الإغواء والإندماج يهددان الأمة والعشق العربي الغربي من طرف واحد
صالح الراشد

 

وجد الكيان الصهيوني الطريقة السحرية لإبعاد العديد من العرب والمسلمين عن قضيتهم المركزية، والتي راهن المثقفون وعقلاء العرب على أن تكون بوصلة التوجهات للقيادات والشعوب، فأشغل الصهاينة ما أطلقوا عليه الحكمة المجتمعية الحديثة التي صاغها مجموعة من المستعمرين الجدد، الراغبين في حكم الأمة العربية بطريقة سهلة تجنبهم دفع الثمن من دماء مواطنيهم كما يجري في غزة حالياً، فركزوا في حكمتهم الحديثة على تضخيم الأنا المرضية للاشخاص والدول وربطها بمصالحها الخاصة، وتقيدها بالمنطق الذاتي المنبثق عن علم قاصر وحدس غائب وغيبيات بلا قيمة، ليغادر الكثيرون ساحة الحرية التي بقي فيها الباحثون عن مصلحة فلسطين من مفكرين وأحرار، رافضين ترسيخ الحكمة المصاغة في أقباء بني صهيون ومن يدعمهم بالفكر والسلاح والمال والمواقف.

لتدفع الشعوب العربية ثمناً باهظاً لسنوات الثقافة القائمة على السخافة والسطحية في معالجة القضايا، ونجح الصهاينة والغرب ومن معهم في إشغال الشعوب بالمطالب الشعبوية من طعام وشراب وثقافات بالية وكرة القدم، في ظل غياب الفكر العربي المُنتج والقادر على إشغال الشعوب بالفكر السياسي النهضوي الحصيف والقضايا الرئيسية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي تراجعت في الأجندة العربية، ليتراجع العرب بقيمتهم الفكرية وقوتهم الإقتصادية وموقعهم الجغرافي المؤثر، لمرحلة لم نشهدها حتى في عصور التتار والمغول والحملات الصليبية، ونجح الصهاينة بتفوقهم الإعلامي بجعل العقول العربية تفكر بسفاسف الأمور بإشغالهم بالتفاصيل التافهة بعد إظهارها بثوب القداسة والأهمية، لتصبح الشعوب تعتبرها قضايا رئيسية ذات أولوية، فيما نجح الصهاينة وأذرعهم العالمية والإعلامية بتطبيق توصيات تاليران وزير خارجية نابليون حين قال: “كل ما يبالغ فيه هو أمر غير ذي أهمية”، لذا فقد ركزوا على القضايا الهامشية ليجعلوا من أشخاص هامشيين أبطال، لكنهم ابطال من ورق.

لقد صنع الصهاينة والغرب علاقة غير سوية مع العرب، تعتمد على عمليتي الإغواء والإندماج القائمتين على علاقة الإذلال العميق والإبتزاز المرتبط بشتى أمور الحياة، فأشغلوا الفكر المجتمعي بقضايا ليست ذات أهمية ومنتهية كون القرار فيها حاسم بحكم التاريخ والثقافة والدين، ليتحول التركيز عن القضية الفلسطينية في الحوار العربي الغربي إلى قضايا المثلية والحرية المفتوحة دون ضوابط، لتختفي الجرائم الصهيونية من أجندات الدول ومنظماتها العالمية وآخرها الجرائم في غزة، بعد أن نجح الغرب في تحويل العلاقة مع العرب والتي يجب أن تقوم على اساس الندية إلى تبعية مُطلقة قائمة على التنفيذ لا التفكير، ليصمت بعض العرب عن إجرام تل الربيع المحتلة معتقدين أنهم بصمتهم يسبرون على طريق الرفعة لزيادة العشق مع واشنطن وبناء علاقة أبدية راسخة.

الصورة الحقيقية الكُبرى بدأت تتكشف وأن علاقة العشق العربي الغربي من طرف واحد، كون الصهاينة والأمريكيين لا يبادلون العشق مع من يستغلونهم ويستعبدونهم، وأن المُسيطرين على القرار العالمي ينظرون إليهم كعملاء عليهم الإنتظار لفترات طويلة لتلبية طلباتهم، بشرط التأكد من عدم قدرة العرب على الإستفادة مما حصلوا عليه من أسلحة وتكنولوجيا إلأ عبر بوابة الشيطان، وعندها يبدأ الإنسان العربي بفقدان إحترام الذات في ظل التضحيات التي قدمها على أمل الإرتقاء بعلاقة غير سوية .

ويُبدع الغرب بممارسة لعبة عملية إغواء العرب على أمل إبقائهم متعلقين بقشة الحُلم، معتمدين في عمليتهم السياسية على زيادة ثقافة الجهل والتجهيل مستغلين قدراتهم الإحترافية في اللياقة واللباقة السياسية، والتركيز على أهمية ودور الأخلاق المُصنعة لحث العرب على رفض الأخلاق التاريخية التي نمت وترعرت عليها الشعوب العربية عبر تاريخها الطويل، لتنمو الأنا المرضية عند البعض وتحجب عنهم الصورة الحقيقية ليظل الإغواء الغربي والإندماج العربي يهددان القضية التاريخية والأزلية بعودة فلسطين حرة ومستقلة.

آخر الكلام:

لذا نجد أن غزة تأتي في نهاية أولويات بعض الدول رغم نهر الدماء وبشاعة القتل والتقتيل، ليتحرك البعض بعد أن تحركت جنوب أفريقيا للدفاع عن الشعب الفلسطيني أما البعض الآخر فلا زال بانتظار الاندماج العكسي

زر الذهاب إلى الأعلى