“صُنع في الصين”!
بقلم: فارس خشان
النشرة الدولية –
بعد سنة على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، دخلت الصين على “خط الوساطة”، في محاولة منها لوضع حدّ لحرب غيّرت الواقع الجيو سياسي في العالم.
التوقعات بفشل المساعي الصينية كثيرة، لكنّ رغبة موسكو بإبقاء “تحالفها الأبدي” مع بكين، في مقابل رغبة كييف في جذب القيادة الصينيّة الى موقع وسطي، في ظلّ تطلّع أوروبي الى كسر “الحلقة الجهنّمية”، من شأنها أن تُحدث مفاجأة لا يغامر الخبراء في الحديث عنها.
وبعد سنة على اندلاع الحرب باتت الصين تملك مصلحة أكيدة في إرساء سلام-ولو مؤقت-إذ إنّ حليفها الروسي، إذا ثابر على المنهجية الحالية التي تستنزفه، سوف يصبح في المستقبل عبئًا عليها، وهي التي طالما أرادته سندًا لها في انتزاع الزعامة العالمية من الولايات المتحدة الأميركية، كما أنّ الإتحاد الأوروبي التي طالما “استمالته”، سوف يجد نفسه ملحقًا كليًّا بمنافسها الأميركي، الأمر الذي سوف يضعف موقف “اللا إنحياز” الذي تتّخذه “دول الجنوب”، خصوصًا وأنّ “شعبيّة” روسيا تتآكل في العالم، بدليل حفنة الدول التي صوّتت الى جانبها في الجمعية العمومية للأمم المتّحدة أخيرًا، في مقابل الدفق الذي صوّت ضدّها.
وتدرك الصين أنّ أكبر المستفيدين من الحرب الروسية على أوكرانيا حتى تاريخه، هي الولايات المتحدة الأميركية التي أعادت نفسها الى موقع زعامة العالم، بعد التقهقر الذي لحق بصورتها، في ضوء الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، وبعد تصليب “حلف شمال الأطلسي” على إثر التفسّخات التي كانت أصابته، وارتفاع جاذبيّته حتى في أكثر الدول حياديّة في العالم كما أظهرت ذلك السويد وفنلندا.
كما يعي “التنّين الصيني” أنّ الولايات المتحدة الأميركية قادرة في رعايتها لأوكرانيا على أن تُلحق أضرارًا فادحة بصورة بكين ومصالحها، لأنّ مواجهة الحرب الروسيّة بالنسبة لأوروبا هي استراتيجيّة وليست تكتيكيّة، فالمسألة بالنسبة للقارة العجوز هي مسألة وجوديّة أكثر منها مسألة نفعيّة، بدليل أنّ الرأي العام الأوروبي، على الرغم من الخسائر الاقتصادية والحياتية والمالية التي يتكبّدها، لا يزال، بعد سنة من الحرب، مناصرًا، بالزخم نفسه لما كان عليه في اليوم الأوّل من الغزو الروسي، لأوكرانيا وصمودها ومقاومتها.
ولكن هل الوقت مناسب فعلًا لمثل هذه المبادرة؟
من الواضح أنّ الدعايتين الروسيّة والغربية القائمتين على “الرغبات” سقطتا، فلا أوكرانيا استسلمت ولا جيشها انقلب على قيادته السياسيّة، ولا “حلف شمال الأطلسي” تقهقر وابتعد عن الحدود الروسيّة، ولا الشعوب الأوروبية ثارت على حكوماتها، ولا البرد اجتاح الدول التي حرمتها روسيا غازها وقاطعت هي نفطها، وفي المقابل تعب الغرب من تصنيع الأسلحة والذخائر المخصصة لأوكرانيا إذ إنّ الحاجة تفوق القدرة، من دون أن تفقد موسكو قوّتها النارية الهائلة بعدما حوّلت صناعتها الى خدمة المجهود العسكري، ولا اقتصادها انهار تحت وطأة العقوبات الغربيّة، ولا شعبها الممسوك ثار على قيادته “الحديديّة”.
وهذا يعني أنّ الغرب وروسيا يدخلان الى العام الثاني من الحرب، بمعطيات إيجابية وسلبية متكافئة، ممّا يسمح بإطالة أمد الحرب طويلًا جدّا، وهذا ما يتناقض مع مصالح الدول التي تجد نفسها “ضحيّة جانبيّة”، إذ إنّها تغرق، من دون أيّ مسوّغ مشروع، في مشاكل اقتصادية واجتماعية وحياتية ضخمة.
وباسم “الضحايا الجانبيّين” الذين يشكّلون مصلحة استراتيجيّة لبكين، تتحرّك الصين، في محاولة منها لوضع حدّ لهذه الحرب.
ولكن حتى تاريخه، لا تراعي النقاط الإثنتي عشرة التي تتضمّنها مبادرة السلام الصينيّة لا الشروط الروسية ولا المطالب الأوكرانيّة، إذ إنّ الضبابية تميّزها.
ومن أجل إجلاء هذه الضبابيّة، سوف تدخل أكثر من دولة صديقة لروسيا وأوكرانيا على الخط، ولهذا بعد أن يتوجه رئيس بيلا روسيا الى بكين سوف ينتقل إليها الرئيس الفرنسي الأكثر اندفاعًا لإيجاد سلام “يوازن بين حقوق أوكرانيا وكرامة روسيا”.
مهمة إحلال السلام في أوكرانيا شاقة، ولكنّ فيها مصلحة أكيدة لغالبيّة دول العالم التي تجد نفسها تتكبّد الغرم ولا تنعم بالغُنم!