أوكرانيا – إسرائيل.. وبالعكس
بقلم: مصطفى أبو لبدة
إرم نيوز –
ميزة الدردشة البحثية مع روبوت الذكاء الاصطناعي أن دمه خفيف، كما بقولون، وباستطاعته أن يلتقط من المناسبات المتجهّمة تفاصيل ومفارقات تستجرّ الابتسامة.
واحدٌ مِنْ أطرف البرامج أو المنصّات الإخبارية التي يمكن أن يطوّرها ويخدمها روبوت الدردشة المبنيّة على الذكاء الاصطناعي، “تشات جي بي تي”، وهو يجيب عن مختلف أسئلة المستخدمين، قد يكون برنامج “حدث في مثل هذا اليوم”، ففي مثل هذا البرنامج، يمكن للذكاء الصناعي أن يستحضر من تزامن وتعاقب الأحداث ما يبثُّ في الوعي السياسي للباحثين متعة الاكتشاف الصادم.
مثلاً، لو دخلتَ اليوم في دردشة بحثية على النت مع روبوت الذكاء الاصطناعي، وسألته: “ماذا حدث في مثل هذا اليوم؟” فإن جوابه سيأتيك حاشداً مطوّلاً وربما مفتوحاً على مستجدات سياسية تتوالى. سيمنح الأولوية في الأهمية، بالتأكيد، لذكرى نشوب الحرب في أوكرانيا، جاعلاً من الشرق الأوسط، وتحديداً من إسرائيل تحت حكومة ائتلاف اليمين المتطرف، شريكاً في قوة اختطاف الكاميرا.
سيجيبك التطبيق الذكي بالذي يعرفه الجميع، وهو أنه قبل سنة من الآن، وتحديداً في 24 شباط 2022، أعطى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إشارة بدء عملية عسكرية في أوكرانيا، وعلّلها بمجموعة دواعٍ تهون دون جرم الاحتلال، أو كابوس الإبادة المتبادلة بالنووي.
وسيضيف لك الذكاء الاصطناعي أن قرار الغزو الروسي لأوكرانيا، العام الماضي، لم يأت مفاجئاً لأحد ممن يعنيهم الأمر، حيث كلهم كانوا يتوقعونه منذ ثماني سنوات، عندما حصل في أوكرانيا شيء يشبه إلى حد كبير ما يجري في إسرائيل الآن..
سيسترجع لك البرنامج أنه في نهايات فبراير 2014 كان البرلمان الأوكراني يجترح تعديلات دستورية عزل فيها رئيس الدولة، لا تختلف في نهجها الانقلابي عن ترتيبات الإصلاح القضائي التي تعمل لها حكومة بنيامين نتنياهو الإسرائيلية، والتي في مآلاتها الإجرائية تُغيّر هوية الدولة وتفتح مع الداخل الفلسطيني ومع دول الجوار تاريخاً جديداً مُشْرعا على الفوضى والحسابات المتفجرة.
حتى لو لم يسرد عليك روبوت الذكاء الاصطناعي التفاصيل الأخرى مما تداعى في أوكرانيا بعد التعديلات الدستورية (فبراير 2014)، مِن تطورات شملت احتلال روسيا للقرم، ثم توصيل الممثل الكوميدي فولوديمير زيلنسكي لرئاسة الدولة، فهي تبقى تفاصيل معروفة، من زاوية أنها كانت الفاصل الزمني الذي يسبق حرباً حتمية كان بعض ذوي الخبرة يتوقعها عام 2025، لكنها جاءت مبكرة ثلاث سنوات.
في أكثر من لقطة من مناسبة ختام السنة الأولى من حرب أوكرانيا، هذا الأسبوع، كان الشرق الأوسط حاضراً بقوة، إما للتذكير المأساوي بالحروب التي لا تنتهي، أو للتساؤل عمن سيكون عليه الدور بعد أوكرانيا، في هذا الزلزال الأممي المتنقل.
وقد لا يقصّر روبوت الذكاء الاصطناعي في الإشارة التذكيرية بأن بين أوكرانيا وإسرائيل خصوصيات في العلاقة تتجاوز أن الرئيس في كلّ منهما يهودي، وأن أوكرانيا هي البلد الوحيد في العالم الذي كان حصل فيه اليهود على الحكم الذاتي، كونهم شكلوا بين الحربين العالميتين الأولى والثانية حوالي ثلث السكان الحضر في أوكرانيا التي تعتبر خميرة اليهود الخزر (الأتراك)، والأشكناز الذين من بينهم رواد الحركة الصهيونية وبناة الدولة العبرية مثل فلاديمير جابوتنسكي وغولدا مائير.
ميزة الدردشة البحثية مع روبوت الذكاء الاصطناعي أن دمه خفيف، كما بقولون، وباستطاعته أن يلتقط من المناسبات المتجهّمة تفاصيل ومفارقات تستجرّ الابتسامة.
في استذكاره ما حدث هذا الأسبوع، في الذكرى السنوية الأولى لحرب أوكرانيا، على الأرجح أن يشير استقصاء الروبوت الموسوعي إلى أن الرئيس الروسي، بالإضافة لأشياء عديدة معروفة، يجيد نحت الأوصاف المتعددة الطبقات، فهو في الخطاب السنوي الذي جرى توقيته مع الذكرى الأولى لغزو أوكرانيا، تعهد بمواصلة هذا الهجوم بشكل “منهجي”.
كان تعبير الهجوم المنهجي مُحكماً بما يكفي لتعميم الانطباع بأنها حربٌ يمكن أن تطول أكثر مما كان متوقعاً، وأنها بالتأكيد تتضمن الخيار النووي ما دامت روسيا تواجه خطراً وجودياً يستحيل معه قبول الهزيمة في أرض المعركة.
في أكثر من لقطة من مناسبة ختام السنة الأولى من حرب أوكرانيا، هذا الأسبوع، كان الشرق الأوسط حاضراً بقوة، إما للتذكير المأساوي بالحروب التي لا تنتهي، أو للتساؤل عمن سيكون عليه الدور بعد أوكرانيا، في هذا الزلزال الأممي المتنقل.
واحدة منها كانت لقطة الرئيس الأمريكي جو بايدن وهو يجرّ رجليه في باحة قصر الحُكم في كييف، ضمن رحلة سرّية طالت 40 ساعة. كانت السريّة بالنسبة للكثيرين نكتة استعراضية غير مضحكة، فقد ذكّرت العالم بحادثين مماثلين كان فيهما الرئيسان السابقان جورج بوش الابن وباراك أوباما، زارا العراق وأفغانستان سرّاً أثناء الحرب، واستعرضا هناك استعداد واشنطن لخوض ورعاية حروب من النوع الذي يفرّخ أخريات.
لقطة أخرى من مناسبة ختام العام الأول من حرب أوكرانيا، مارست فيها واشنطن وموسكو قدرتهما على التنكيت في المناسبات العابسة، وكانت فيها إسرائيل موضوع المحارشة.
لا داعي للدردشة مع روبوت الذكاء الصناعي في موضوع التخصيب النووي في إيران، فهو يبدو مستحقّا ومستكملا موجباته.
يوم الخميس الماضي، وقبل ساعات من وصول وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين إلى كييف، في زيارة هي الأولى لمسؤول إسرائيلي كبير لأوكرانيا منذ الحرب، حاولت نائبة وزير الخارجية الأمريكي فيكتوريا نولاند، أن تخفّف دمها في موضوع لم يكن يحتمل، فقالت إن بلادها مستعدة لمنح بنيامين نتنياهو جائزة نوبل للسلام، إذا أقنع الرئيس الروسي بوقف حربه على أوكرانيا.
ولم ينقض وقت يُذكر، حتى جاءها الردّ بتدوينة على تلغرام من المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، تقول فيها: “فيكتوريا، أعتقدُ أنه سيكون أفضل أن تُمنح الجائزة لنتنياهو ليس لوقف الحرب في أوكرانيا، وإنما لتسوية النزاع في الشرق الأوسط، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.. أم أن ذلك غير واردٍ بالمرة؟”.
أكثر من ذلك، فقد ترافقت الغمزة الروسية من نتنياهو وإسرائيل، مع تثبيت لقرار موسكو إغلاق مكتب الوكالة اليهودية في روسيا، مسبوقا بزيارة بوتين لإيران ورفع العلاقات بينهما إلى مشارف الاستراتيجية، ومع ما يتصل بكل ذلك من تغييرات مرجحة في النهج البراغماتي الذي طبع العلاقات بينهما في الأجواء السورية وسمح لإسرائيل بأن تُشرّق وتغرّب في تهديدها لإيران.
في العام الأول من حرب أوكرانيا الأممية، دفعت منطقة الشرق الأوسط أثمانا موجعة في مختلف معايير الاستقرار الاقتصادي والسياسي. وطوال هذا العام المنتهي لم يتوقف التكهن بأن شرق المتوسط هو الأزمة الدولية الكبرى التي ستفرّخها الحرب الأوكرانية، لكنه بقي مجرد تكهن، إلى أن عاد نتنياهو إلى السلطة في اسرائيل على رأس ائتلاف يقامر بالرصيد كله؛ واشنطن غير راضية عنه، لكن موسكو ترى فيه الوجه الأصلي لأوكرانيا، وبالتالي فإن غلطته ستكون بألف.
نقطة الاختبار الحرجة لهذه المعادلة المختلة جاءت يوم الأحد الماضي عندما تم الكشف عن ان إيران وصلت في نسبة التخصيب إلى 84%، وهي معلومة إن صحت فإنها تعني أن هامش المناورة أمام إسرائيل بات ضيقا، ما يعني بالتبعية أن السنة الثانية من حرب أوكرانيا لها في الشرق الأوسط فضاء لا يحتمل إساءة الحسابات.