على لبنان أن يكون بلد الإنحياز بإمتياز
بقلم: النائب الياس جرادي
النشرة الدولية –
كلمة النائب الياس جرادي في مؤتمر مناقشة وثيقة لقاء الهوية والسيادة في بكركي، بحضور غبطة البطريرك الراعي والسادة النوّاب وممثلين عن القوى السياسية والمجتمعية:
” سلام الحوار للجميع، وشكرًا لأصحاب الدعوة وكل التقدير لجهود المبادرين، فما أحوجنا لمبادرات تحثنا على التلاقي وتجمعنا على الحوار، وتؤكّد الأمال بإمكانية التماهي حيث نتلاقى، ونقبل التمايز والإختلاف دون أن يفسد ذلك في الودّ قضية.
نشكر غبطة البطريرك على استضافته الكريمة لهذا المؤتمر الجامع، وهي خطوة غير مستغربة يحتضنها هذا الصرح وتمتدّ على مستوى الوطن، نتمنّاها أن تكون مقدّمة لحلقات متمّمة لحوارات أساسية مقبلة.
إن مشاركتنا اليوم، تعود لقناعتنا الراسخة بأهمية الحوار الديمقراطي كسبيل للنهوض وللتعافي ولبناء مستقبل آمن ومستقر لمجتمعنا، فمن خلاله نبحث معًا عن مخارج لأزماتنا في إطار دولة نعتبرها محدّدة المعالم الجغرافية وممتدّى على 10452 كيلومتر مربّع، وهي غير قابلة للتفكّك، دولة قوية بمركزيتها السيادية وبلامركزيتها الإدارية.
على أهمية هذه المبادرة، لا يجب أن يغيب عن بالنا ضرورة الحوار عبر المؤسسات الرسميّة ووفقًا للآليات الدستورية الواجب اعتمادها. فيجب الوج إلى كنف الدولة أولا، ثم الارتقاء بالدستور وتطويره من خلال المؤسسات وليس على جثث الناس وجوع الناس.
بالنسبة لنا، على الرغم من كل التجارب والحروب والإخفاقات، لبنان عصيّ عن الموت… لكنه وطن بلا دولة، والدولة التي نريدها يجب أن تكون قابلة للحياة وتؤسّس لمجتمع أكثر إنسانية، هي دولة المواطنة.
لذلك على لبنان أن يكون بلد الإنحياز بإمتياز، حيث لا مجال للحياد عن قضايا الحق والإنسانية. إنحيازٌ بلا مواربة، فلا يمكن لدولتنا أن تكون شيطانًا أخرسًا، ⁰لأننا أتينا كي نشهد بالحق وله، ومن هنا نتمنّى على غبطة البطريرك أن يوعز للقيمين على الكنيسة من أجل اعتبار الإنساني آرون بوشنل أيقونة الكنيسة المشرقيّة، وأن تقام له القداديس التي تتبنّى موقفه الإنساني الذي تخطّى أبعاد العقائد والجغرافيا، وهذا هو صلب عقيدتنا.
لا يجب أن يمنعنا خوفنا من تبنّي الإنسانية موقفًا لا حياد فيه، فالإنتماء الإنساني هو فوق كل شيء ويجب أن يكون واضح المعالم.
أما الحياد السياسي والعسكري، فخوفي أن يكون قد سبق السيف العذل.
لأننا نعتقد بضرورة التخلّص من الطائفية، توقفنا أمام ما طرحته الوثيقة لناحية تشكيل مجلس الشيوخ، فالآلية الطائفية المتّبعة تعزّز لدينا المخاوف من ابقاء مجتمعنا ” قبائل لتتناحر” ما يزيد الإنقسام ويرفع من حدّة الصراع والفرز الطائفيين. والأمر عينه يمتدّ على تقسيم الدوائر الإنتخابية.
كي نختصر، إن الإصلاح برأينا ينطلق من خلال العمل على ثلاث قضايا مركزية:
– إنتظام عمل مجلس النوّاب وفقًا للآلية الدستورية وخارج مفاعيل المحاصصة.
– قانون الإنتخابات النيابية من خارج القيد الطائفي وبالتدرّج.
– تعميق نزاهة واستقلالية القضاء.
سنكتفي خلال الوقت المتبقي لنا بتقديم اقتراحنا لرؤيتنا حول نظام انتخابي.
رؤية لنظام انتخابي على أساس المواطنة خارج القيد الطائفي
1- ما هو الهدف من إيجاد نظام انتخابي لاطائفي؟
الهدف من إيجاد نظام انتخابي خارج القيد الطائفي هو الوصول إلى دولة المواطَنة وتحديث الدستور اللبناني تحقيقاً لهذا الهدف، فالوصول إلى ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا عبْر مجلس نواب مُنتخب على أساس وطني غير طائفي لأن خيارنا هو عدم الوصول إلى هذا الهدف من الصراعات ومُعاناة الناس وأوجاعهم كما حصل في حقبات سابقة عند تطوير النظام الدستوري اللبناني نتيجة للحروب والنزاعات الداخليّة.
2- ألا يمكن تحقيق هذا الهدف من خلال النظام الإنتخابي الطائفي حالياً ؟
كلا ، لأن المشهدية الحالية لمجلس النواب هي مشهدية غالب ومغلوب واستقواء وتوزيع طائفي تحكمه المصالح الفئوية لا المُنطلقات الوطنية.
3- كيف يمكن إيجاد هذا النظام الإنتخابي؟ وما هي صيغته؟
إن هذا النظام الإنتخابي لا يمكن أن يتحقَّق إلا بالتدرُّج، وإن رؤيتنا هي في أن يكون هذا التدرُّج على ثلاث دروات إنتخابية كالتالي:
– في الدورة الإنتخابية الأولى: يُنتخَب ثُلثَيْ عدد النواب وفق النظام والتوزيع الإنتخابي الطائفي الحالي ، أما الثلث الآخر فيتم انتخابه على قاعدة تبادُليّة مفادها أن الناخب المسلم ينتخب النائب المسيحي والناخب المسيحي ينتخِب النائب المسلم.
– في الدورة الإنتخابية الثانية: يُنتخَب ثُلث عدد النواب وفق النظام والتوزيع الإنتخابي الطائفي الحالي أما الثلثَيْن الآخرَيْن فيتم انتخابهم على أساس القاعدة التبادُليّة أعلاه بحيث أن الناخب المسلم ينتخب النائب المسيحي والناخب المسيحي ينتخِب النائب المسلم.
– في الدورة الإنتخابية الثالثة: يُنتخَب جميع النواب المسيحيِّيْن من الناخبِيْن المسلمين وجميع النواب المسلمين من الناخبِيْن المسيحيِّيْن، ويتولّى هذا المجلس وضع دستور جديد للبنان قائم على أساس المواطنة واللاطائفية.
وبعدها يتم انتخاب النواب بدون أي قيد طائفي إذ أن اعتماد التدرُّج المذكور أعلاه هو لمرّة واحدة فقط وليس لإنشاء عرف بهذا الشأن.
4- لماذا اعتماد التدرُّج في هذا النظام ولا يكون اعتماده دفعة واحدة ؟
لأن الوصول إلى مجلس نواب على أساس وطني لاطائفي يحتاج إلى خطة وآلية ذات جدوى تُحقِّق ذلك فعلياً وليس صورياً، فإقرار هذا النظام دفعة واحدة من شأنه إتاحة الاستقواء بالعددية أي استخدام الديمقراطية خارج الطائفية كمطية لكي تسعى كل طائفة للحصول على أكبر عدد من النواب تبعاً لفائض أعداد الناخبِيْن المنتمِيْن إليها، فأغلبية من يطرحون لبنان دائرة انتخابية واحدة خارج القيد الطائفي حالياً ينظرون فقط إلى فائض أصوات ممكن استخدامه للوصول إلى عدد نواب أكثر وبالمقابل فإن الطوائف التي تشعر بأن لديها نقص بالأعداد تجد في هذه الصيغة ما يُهدِّد وجودها وتمثيلها وهي ترفضها كي لا تندثر في بحر من القبائل الطائفية، أما اعتماد التدرُّج فيحدّ من تأثير العددية على التمثيل كونه يُراعي التوزيع الطائفي الحالي إلى جانب النظام التبادُلي الجديد بصورة مُتدرِّجة.
كذلك فإن هذا التدرُّج من شأنه إعطاء فترة للناخب لاستساغة وتقبُّل فكرة اللاطائفية والإعتدال وأيضاً إعطاء فترة للمرشح ليكون سلوكه وطني لاطائفي والتكلُّم بخطاب جامع ومعتدل.
5- ما هي نتائج هذا النظام الإنتخابي؟
الوصول إلى مجلس نواب صفته الاعتدال لان النائب منذ ترشُّحه يكون قد بنى مواقفه على ما يقبله الطرف الآخر أما الناخب فيجد ما يحثّه على تأييد الصوت الوطني المعتدل والجامع ، وهو ما يحدّ من السلوكيات الطائفية للمرشح والناخب، وإن كل ذلك يُمكِّننا بعد ثمانية سنوات من اعتماد هذا النظام، أي في الدورة الإنتخابية الثالثة، من الوصول إلى دستور جديد قائم على أساس وطني لاطائفي يضَعه أشخاص موثوقون ومسؤولون لاطائفيّون ومقبولون من كل الشعب اللبناني