الزلزال الذي كشف أمراً منسياً
بقلم: أ.د. غانم النجار
النشرة الدولية –
جاء الزلزال، الذي ضرب تركيا وسورية، قاسياً ومدمراً للأرض، ومؤذياً، وهو ظاهرة طبيعية، لا تبقي ولا تذر، تحطم في طريقها الأرض، والضرع، والبشر دون تردد، وحسب الخبراء، فإن الزلزال باقٍ ويتمدد.
يدرك المنغمسون في العمل الإنساني، كما تؤكد كل الدراسات اللاحقة، أن نتائج الأعاصير، والفيضانات، والزلازل وتسونامي، وغيرها، في أغلبها، تعاني منها الفئات المهمشة في المجتمع، لأسباب كثيرة ليس هنا مجال حصرها.
عندما تقع الكارثة الطبيعية، وقوعاً قسرياً، فالمسألة لا تخضع للتفاوض، فلن تجد من تتفاوض معه لإيقاف مساراتها، أو علاج نتائجها، كما هو الحال في الحروب مثلاً. ونتائج تلك الكوارث أغلبها معاناة إنسانية، تتطلب تضافر الجهود المحلية والإقليمية والدولية، لتخفيف معاناة البشر. ففي مثل هذه الحالات يتركز التفاوض على كيفية السماح بعبور الإعانات للمتضررين، وذلك العبور قرار سياسي بالدرجة الأولى.
في العديد من دول العالم التي ضربتها الزلازل، يقوم أهلها بالتجهيز للزلزال القادم، وهو صعب التنبؤ به، بتغيير نمط المساكن لجعلها أكثر قابلية، ومرونة، ولكن عندما تكون المنطقة المضروبة معنية بالإهمال والتجاهل، وآثار الحروب المستمرة، والحصار، والميليشيات، والازدحام السياسي والعسكري، وملايين اللاجئين الذين يعيشون، أو لا يعيشون، لا فرق، فإن جهداً من ذلك النوع لن يتحقق، فالخصوم منشغلون بمن ينتصر ومن يكسر عظم الآخر. هكذا نسي الناس والمجتمع الدولي تلك المعاناة المستمرة، حتى عاد ليكشفها الزلزال. ربما كشف الزلزال الأخير الحالة البائسة التي مضى عليها أكثر من عقد من الزمان لملايين البشر من النازحين واللاجئين المنتشرين في ذات الوعاء الجغرافي الذي ضربه الزلزال، وأضحى الذين يعانون أكثر معاناة.
كشف الزلزال إذاً حالة سياسية وعسكرية مختنقة، يشارك في خنقها الجميع دون استثناء، والتي قد يؤدي ضمن ما قد يؤدي إلى تحريك ملف يعيد للناس كرامتهم المستلبة.
طبيعة البشر أنهم يعيشون الأزمة حين اشتعالها، ويبذلون على الأقل بالقول، تعاطفهم، ومساندتهم لأولئك المتضررين، وهو أمر محمود، ومطلوب، ولكن ما إن تهدأ الأمور حتى يتم نسيانها، والالتفات عنها إلى أمور أخرى.
الزلزال كشف أن هناك حالة معاناة منسية مضى عليها زمن، دون تحرك جاد لحلها، نسيها الناس، ولم تعد من ضمن أولوياتهم.
فهل يؤدي الزلزال بكل معاناته، وقسوته، التي فاقت أثراً حرباً شعواء مستمرة في ذات المحيط، لإنهاء المعاناة المستمرة؟