بين الـ«بي بي سي»… و«مونتي كارلو» أيهما تختار؟
بقلم: حمزة عليان

النشرة الدولية –

آخر يوم لي لسماع إذاعة الـ«بي بي سي» كان يوم الجمعة 27 يناير 2023 عندما أقفلت الإذاعة بثها باللغة العربية، وأنهت رحلتها بالعبارة نفسها التي انطلقت منها قبل 85 عاماً وهي «هنا لندن، هيئة الإذاعة البريطانية».

أنا من جيل رافق هذه الإذاعة منذ أن وعيت على ما يجري من حولي، ونحن في عز حرب 1967 أدركت في حينه أننا نعيش في ظل دعاية مضللة تطمس الحقائق، وبالأخص إذاعة «صوت العرب» والمذيع الأكثر شهرة من جمال عبدالناصر، وهو أحمد سعيد وصاحب الشعارات الرنانة من «مراكش للبحرين».

المهم بعد يوم من الإقفال لإذاعة الـ«بي بي سي» استدرت نحو إذاعة «مونتي كارلو» وإن كنت إلى سنوات مضت أتناوب على سماع هاتين المحطتين.

قد يكون النقاش حول العنوان العريض، هل يمكن أن تكون «الإذاعة» حيادية؟ وفي ظل هذا الطوفان من وسائل التواصل والإعلام والاتصالات والسماوات المفتوحة.

بمناسبة اليوم العالمي للإذاعة والذي صادف 13 فبراير الجاري خصصت «مونتي كارلو» برامجها للاحتفاء بالحدث، واستضافت عدداً من الأساتذة الأكاديميين والخبراء في الإعلام والقائمين على الإذاعات، استمتعت بالحوارات التي دارت على تلك الموجة والتي قمت بتثبيتها على راديو السيارة.

النقاش كان يدور حول المحتوى الذي تقدمه الإذاعة اليوم، وإلى أي مدى تحترم عقول المستمعين بتقديمها أخباراً وبرامج غير موجهة، ولا تخدم البلد الذي تبث منه. الواقع أنه لا الـ«بي بي سي» ولا «مونتي كارلو» ولا غيرها من الإذاعات المعروفة، تصدر عن جمعيات خيرية، فمن يصرف عليها المال ويدفع رواتب العاملين فيها دول لها مصالح وأهداف من ورائها تسعى إلى تحقيقها أو تمريرها، وبالتالي تقوم بعملية «غسل دماغ» لمستمعيها، هكذا هو الأصل، لكن المسائل نسبية، أي بمعنى كيف توصل هذا المحتوى بذكاء، ولا تستخف بعقول الناس وتدّعي امتلاك المعرفة لوحدها في الوقت الذي يستطيع فيه أي مستمع، خصوصاً مع ثورة الإنترنت والاتصال أن يقف على حقيقة ما حصل وبسهولة من أطراف وإذاعات ومنصات أخرى.

النظر إلى إذاعة «هنا برلين حي العرب» وسماع صوت يونس بحري أيام هتلر وأستاذه في البروباغندا وزير الإعلام الألماني غوبلز، أو إلى إذاعة «صوت العرب» عبر أحمد سعيد من القاهرة في الخمسينيات، أو سعيد الصحاف وزير إعلام صدام حسين، كل هذه الأسماء يكون الحكم عليها وفق واقع النظام السياسي الذي يقف وراءها.

في الأنظمة الدكتاتورية والاستبدادية ليس هناك حل ومنطقة وسط، بل نظرة شمولية لا تميز بين الخرافات والحقائق، وعندها أن العالم يدار من منظور واحد ووجهة نظر واحدة لا تقبل القسمة ولا تقبل الرأي الآخر.

ثمة من يعتقد أن الحيادية في الإذاعة وبالتالي الإعلام ممكنة في ظل أنظمة ديموقراطية سليمة لأن هذا النوع من الأنظمة لديه وسائل مراقبة وحماية وحريات تمنع التغول والتفرد بالرأي والتوجيه، ولذلك يبقى المعيار الأساسي هو المساحة من حرية التعبير عن آراء المجتمع ككل.

الدعاية السياسية لم تعد حكراً على إذاعة بعينها في القرن العشرين، فقد سقطت الأكاذيب التي يروجون لها بفعل وجود آلاف المنابر والفضائيات والإذاعات المتنافسة وبشراسة على كسب المشاهدة والمستمع.

كنت أظن أن الإذاعة انتهى عمرها لكنني فوجئت بوجود 800 محطة إذاعية فقط في البلدان النامية كما سجلتها أرقام اليونيسكو، وإن عدد المستمعين للراديو تجاوز عدد مشاهدي التلفزيون، وفي بلد مثل تونس لديها 21 إذاعة خاصة و10 إذاعات حكومية، بخلاف مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الأخرى.

***

ماذا تكتب يا حنا؟

أنقل عن الزميلة وفاء أبو شقرا ما نقلته عن الكاتب السوري حنا مينه، يقول: «حين كانت تسألني أمي، ماذا تكتب يا حنا؟ كنت أكذب عليها وأقول: قصة القديس بولس، فترسم الصليب على صدرها وتقول: يتمجد اسمه، برافو يا ابني، لا تنسى أن تطلب منه أن يغير حالتنا التعيسة، وهكذا كنت وأمي ننشد الشيء نفسه، تغير الحال، لكن أمي كانت تطلبه في السماء، وأنا كنت أطلبه في الأرض».

زر الذهاب إلى الأعلى