تأملات في الزلزال
بقلم: أحمد الصراف
النشرة الدولية –
لم يستغرق الزلزال الأخير الذي ضرب سوريا وتركيا غير ثوان معدودة، كانت كافية ليتدفق سكان المدن والقرى كالبحر الهائج للشوارع والساحات، بأيد فارغة خالية من مفاتيح الخزانة وجوازات السفر وبطاقات الائتمان، ومفاتيح البيت والسيارة، وسندات الملكية، والأموال النقدية، وحتى نسيان بعضهم بعضاً وهم يهربون بجلودهم، متخلين عن آلاف الأشياء التي حاربوا واختلفوا مع الآخرين والأهل والحجر عليها، وربما سفك بعضهم الدماء من أجلها، وذرفت أخريات دموعا للحصول على حذاء جميل أو حقيبة يد فاخرة، أو ساعة ألماس.
ترك الجميع، بلا استثناء كل شيء وراءهم، بعد أن مات من مات وعاش من عاش، لكنهم سرعان ما سينسون، لتعود دورة الحياة لسابق وتيرتها، وكل ذلك بفضل «نعمة النسيان»، فبغيره ستتوقف الدورة، ويفنى البشر.
***
واجه العالم أجمع كارثة الزلزال التي ضربت سوريا وتركيا بما يجب ويتطلب الوضع، حيث تم تقبله كظاهرة جيولوجية حدث ما يماثلها عشرات آلاف المرات، ولأسباب معروفة علميا، لكن فطاحلتنا أبوا إلا أن يخرجوا، كالعادة، بنظريات المؤامرة، الخاصة بهم، لأنهم يجدون من يؤمن بها، ويصدقها، دون تردد، وهذا مؤشر على مدى بؤس حالنا، بعد أن تم تدجين عقولنا بحرمانها من فضيلة الشك والتفكير، خوفا من التكفير وبئس المصير!
***
أحد مروجي نظرية المؤامرة أرجع أسباب الزلزال لمشروع هارب HAARP الأميركي، الذي سبق أن تسبب، حسب قنواتهم التلفزيونية، في وقوع زلازل كثيرة منذ بدأ المشروع في التسعينيات.
ما لا يعرفه أصحاب هذه النظرية أن مشروع «هارب» يتعلق بدراسة تغيرات المناخ وتطوير الاتصالات وغيرها من أبحاث علمية، ولا علاقة له بالزلازل، ويدار بالكامل من جامعة Fairbanks في منطقة Alaska بعد أن تسلمته من الحكومة الأميركية عام 2015!
كما خرج آخرون بنظرية أن روسيا ربما فجرت قنبلة نووية صغيرة، من غواصة، في البحر المتوسط، وربما بطريق الخطأ، فأحدث انفجارها زلزالا ارتداديا!
وقال أصحاب نظرية ثالثة إن السبب يعود إلى إصرار تركيا على حبس مئات ملايين الأطنان من المياه خلف سدود ضخمة، فتسبب ضغطها الهائل على الأرض لوقوع الزلزال، لذلك أمر أردوغان بفتح السدود لتخفيف الضغط عن الأرض!
كما شارك مقتدى الصدر رجل العراق القوي والغني، في معمعة التفسير مرجعاً السبب لوقوفنا غير المشرف من قضية حرق المصحف، ولا أدري ماذا كان موقفه من القضية غير التنديد؟
وسبقه في مثل هذا التفسير، بأكثر من شهر، الزميل مبارك الدويلة، حيث ورد في مقاله في القبس (2–1–2023) أن توقيع الرئيس الأميركي بايدن على مشروع يتعلق بالمثليين تسبب في هبوب رياح وعواصف ثلجية غير مسبوقة في تاريخ أميركا، تسببت في شلل الحياة بجميع مظاهرها، وتجمّد كل شيء(!!).
نحن بانتظار قراءة تفسيره للزلزال الأخير الذي وقع في سوريا وتركيا، عاصمة الإخوان وحجتهم، بعيدا عن مقولة إنه في حالة أميركا كان عقابا، وفي حالتنا كان ابتلاءً!