هل بدأت عوارض “الشّيخوخة المبكرة” تنخر قوّة “حزب الله”؟
بقلم: فارس خشان
النشرة الدولية –
لم تكشف الحلقة الأولى من الوثائقي الذي بدأت القناة الخامسة في التلفزيون الفرنسي عرضه، مساء الأحد الأخير، تحت عنوان “حزب الله، التحقيق الممنوع”، جديداً عن “الحزب المهيمن على لبنان”، فهذه الحلقة، في جولتها على تورط الحزب في عمليات الإتجار بالمخدرات وتبييض الأموال، سلّطت الضوء على معلومات طالما نشرتها وسائل الإعلام وتضمنتها تقارير مراكز الدراسات.
ولكن، على الرغم من “الإحباط” الذي لحق بجميع من صدّقوا الشائعات التي حاولت أن توهم الرأي العام بأنّ الوثائقي سوف يكشف أسراراً خطرة عن دور “حزب الله” في انفجار مرفأ بيروت، إلا أنّ ما جرى بثّه، أظهر أنّ هذا الحزب، بعد أكثر من أربعة عقود على تأسيسه، وعلى الرغم من مراكمة ما يصفه بالانتصارات، يعاني أخطر عوارض “الشيخوخة المبكرة”.
ومنذ نشوئه، لم يعرف “حزب الله” وضعية شبيهة بتلك التي يمر بها حالياً، فهو على المستوى اللبناني أصبح سبباً تقسيمياً، إذ إنّ شرائح كبيرة من اللبنانيين ترغب بالانفصال عنه وعن تأثيراته السلبية على حاضرها ومستقبلها. وهو على المستوى الإقليمي، أصبح عنواناً سلبياً، في أكثر من عاصمة، بعدما كان سابقاً عنواناً إيجابياً. وهو على المستوى العالمي انتقل من كونه حركة تحرريّة طالما دافع عنها اليسار العالمي إلى تنظيم إجرامي يكشف اليسار نفسه أسراره بالتعاون مع “شياطين اليمين”.
صحيح أنّ هذا التقييم السلبي لوضعية “حزب الله” لا يفيد بأنّه أصبح ضعيفاً أو عاجزاً، ولكنّ الصحيح أكثر أنّه يؤشّر إلى خسارته المشروعيّة التي كانت تسهّل نموه وتمدده وتأثيراته.
وهذا يعني أنّ “حزب الله” انتقل من مرحلة النمو إلى مرحلة الضمور، وسقط عنه “المقدّس” وحلّ عليه “المدنّس”.
وتبيّن دروس التاريخ الحديث أنّ كلّ التنظيمات التي مرّت بالعوارض التي يمر “حزب الله” بها حالياً، سَهُل اقتناصها والانقضاض عليها وتقويضها، إذ ليس سهلاً أن تتكوّن قناعة كبيرة بأنّ تنظيماً يحمل شعارات التحرّر والمقاومة ليس في حقيقته أكثر من “كارتيل” ضخم.
أمام هذه الصورة، لن يكون التعاطي المستقبلي مع “حزب الله” مثل التعاطي السابق، فعلى المستوى اللبناني، مثلاً، سوف يرتفع منسوب التصدّي لـ”حزب الله”، من خلال الوقوف، بعناد غير مسبوق، ضد مخططاته التي طالما توسّلها للقبض على القرار الوطني، وما يساعد على تزخيم هذا التصدّي أنّ المولجين به، في ضوء تآكل “المقدَّس”، لن يخشوا على أنفسهم من عمليات “الشيطنة”، بل العكس هو الصحيح، إذ إنّ ما يمكن أن يخسره “حزب الله” على هذا المستوى، سوف يكسبه هؤلاء المتصدّون الذين سيظهرون، في وضعية من هو مستعد للتضحية بالذات من أجل خير الجماعة.
وعلى المستوى الخارجي، فإنّ “وحدة الهدف” سوف تجمع خصوم “حزب الله” وأعداءه، من أجل محاصرته، في مرحلة أولى، حيث يقضمون مستفيدين من قدراته، ما تحتاج إليه مصالحهم، على أن يسمحوا، في مرحلة لاحقة، بالانقضاض عليه، إذا دعت الضرورة.
وعلى الرغم من كل ما يحكى عن تنسيق فرنسي أمني ودبلوماسي وسياسي مع “حزب الله”، إلّا أنّ ذلك لم يمنع قناة من قنوات التلفزيون الرسمي الفرنسي من أن تكون رأس حربة في هجوم جديد على صورة الحزب وسمعته وأدواره.
ووفق دبلوماسي فرنسي مخضرم، فإنّ ما يلتبس على الشرقيّين في تقييمهم لسلوك الغربيين نابع من حكمهم الأخلاقي على الأمور، وعليه – يضيف – “إذا رأيتَ واحدة من دول الغرب تنام مع الشيطان، فإيّاك أن تحسب أنّ هذا الشيطان أصبح، بالنسبة لها، ملاكاً”.