنها المعشّقة  بالدمع و القهر و الصبر لشعب الجبارين ،الذين أظهروا القضية أولوية مطلقة على  الرغم من مرور عشرات السنين العجاف..

و لعلها في مشهد تلفزيوني في الهدنة اليتيمة عندما اصطادت عدسة مصور عجوز يبكي على اطلال منزله، و بعد سؤال من المذيع أنه لا يبكي لفقده عائلته و لا منزله  ولا جيرانه، و لكنه يفعل ذلك خوفا أن يموت ميتة طبيعية و لم يحظ بوثيقة شهادة…

أنها العودة المنتظرة بها نؤمن وكل ينتظر عودة من يشاء …

و لو شاء *ربّك* لجعل الناس أمة واحدة …..

الشراع

 

 

كلمة من الشراع

نعترف اننا لا نستطيع اللحاق بنسر يحلق، واكثر ما نقدر عليه  هو ان ننظر اليه في عليائه فارداً جناحيه كمظلة، نحتمي بها من شمس السماء الحارقة، وهو يرانا من تحته طيوراً تحاول مجاراته  تحليقاً عبثاً عبثاً يا فلك، يا نسر الكتابة يا يمامة التعبير يا عصفورة اللطافة

حسن صبرا

زر الذهاب إلى الأعلى