هل من علاقة بين اغتيال لقمان سليم وانفجار مرفأ بيروت؟

تتبنى قضيته مجموعة من أربعة مقررين في الأمم المتحدة

النشرة الدولية

اندبندنت عربية –

قبل عامين، اغتيل الباحث والناشر اللبناني المعارض لـ”#حزب_ الله” #لقمان_سليم، بمسدس مكتوم الصوت، وعثر عليه في سيارته مصاباً بست رصاصات، ثلاث منها في الرأس، بعد وقت قصير من مغادرته منزل أحد أصدقائه في جنوب #لبنان.

“العدالة ولو سقطت السماوات”

في الذكرى السنوية الثانية احتفلت عائلته بفعاليات استمرت على مدى ثلاثة أيام مصحوبة بنشاطات وطنية وثقافية، تحت شعار “العدالة ولو سقطت السماوات”. توالى على الكلام الكاتبة والناشرة أخته رشا الأمير، ووالدته الكاتبة سلمى مرشاق سليم، وزوجته المخرجة مونيكا بورغمان، شريكته في تأسيس “أمم للتوثيق والأبحاث”، وكثير من الشخصيات الرسمية ودبلوماسيون وأصدقاء.

سوسن مهنا

في اليوم الأول للاحتفال وزعت جوائز “غار لقمان” المخصصة لعدد من الصحافيين والفنانين الذين وضعوا استقصاء الحقيقة والذاكرة في صلب عملهم. وكانت زيارات لمؤسسات لقمان الفكرية والبحثية “دار الجديد” و”أمم للتوثيق والأبحاث” و”الهنغار” و”هيا بنا” و”مؤسسة لقمان سليم”، حيث يتسنى للزائر أن يتعرف إلى الأرشيف الذي عمل لقمان على جمعه وتوثيقه والتبحر فيه على مدى عقود من الزمن. ويضم فصولاً من تاريخ لبنان وثقافته وذاكرته المجتمعية ووثائق يعود بعضها إلى عهد المتصرفية في القرن التاسع عشر.

استضافت “خيمة لقمان” أيضاً قرب مرفأ بيروت، لقاءات فكرية وسياسية، وأعلنت عائلته أنه “ليس تقاطع هذه الذكرى مع تطور الحدث اللبناني سوى تأكيد لمؤكد لطالما أشار إليه لقمان قبيل اغتياله، ألا وهو سيادة الباطل والترهيب الذي بلغ في هذا البلد حد اتهام الضحية وإفلات سراح القتلة، في قلب غير مسبوق لموازين القضاء”. وأضافت “سنوية نحييها هذه المرة على مدى ثلاثة أيام، نتحلق في نهارها الأول حول لقمان في حديقته، حيث يستحضر إرثه المؤسساتي وتوزع الجائزة التي تحمل اسمه. ونستكمل حوارات ونقاشات راهنة وملحة لم يتسن للقمان أن يستفيض فيها، وذلك تحت سقف خيمة تحمل اسمه، نصبناها على مقربة من المرفأ”.

لقمان تنبأ بمصيره

أواخر عام 2019 عقب تعرض خيمة “الملتقى” في ساحة الشهداء لاعتداء بسبب ندوة سياسية قيل إنها “تروج للتطبيع”، أصدر لقمان بياناً تنبأ فيه بمصيره، إذ قال “للمرة الثانية خلال 48 ساعة يسعى الخفافيش بين الظلمة والظلمة لتهديدي وإرهابي معترضين لحركة دارة العائلة وحارة حريك- علماً بأن هذه الدارة تأوي أيضاً مكاتب مؤسستي (أمم للتوثيق والأبحاث) و(دار الجديد)”. وأضاف في بيانه “واستدراكاً على أي محاولة تعرض لفظية أو يدوية لاحقة لي أو لزوجتي أو لمنزلي أو لدارة العائلة أو لأي من أفراد العائلة أو القاطنين في الدارة، أحمل قوى أمن الأمر الواقع ممثلة بشخص السيد حسن نصر الله وبشخص الأستاذ نبيه بري المسؤولية التامة عما جرى وعما قد يجري، اللهم قد بلغت”. وبعد مرور عامين على اغتياله، وفي سابقة لم يشهدها لبنان من قبل، أعربت مجموعة من أربعة مقررين في الأمم المتحدة، فرع حقوق الإنسان، عن تبنيها قضية لقمان سليم، وهم: موريس تيدبال بينز، المقرر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو الإعدام التعسفي، ومارغريت ساترثويت، المقررة الخاصة المعنية باستقلال القضاة والمحامين، وإيرين خان، المقررة الخاصة المعنية بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، وماري لولور، المقررة الخاصة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان.

وفي بيان عبروا فيه عن قلقهم العميق إزاء عدم إحراز السلطات اللبنانية تقدماً لضمان المساءلة في مقتل لقمان سليم، وكرروا دعوتهم لإجراء تحقيقات فعالة. وقالوا في البيان 2 فبراير (شباط)، إنه يتعين على السلطات اللبنانية “التحقيق بشكل كامل في هذه الجريمة النكراء وتقديم الجناة إلى العدالة”. وأضافوا “عدم إجراء تحقيق سريع وفعال قد يشكل في حد ذاته انتهاكاً للحق في الحياة”. وشدد المقررون الحقوقيون على أهمية محاسبة الجناة كجزء من التزام الدولة حماية حرية الرأي والتعبير، وقالوا “إن ثقافة الإفلات من العقاب لا تشجع قتلة السيد سليم فحسب، بل سيكون لها أيضاً تأثير مخيف على المجتمع المدني لأنها ترسل رسالة تقشعر لها الأبدان إلى النشطاء الآخرين لفرض رقابة ذاتية”. وأشار المقررون الأمميون إلى أن احتمال إتمام التحقيقات الحالية “في إطار زمني معقول” ضئيل، محذرين من أن أي تأخير إضافي قد يعرض التحقيق الحالي والبحث عن الحقيقة والعدالة للخطر، كما أكدوا أن التحقيقات في عمليات القتل غير المشروع يجب أن تكون مستقلة ومحايدة وسريعة وشاملة وفعالة وذات صدقية وشفافة.

هل هناك رابط بين اغتيال لقمان سليم وجريمة المرفأ؟

بدورها، طالبت عائلة لقمان الأمم المتحدة ببعثة تقصي حقائق دولية تنظر في احتمال وجود رابط بين مقتله وجريمة تفجير مرفأ بيروت. تقول أخت لقمان الكاتبة والناشرة رشا الأمير في حديث خاص مع “اندبندنت عربية”، إن هناك أربعة مقررين يحاولون حث بقايا الدولة، وأشلاء الدولة على أن تقوم بعملها، لأن ملف لقمان لم يقفل، مثلاً في حالة المصور جو بجاني قرر القضاء اللبناني إقفال ملفه، وعندما لا يقفل القضاء المحلي ملفاً لا يمكن التوجه به إلى قضاء دولي أو أممي. وتشدد الأمير على أن اغتيال لقمان هو اغتيال سياسي بامتياز، “هم اغتالوا بلداً ونساءً ورجالاً في هذا البلد عبر جريمة المرفأ، نحن نريد لجنة تقصي حقائق لمعرفة هل اغتيال لقمان مرتبط باغتيال العميد منير بو رجيلي والمصور جو بجاني وانفجار المرفأ؟”. وتضيف أن لجنة تقصي الحقائق الأممية لا تستطيع القيام بمهمتها من دون تقديم القرائن والحجج. وتشدد الأمير على أن القضاء اللبناني عليه أن يتصالح مع نفسه أولاً، وهناك “حرب أهلية” داخل القضاء اللبناني، حيث قام القاضي طارق البيطار بتأجيل تحقيقاته، “تأجيل ومماطلة، هذه هي حالة القضاء، تأجيل حتى فناء من يطالب بحقه، سياسة يتبعها القضاء اللبناني، اللعب على عامل الوقت”، وتسأل الأمير “هل اغتيل لقمان بسبب ما صرح به بالنسبة إلى نترات الأمونيوم؟”.

لقمان سليم: “حزب الله المتهم الأول في قضية تفجير مرفأ بيروت”

وكان لقمان سليم قد صرح في آخر إطلالة إعلامية له عن جريمة المرفأ، بعد التقارير التي أشارت حينها إلى ضلوع أشخاص مقربين من النظام السوري بشحنة نترات الأمونيوم. وقال “يكفي أن يراجع الشخص منا مسلسل استخدام النظام السوري الأسلحة الكيماوية ثم للبراميل المتفجرة الحاوية على نترات الأمونيوم، ليكتشف أن ما يتم الكشف عنه اليوم هو أقرب إلى تحصيل الحاصل”. وأضاف “فلنتذكر أن الرئيس باراك أوباما اعتبر أن استخدام الأسلحة الكيماوية خط أحمر في أغسطس (آب) 2013، ومعه بدأت المفاوضات كي يسلم النظام السوري مخزونه من الأسلحة الكيماوية. في 14 أكتوبر (تشرين الأول) 2013 وقع النظام السوري على معاهدة الحد من الأسلحة الكيماوية. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني)، وبعد نحو أسبوعين من توقيع النظام على معاهدة الحد من الأسلحة الكيماوية وصلت إلى بيروت السفينة (روسوس) حاملة آلاف الأطنان من نترات الأمونيوم”. وأضاف لقمان سليم “بالصدفة أيضاً بدأ عام 2014 وتتالى على تصاعد في وتيرة الغارات بالبراميل المتفجرة لم يسبق أن سجل في العامين السابقين أي 2012 و2013”.

يتابع “بالتالي نحن أمام مشهد تكتمل تفاصيله، اليوم نريد أن نعرف جيداً من استورد، ولكن الأهم من الاستيراد نريد أن نعرف من خزن ولمصلحة من خزنت هذه المواد في مرفأ بيروت، ولمصلحة من كان إخراجها شيئاً فشيئاً وعبورها الحدود الدولية إلى الأراضي السورية، حيث كانت تصنع ليتم استخدامها فوق رؤوس الشعب السوري. واليوم عملياً هذه المعلومات تسقط ما تبقى من ورقة توت حاولت بعض الجهات اللبنانية أن تتستر بها، زاعمة أن المسألة تقف عند حدود الإهمال الإداري”. معتبراً أننا “اليوم أمام جريمة حرب أطرافها موسكو وبيروت ودمشق، وكل من شارك سواء بالصمت أو بتقديم التسهيلات هو متهم وبات بحكم الساقط ليس فقط أخلاقياً وإنما الساقط أيضاً أهلياً، بالتالي علينا ألا نستبعد أن تمتد العقوبات لتشمل في أقل تقدير كل هؤلاء اللبنانيين وغير اللبنانيين الذين أسهموا في هذه الجريمة المركبة”. وأشار حينها إلى أن “المتهم الأول هو صاحب الدالة الكبرى، أعني ميليشيات (حزب الله) التي تملك ليس فقط السيطرة على المرافق بالمعنى الجغرافي والتقني للكلمة وإنما تملك أيضاً الدالة السياسية على اللبنانيين كبيرهم وصغيرهم، على كل من يتعاطى الشأن العام، تملك قدرة التخويف…”.

من يعرقل التحقيق؟

وعن عرقلة التحقيق تذكر رشا الأمير بحادثة اقتحام (وفيق صفا المسؤول في “حزب الله”، من دون أن تسميه) مبنى العدلية وتقول “لهذا الشخص اسم وهو معروف على رأس الأشهاد وكتب عنه في الصحف حينها، وتوجه إلى القاضي البيطار بالقول ستكف يدك عن التحقيق في قضية مرفأ بيروت”. أما بالنسبة إلى الخطوات التي ستتخذها العائلة في سياق طلب لجنة تقصي حقائق دولية، فتشير الأمير إلى أنه انعقد لقاء في جنيف حيث يوجد مركز للمقررين، العام الماضي، وجرى الحديث عن الاغتيالات في لبنان وكولومبيا، ومن وجهة نظر المقررين الأمميين أنه لا يمكن الحديث فقط عن جرائم الاغتيال في لبنان واغتيال لقمان فقط، بل يجب الإشارة إلى ما يعرف “non-state actors”، أي الجهات الفاعلة غير الحكومية، المتحكمين في لبنان وكولومبيا، لذا ما زالوا كعائلة في صدد درس الخطوات القانونية، لأن الإجراءات القانونية معقدة جداً كمثال محكمة رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، معتبرة أن هناك أسئلة “كيف جرى التحقيق وجمع الأدلة، ومن قام بها؟ ولمَ استمرت على مدى 13 عاماً؟”. وتؤكد أنهم يطالبون بإلحاح ما صورته الكاميرات المراقبة، وهي موجودة في شعب التحقيق اللبنانية، “لأن اغتيال لقمان تم على مسافة كيلومتر ونصف الكيلومتر من الثكنة الفرنسية التابعة للأمم المتحدة، وهذه من الأدلة الواجب تقديمها”.

“عدالة أممية”

وعلى رغم واقعية رشا الأمير في توصيف المشهد اللبناني، تشدد على أنها مؤمنة أنه ما زال هناك “عدل في العالم… وسنصل إليه”، “قد لا يتحقق عبر المحاكم لأن وتيرة القضاء كما هو معلوم بطيئة، أيضاً مثل تلك المحاكم بحاجة إلى أموال، محكمة الحريري صرف عليها أموال طائلة، وهو رئيس حكومة أسبق. لا يمكن أن نبذل ما بذل في محكمة رفيق الحريري الدولية، حيث إن إمكانات العائلة لا تسمح”، مؤكدة “أننا مع عدالة قيمية حقيقية، تتحقق بالعمل اليومي الذي نقوم به في مؤسسات لقمان، ونستمد من الغار القوة”. وتتمنى الأمير لو كان لبنان “يتمتع بقضاء متصالح مع نفسه، فاعل، ولكن هناك مئات الأسباب التي لا مجال لذكرها، من تسييس وانقسامات”. “القضاء مقتول ومقهور، ولبنان بلد منكوب ومخطوف، العدالة ستأتي دفاعاً عن لبنان ولقمان، عمن قتلوا ونهبوا، لا بد من عدالة دولية ستتحقق، نعم هناك عدالة في العالم، ونحن مع العدالة كقيمة”.

وتؤكد أنهم يتابعون ما قام به لقمان، إضافة للمؤسسات الثقافية والفكرية، أنشأوا موقعاً باسم لقمان سليم، يهتم بموضوع الاغتيالات السياسية. وتضيف الأمير أنهم يستمدون قوتهم من “محبة الناس ومن أصدقائنا”. وتعتبر أن لقمان “كان قائد رأي، وكان لديه حلم لهذا الشرق، أن يقوم من ظلامه، لقمان كما جائزته التي نقدمها، كان نوراً، وهم يريدون إطفاء هذا النور، كان لديه أفكار لهذه البلاد، من سوريا ولبنان وفلسطين، حلم ببلاد تتمتع بقيم، كان شخص (قيمياً)، وصاحب رؤية”.

لقمان سليم “ضحية لنمط الإفلات من العقاب”

في السياق كان صدر عن منظمة العفو الدولية بياناً، 3 فبراير، أشارت فيه إلى أنه يجب على السلطات اللبنانية تكثيف جهودها لتحديد المسؤولين وملاحقتهم قضائياً في ما يخص مقتل لقمان سليم، المثقف والمدافع عن حقوق الإنسان. وقالت آية مجذوب، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية “يعتبر لقمان سليم ضحية لنمط الإفلات من العقاب الذي دام لعقود طويلة في لبنان، والجهود الشكلية التي تبذلها السلطات اللبنانية للعثور على قاتليه هي دليل إضافي على ذلك. فلم يتم فعل ما يذكر للعثور على قتلته، وتدهور النظام القضائي اللبناني، الذي تجلى في التحقيق الهزلي في انفجار بيروت المدمر عام 2020، يترك أملاً متضائلاً في تحقيق العدالة لعائلة لقمان سليم”. وصرحت مونيكا بورغمان، أرملة لقمان سليم، للمنظمة، “أنه منذ لحظة اكتشاف جثته تقاعست السلطات عن بذل جهود جادة لتقديم قاتليه إلى ساحة العدالة. وتظهر الصور ومقاطع الفيديو التي اطلعت عليها منظمة العفو الدولية أنه لم يتم عمل أي شيء لتأمين مسرح الجريمة، حيث لمس المارة والصحافيون السيارة التي عثر فيها على جثته، وفتحوا الباب”. وذكرت بورغمان أن المحققين سألوها أسئلة “سخيفة” ركزت على ما إذا كان زوجها يعاني مشكلة قمار أو لديه عشيقة قد هجرها. وأضافت أن المحققين أشاروا حتى إلى إمكانية أن يكون لقمان قد انتحر على رغم أنه أصيب بخمس طلقات في رأسه وطلقة في ظهره.

زر الذهاب إلى الأعلى