الساعة صفر… هكذا تدحرجت كرة النار من موسكو إلى كييف

روسيا طلبت ضمانات أمنية بعدم انضمام أوكرانيا إلى "الناتو" وبوتين يكشف عن نيته ضم مقاطعات الدونباس والغرب يحذر ويستعد

النشرة الدولية –

اندبندنت عربية –

يبدو أن حرب روسيا على أوكرانيا قد وصلت إلى نقطة محورية مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لها. فقوات موسكو تتقدم في الشرق للمرة الأولى منذ ستة أشهر، وتتراجع مكاسب القوات الأوكرانية مقارنة بالنصف الثاني من عام 2022.

وها هي روسيا تدفع بمئات الآلاف من قوات الاحتياط التي حشدتها. وتتوقع كييف هجوماً كبيراً يمكن أن تشنه موسكو لأسباب “رمزية” مع الذكرى السنوية للاجتياح في 24 فبراير (شباط) الحالي. وقد صرح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن القوات الأوكرانية في مدينة باخموت شرق البلاد تواصل مقاومة الهجمات الروسية المستمرة في ظل تعزيزات عسكرية لموسكو قبل هجوم جديد متوقع.

سوسن مهنا

في المقابل أعلن رئيس مجموعة فاغنر الروسية يفغيني بريغوجين، الثلاثاء 14 فبراير، أن مدينة باخموت الأوكرانية التي تعد مركزاً للمعارك في الأشهر الأخيرة، لن تسقط قريباً على رغم التقدم الروسي الأخير. وكتب مكتبه الإعلامي على قناته في “تيليغرام”، “لن نحتفل في أي وقت قريب” بسقوط المدينة. فيما نقلت “وكالة الصحافة الفرنسية” عن بريغوجين قوله “لن يتم الاستيلاء على باخموت غداً (الأربعاء)، لأن هناك مقاومة قوية، وقصفاً مستمراً، مفرمة اللحم تعمل”، في إشارة إلى الخسائر الفادحة في ساحة المعركة.

روسيا طلبت ضمانات أمنية ديسمبر 2021

في حديثه في مؤتمر ميونيخ الأمني الافتراضي 19 فبراير (شباط) 2021، قال الرئيس الأميركي جو بايدن إنه يجب على الولايات المتحدة وأوروبا الوقوف ومواجهة التهديد من روسيا “الكرملين يهاجم ديمقراطياتنا ويستخدم الفساد كسلاح لمحاولة تقويض نظام الحكم لدينا. يريد القادة الروس أن يعتقد الناس أن نظامنا أكثر فساداً أو فاسداً مثل نظامهم. لكن العالم يعرف أن هذا ليس صحيحاً، بما في ذلك الروس، مواطني روسيا أنفسهم”.

وأضاف الرئيس بايدن “لهذا السبب يظل الدفاع عن سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها مصدر قلق حيوي لأوروبا والولايات المتحدة. أصبح التعامل مع التهور الروسي واختراق شبكات الكمبيوتر، في الولايات المتحدة وعبر أوروبا والعالم، أمراً بالغ الأهمية لحماية أمننا الجماعي”.

في 15 ديسمبر (كانون الأول) 2021 سلمت موسكو نص اتفاق حول ضمانات أمنية متبادلة للولايات المتحدة، لخفض التوتر على الحدود مع أوكرانيا. وفي اليوم التالي بعثت موسكو نص اتفاق ثان إلى حلف الناتو، ودعت الجانب الأميركي إلى بدء مباحثات بأسرع وقت حول الوثيقتين، محذرة من أن البديل عن الاتفاق هو الانزلاق نحو حرب.

نص الاقتراحان اللذان أطلق عليهما “معاهدة بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن الضمانات الأمنية” و”اتفاق حول تدابير لضمان أمن روسيا والدول الأعضاء” في حلف الناتو، على حظر أي توسع إضافي لحلف الناتو شرقاً ولا سيما بضمه أوكرانيا، وكذلك نشر أسلحة هجومية في الجمهوريات السوفياتية السابقة. ما لبثت واشنطن أن سلمت موسكو رداً مكتوباً رافضة فرض أي حظر على انضمام أوكرانيا إلى الحلف، ولكنها عرضت على موسكو “مساراً دبلوماسياً جاداً” للخروج من الأزمة.

روسيا من جانبها وصفت الرد الأميركي بـ”غير الإيجابي”، وقالت إن الرئيس بوتين يدرس مقترحات الجانب الأميركي وأنه سيرد عليه لاحقاً، في مؤشر على أن مصير الأزمة في أوكرانيا ما زال مفتوحاً على كل الاحتمالات”.

وتمحورت المقترحات الروسية المتعلقة بالضمانات الأمنية، حول ثلاث نقاط رئيسة، أولاً وقف توسع الناتو شرقاً، وثانياً عدم إنشاء قواعد عسكرية للناتو في دول الاتحاد السوفياتي السابقة، وإنهاء تعاونها مع الحلف عسكرياً، وثالثاً الحد من نشر أسلحة هجومية بالقرب من الحدود الروسية وإزالة الأسلحة النووية الأميركية الموجودة في أوروبا.

كيف تطورت الأحداث قبل بدء الهجوم 24 فبراير 2022؟

في حوار مع قناة “سي إن إن” الأميركية، 13 فبراير (شباط) 2022، أعلن جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي، أن هناك تسارعاً في النشاط العسكري الروسي قرب الحدود الأوكرانية.

وذكر سوليفان، أنه لا يمكن تحديد اليوم، الذي ستشن فيه روسيا الهجوم، “قد يحدث ذلك في أية لحظة، بما فيها الأسبوع المقبل قبل نهاية الألعاب الأولمبية (التي جرت على الأراضي الصينية) أو بعدها”، مشدداً على أن “الولايات المتحدة لن تمنح موسكو فرصة لشن هجوم ’مفاجئ‘ على أوكرانيا”.

وأضاف “أميركا ستواصل مشاركة المعلومات الاستخبارية مع أوكرانيا وحلفائها”، مبرزاً أنه “يجب على العالم أن يكون مستعداً للتبريرات التي ستخلقها روسيا قبل شن هجوم على أوكرانيا.

وأوضح مستشار الأمن القومي أن موسكو قامت بهذا الأمر العلم المخادع (False Flag) من قبل عدة مرات”. ويقصد بـ”العلم المخادع” العمليات السرية التي تستخدم التمويه، بحيث يظهر كأن مجموعة خططت وقامت بهذه العمليات غير المجموعة الحقيقية.

وقال إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “قد يعطي الأمر بشن غزو على أوكرانيا في أي وقت الآن”. وكان سوليفان قد أصدر قبل ذلك، تحذيراً للمواطنين الأميركيين في أوكرانيا بضرورة مغادرة البلاد في أقرب وقت ممكن.

من جهته صرح الرئيس الأميركي جو بايدن 19 فبراير، أنه “لدينا سبب للاعتقاد بأن القوات الروسية تعتزم مهاجمة أوكرانيا في الأيام المقبلة”، وإن روسيا تحاول اختلاق “مبرر كاذب” لشن حرب على أوكرانيا.. “أنا واثق من أنه (بوتين) اتخذ القرار”، وفقاً للوكالات الإخبارية. وكان المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية جون كيربي قد أكد حينها، أن الولايات المتحدة تعتقد أن”عملاً عسكرياً كبيراً يمكن أن يحدث في أي يوم الآن”.

وكان كيربي قد أعلن وبتاريخ 28 يناير (كانون الثاني) 2022، أن روسيا حشدت في الساعات الـ24 الماضية، مزيداً من القوات القتالية غرب البلاد وفي بيلاروسيا، وأنها تحشد قوات برية عند حدود أوكرانيا، وبحرية في البحرين المتوسط والأسود والمحيط الأطلسي. وذكرت السفيرة الأميركية الأممية ليندا توماس غرينفيلد في بيان بنفس الفترة الزمنية، أن “أكثر من 100 ألف عسكري روسي منتشرون على الحدود الأوكرانية، وروسيا تمارس أنشطة أخرى مزعزعة للاستقرار تستهدف أوكرانيا، مما يشكل تهديداً واضحاً للأمن والسلم الدوليين ولميثاق الأمم المتحدة”.

وكانت روسيا قد نددت بالـ”هستيريا” الأميركية بعدما أعلنت واشنطن خشيتها من غزو روسي وشيك لأوكرانيا، وبدأت مناورة بحرية شاملة في البحر الأسود 12 فبراير 2022، وفي المحيط الأطلسي والقطب الشمالي والمحيط الهادئ والبحر الأبيض المتوسط، وأيضاً في “المياه والبحار المتاخمة للأراضي الروسية”.

وأعلنت وزارة الدفاع الروسية في ذلك الوقت أنه “أبحرت أكثر من 30 سفينة من أسطول البحر الأسود من سيفاستوبول ونوفوروسيسك بحسب خطة المناورات”. وأوضحت الوزارة أن “هدف المناوراة هو الدفاع عن الواجهة البحرية لشبه جزيرة القرم وقواعد قوات أسطول البحر الأسود إضافة إلى القطاع الاقتصادي في البلاد (…) من تهديدات عسكرية محتملة”.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا، رداً على تصريحات واشنطن التي تفيد بأن غزواً روسياً محتملاً لأوكرانيا بات وشيكاً، على تطبيق “تيليغرام”، “إن هستيريا البيت الأبيض واضحة أكثر من أي وقت مضى. إن الأميركيين بحاجة إلى حرب بأي ثمن، الاستفزازت والمعلومات المضللة والتهديدات هي الطريقة المفضلة لحل المشكلات الخاصة”. كما استنكر السفير الروسي لدى الولايات المتحدة التصريحات الأميركية، وأكد أن روسيا “لن تهاجم أحداً”.

وكانت قد عقدت قمة افتراضية بين الرئيسين الأميركي والروسي في التاسع من ديسمبر (كانون الأول) 2021، ولأكثر من ساعتين، تناولت الوضع حول أوكرانيا وتحرك حلف شمال الأطلسي “الناتو” شرقاً والاستقرار الاستراتيجي والقضايا الثنائية، إضافة إلى ملف الأمن الإقليمي، بما في ذلك الوضع في أفغانستان. ونقلت وكالة “تاس” الروسية حينها، عن بوتين قوله إن المحادثات مع بايدن كانت بناءة ومفتوحة وإيجابية، معرباً عن أمله في أن يكون لدى الجانب الأميركي التقييم ذاته. وانقسم الخبراء الروس والأميركيون في تقييم نتائج القمة، إلا أنهم اتفقوا على أن نجاحها أو إخفاقها يتوقف على ما تشهده الأسابيع المقبلة من تحركات وتطورات على طول الحدود الروسية الأوكرانية.

ساعة الصفر

نهار 21 فبراير 2022، أعلن الكرملين أن الرئيس بوتين سيعترف باستقلال المنطقتين الانفصاليتين في شرق أوكرانيا، وأنه أبلغ كلاً من المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقراره هذا. وجاء في بيان الكرملين يومها، أنه “في المستقبل القريب يعتزم الرئيس توقيع أمر” بالاعتراف باستقلال المنطقتين، مشيراً إلى أن ماكرون وشولتس أعربا لبوتين عن “خيبة أملهما” إزاء القرار خلال محادثات هاتفية بينهما وبين بوتين. وأعرب بوتين خلال اجتماع على الهواء مع مجلس الأمن القومي الروسي، أن مسألة استقلال منطقتي “دونيتسك” و”لوغانسك” مرتبطة بالقضايا الدولية المتعلقة بأوكرانيا. وأشار إلى عدم وجود أفق لاتفاقات “مينسك” في حل النزاع مع أوكرانيا.

على المقلب الأوكراني أعلن زيلينسكي أنه عقد اجتماعاً لكبار مساعديه العسكريين والأمنيين بعدما حض المسؤولون الروس بوتين، على الاعتراف باستقلال المنطقتين الانفصاليتين في أوكرانيا.

وقال زيلينسكي على “تويتر”: “نظراً إلى التصريحات التي صدرت خلال اجتماع مجلس أمن روسيا الاتحادية، أجريت مشاورات عاجلة مع الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني وعقدت اجتماعاً لمجلس الأمن والدفاع القومي”.

وعلى الصعيد الميداني، كان قد كشف تقرير لصحيفة “غارديان” البريطانية، عن أن مناقشات سرية تجري على قدم وساق بين الحلفاء الغربيين، بشأن كيفية تسليح “المقاومة الأوكرانية” في حال حدوث الغزو الروسي المرتقب. ولمح رئيس الوزراء البريطاني حينها بوريس جونسون إلى مثل هذه الخطوة، في الخطاب الذي ألقاه أمام مؤتمر ميونيخ للأمن 19 فبراير، حيث قال إنه “من المصلحة الذاتية الجماعية للغرب أن يفشل أي غزو روسي”، مشدداً على أن “أي غزو سيؤدي إلى جيل من إراقة الدماء والبؤس”، حيث سيخوض الأوكرانيون حملة شرسة لمقاومة القوات الروسية.

ويوم 20 فبراير 2022، حذر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ من أن “كل المؤشرات تدل على أن روسيا تعتزم شن هجوم كامل” على أوكرانيا. وأضاف ستولتنبرغ في مقابلته مع قناة “إيه آر دي” الألمانية “نحن جميعاً متفقون على القول إن خطر وقوع هجوم مرتفع جداً”.

بدوره كان الاتحاد الأوروبي، قد حذر موسكو من الاعتراف بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك من جانب واحد، وتعهد برد فعل قوي إذا اختارت روسيا ذلك. وقال جوزيب بوريل منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي بعد اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد في بروكسل: “نحن مستعدون للرد بجبهة موحدة قوية في حال قرر القيام بذلك”. وأضاف عبارة “أمن أوكرانيا هو أمننا”.

وبلغ التوتر أشده في شرق أوكرانيا مع تسجيل اشتباكات، وطلب انفصاليون موالون لروسيا إجلاء مدنيين نحو الأراضي الروسية، في حين نددت الولايات المتحدة بـ”سيناريو” يقوم على الاستفزازات لتبرير تدخل عسكري روسي. وحذر مسؤول كبير في البيت الأبيض وقتها من أن العقوبات التي ستفرضها الولايات المتحدة وشركاؤها على موسكو، إذا ما قرر الرئيس الروسي بوتين غزو أوكرانيا، ستجعل من روسيا دولة “منبوذة”.

مساء الأربعاء وقبل الهجوم بساعات أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لشبكة “إن بي سي نيوز” إنه يتوقع أن تغزو روسيا أوكرانيا قبل انتهاء الليل لكنه لا يزال يرى فرصة “لتجنب عدوان كبير”.

وأضاف “كل شيء جاهز على ما يبدو كي تشرع روسيا في عدوان كبير على أوكرانيا” مضيفاً أنه لا يستطيع أن يحدد الزمان أو المكان على وجه الدقة. وكان مسؤول دفاعي أميركي كبير قد قال إن الرئيس الروسي جعل 80 في المئة من القوات التي حشدها في وضع يسمح لها بشن غزو شامل لأوكرانيا.

وفي خطاب متلفز فجر الخميس 24 فبراير (شباط) مديراً ظهره للعقوبات، أعلن الرئيس بوتين “عملية عسكرية” في أوكرانيا، وقال إن “روسيا لا يمكنها القبول بالتهديدات الآتية من أوكرانيا”، وقال إنه يريد نزع سلاح أوكرانيا وتخليصها من “النازيين الجدد”، محذراً من أنه في حال حدوث تدخل أجنبي فإن روسيا سترد على الفور.

وبدأ الهجوم قبل ساعات من الفجر بسلسلة هجمات صاروخية على مواقع قرب العاصمة كييف، فضلاً عن استخدام مدفعية بعيدة المدى ضد مدينة خاركيف قرب الحدود الروسية. وسرعان ما انتشر عبر وسط وشرق أوكرانيا حيث هاجمت القوات الروسية أوكرانيا من ثلاث جهات.

وفي الساعات الأولى من نهار 24 فبراير أبلغ الناس في أوديسا ودنيبرو وماريوبول وكراماتورسك عن وقوع انفجارات ضخمة، واستهدف هجوم القوات الروسية البنية التحتية العسكرية في جميع أنحاء أوكرانيا، إضافة إلى عدة مطارات ومنشآت رئيسة أخرى. بدوره وفي خطاب للأمة، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأحكام العرفية في كل أنحاء البلاد، وقال للأوكرانيين “لا داعي للهلع”، مؤكداً أننا “سننتصر”.

Back to top button