تونس على صفيح ساخن… وقع إجراءات أمنية تستهدف الصحفيين وشخصيات سياسية معارضة
النشرة الدولية –
تعيش تونس توترا على وقع إجراءات أمنية تستهدف الصحفيين وشخصيات سياسية معارضة للرئيس، قيس سعيد، وضعت البلاد على صفيح ساخن. حيث نفذت السلطات حملة اعتقالات أثارت قلقا تجاه تعمق الأزمة السياسية، وتعزيز القبضة الأمنية التي تحد من الحريات في البلاد.
ملاحقة الصحفيين وسياسيين معارضين
“محاكمة الصحافيين هي محاكمة للرأي”، “لا لمرسوم القمع”، و”لا تركيع الصحافة”.. شعارات مختلفة رفعها صحفيون تونسيون خلال ما سموه بـ”يوم الغضب الصحفي” الذي نظموا فيه وقفة احتجاجية بساحة الحكومة، الخميس، للمطالبة بالتوقف عما وصفوه بالاعتداء على الإعلاميين وبإلغاء “المرسوم 54″، الذي يعتبرونه قامعا لحرية التعبير ومقيدا للعمل الصحفي. ويأتي هذا التحرك في وقت تتصاعد فيه الانتقادات للسلطات في البلاد بعد ملاحقة إعلاميين على خلفية عملهم الصحفي.
وتواجه الصحافة التونسية في الفترة الحالية العديد من التحديات التي تهدد حرية التعبير بصفة عامة وأمان الصحفيين بصفة خاصة، وذلك في ظل تزايد حالات الاعتداء على الصحفيين، ورفض الحكومة نشر الاتفاقية المشتركة التي تنظم المهنة وتضمن الحقوق المهنية للصحافيين في الرائد الرسمي أو ما يعرف بالجريدة الرسمية. كما انتقد الصحفيون “المنشور ٥٤” الذي يعاقب بقسوة كل من “يروج لأخبار زائفة أو شائعات”، بحسب موقع “بابنيت” التونسي.
ومن بين أبرز المؤشرات الخطيرة الأخرى التي فاقمت الأزمة هي حملة التوقيف الأمنية التي تطال صحفيين ورؤساء التحرير، آخرهم مدير عام إذاعة “موزاييك” الخاصة، نور الدين بوطار، الذي تم اعتقاله من منزله، الاثنين. وأثار استجوابه من قبل الأمن عن السياسة التحريرية للإذاعة غضب الوسط الصحفي، ودعت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين إلى الإفراج الفوري عنه.
ويأتي توقيف بوطار في فترة تشهد فيها تونس حملة اعتقالات واسعةً شملت سياسيين ونواباً ورجال أعمال معروفين بنفوذهم في المجالين المالي والسياسي. ووُجّهت إلى الموقوفين تهم من قبل رئيس الجمهورية التونسية، قيس سعيد، “بالتآمر على أمن الدولة والوقوف وراء أزمة المواد الغذائية وارتفاع أسعارها”، وهو ما أثار غضب المعارضة التي رأت أن الإجراءات الأخيرة ليس لها سند قانوني تهدف إلى الضغط على الصحافة والمعارضة السياسية.
وشجبت الولايات المتحدة، الأربعاء، توقيف سلطات تونس معارضين للرئيس قيس سعيد، ودعت إلى توخي الشفافية في الإجراءات القانونية.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، للصحفيين “نشعر بقلق عميق إزاء التقارير عن توقيف عدة شخصيات سياسية ورجال أعمال وصحفيين في تونس في الأيام الأخيرة”.
وأضاف برايس “نحترم تطلعات الشعب التونسي إلى قضاء مستقل وشفاف قادر على حماية الحريات الأساسية للجميع”.
وأوقفت الشرطة التونسية عشر شخصيات بارزة منذ السبت، من بينها بوطار، ورجل الأعمال البارز والناشط السياسي كمال اللطيف.
واعتبرت جبهة الخلاص الوطني المعارضة التوقيفات بمثابة عمل انتقامي يفتقر إلى سند قانوني.
وتعليقا على احتجاجات الخميس، قال الإعلامي التونسي، عائد العميرة، لموقع “الحرة”، إن مظاهرات اليوم هي امتداد لاحتجاجات سابقة للصحفيين التونسيين، نتيجة تراجع واقع الحريات في البلاد، وسعي النظام القائم لتقييد العمل الصحفي لخدمة توجهاته.
وأضاف أن “علامات ومظاهر قيام السلطة بتقييد الصحافة كثيرة وظاهرة للعيان”. موضحا أن من بينها اعتقال عدد من الصحفيين ومحاكمتهم أمام القضاء العسكري، وقبلها غلق مقر قناة الجزيرة، وتعيين موالين للسلطة على رأس المؤسسات الإعلامية الحكومية.
انتقادات عدة وجهها العاملون بالصحافة والإعلام ضد إصدار المنشور رقم 19 الذي منع المسؤولين في مختلف القطاعات من تمكين الصحفيين من المعلومات إلا بترخيص مسبق، وهو ما عطل عمل الصحفيين.
وهذا التضييق على حرية تداول المعلومات من قبل الحكومة، يرى العميرة أنه ضد حق الوصول إلى المعلومة.
كذلك فإن تعطيل عمل لجنة إسناد بطاقة الصحفي المحترف يعد شكل من أشكال استهداف الصحفيين أيضا، بحسب العميرة الذي أكد أن “النظام يحرم الصحفيين من بطاقتهم المهنية يقصد التضييق عليهم”.
وخلال لقائه رئيسة الحكومة، نجلاء بودن، مساء الخميس، في قصر قرطاج، وصف الرئيس التونسي، قيس سعيد، “من يتباكون على حرية التعبير، بأنهم ليس لديهم حرية التفكير”، متهما إياهم بأنهم “مأجورون من قبل بعض القوى التي لا تزال تعمل في الظلام وتردد الأكاذيب”، حسبما نقلت وكالة الأنباء التونسية الرسمية.
وشدد سعيد على أن “السيادة الوطنية فوق كل اعتبار”، في إشارة إلى البيانات الصادرة عن جهات محلية ودولية منددة بالاعتقالات التي طالت عددا من الشخصيات السياسية والصحفية في تونس، وقال “لسنا تحت الاستعمار أو الحماية أو الانتداب نحن دولة مستقلة ذات سيادة ونعلم جيدا ما نقوم به في ظل احترام كامل للقانون”.
و قضية التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي ناقشها سعيد في اجتماع آخر، الجمعة، مع وزير الداخلية، توفيق شرف الدين، بحسب بيان للرئاسة التونسية. وأكد رئيس الجمهورية أن “حرية التعبير مضمونة ولا توجد علاقة إطلاقا بين هذه الإيقافات وحرية التعبير بل بالتآمر والفساد وبالاستيلاء على أموال ضخمة من مؤسسات مصرفية وُزّعت خارج كل إطار قانوني وأدّت إلى الإعلان عن إفلاس بعضها”.
حديث سعيد أيدته الصحفية التونسية، نهلة الحبشي، موضحة في حديثها لموقع “الحرة”، أنه “رغم الانتقادات الموجهة لسعيد بمحاصرة الرأي، فالجميع هنا في تونس يعبر عن موقفه بكل حرية. وباستثناء بعض الحالات الفردية، فلم نشهد اعتقالات ومصادرة الرأي”.
وفي دفاعها عن الاتهامات الموجهة لحكومة سعيد، قالت الحبشي “في الحقيقة شعار أن السلطة تقيد الحريات مبالغ فيه رغم أن اعتقال مدير عام الإذاعة الخاصة الأولى في تونس يعد خطأ فادحا للنظام، فالرجل لا قضية له ولا تهمة مثبتة ضده، وننتظر ما ستتوصل إليه التحقيقات”.
وحول ما قاله سعيد عن إن “بعض الصحفيين مأجورين من قبل قوى تريد الإضرار بتونس”، تري الحبشي أن “سعيد ليس وحده من يعتبر أن بعض الأقلام الصحفية في تونس مأجورة لدى بعض القوى وتعمل في الظلام، فهذا أمر واقع منذ سنوات”.
وقالت “لو أن الميثاق الصحفي وميثاق الشرف يدعونا أن نكون متضامنين كصحفيين، فإن شرف القلم أيضا يدفعنا أن صرح بأن هناك أقلام مأجورة”.
“مظاهرات اليوم هي تعبير عن الحرية وأكبر دليل على ممارسة الديموقراطية في عهد قيس سعيد” بهذه العبارة بدأ الناطق الرسمي باسم تحالف أحرار، أحمد الهمامي، حديثه مع موقع “الحرة”، موضحا أن “أي ديكتاتور كان سيرفض خروج احتجاجات ضده”.
ونفى الهمامي أن تكون السلطة أصدرت قرارا واحدا باعتقال صحفي أو غلق مؤسسة صحيفة بسبب الرأي أو حرية القلم. لكنه أوضح أن “بعض حالات الاعتقال تحدث نتيجة شكاوى من بعض الصحفيين ضد بعضهم أو بسبب وجود معلومات بالتآمر على أمن الدولة مثلما الوضع في حالة طوبار وفي انتظار ما ستكشف عنه التحقيقات في الفترة المقبلة”.
استهداف الصحفيين يظهر أيضا في دفع المؤسسات الإعلامية المصادرة من قبل الدولة، إلى حافة الإفلاس وعدم صرف أجور الصحفيين العاملين بها، وفقا للعميرة.
وبشأن أهمية الاتفاقية المشتركة التي كانت ضمن مطالب الصحفيين، أوضح اعميرة أنها تضمن الحد الأدنى لحقوق الصحفيين على المستوى المادي، مشيرا إلى أن “الحكومة تعمدت تعطيل نشرها في الرائد الرسمي بهدف تجويع الصحفيين والتنكيل بهم”.
واتفقت الحبشي اتفقت مع ما قاله اعميرة بشأن تدهور الوضع المادي للصحفيين في تونس. وقالت إن “الصحافة التونسية في عهد قيس سعيد تمر بأسوأ حالاتها، وهي بالفعل في خطر”.
وأضافت أن “من المؤكد أن وضع الصحفي التونسي المادي أسوء ما يوجد في المنطقة العربية على الإطلاق، وهذا نتاج لما مرت به الصحافة التونسية والمؤسسات الإعلامية من صعوبات وتضييقات طوال السنوات الماضية، ولا يمكن أن نتحدث عن حرية الصحافة في تونس دون أن نضمن كرامة الصحفي”.
لكن الحبشي ترى أنه “مثلما نريد محاسبة رئيس الجمهورية عن التدهور الذي وصل إليه الصحفيين في تونس وتحديدا على المستوى المادي، يجب كذلك محاسبة المؤسسات الإعلامية الحومية والخاصة التي يحكمها المال والممولين”.
وفي تحليله للمشهد، قال المحلل التونسي، بسام حمدي، في حديثه لموقع “الحرة”، إنه “ككل نظام استبدادي سلطوي يقوم على حكم الفرد الواحد، عمد نظام قيس سعيد التضيق على الصحافة، فالصحافة الحرة تعني فضح ممارساته القمعية، كما تعني إنارة الرأي العام وهو ما لا يريده النظام”.
وأضاف أن “فشل النظام في الاستجابة لمطالب الشعب التونسي الاجتماعية والاقتصادية واستهدافه معارضيه السياسيين، حتم عليه أيضا استهداف الصحافة حتى لا تفضح فشله”.
ولخص حمدي مطالب الصحفيين، قائلا إنهم يطالبون “فقط بحقوقهم، ليس أكثر، حقوقهم التي سلبها إياهم نظام قيس سعيد. ويطالب الصحفيون بعدم التضييق على عملهم، ومنحهم المساحة الكاملة للعمل بحرية دون التدخل في عملهم أو التنيكل بهم”.
وأضاف أنه “كما يطالبون بوقف المحاكمات ضدهم، وإلغاء القوانين المقيدة لعملهم، وتفعيل الاتفاقية المشتركة، التي تضمن بعض حقوقهم المادية والمهنية، من خلال في الرائد الرسمي للدولة التونسية”.