الصراع مع أبو أحمد
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

يتساءل صديقنا أبو أحمد: هل من الممكن لأي جندي، في أي جيش، ألّا يعلم لماذا يحارب؟

والجواب رأيناه، في أكثر الجيوش تخلفاً، خلال احتلال الكويت! وفي أكثر الجيوش تقدماً، خلال حرب تحرير الكويت، حيث وجدنا أن العسكر، وأغلبيتهم دون الخامسة والعشرين، لا علم لدى أغلبيتهم لماذا يحاربون، ولم يكن لأي جيش، بحسب علمي، وقت لتوجيه جنوده، ورفع معنوياتهم و«شرح» أسباب ومبررات القتال لهم!

يستطرد صديقنا في تساؤلاته عن سبب قيام أميركا باحتلال الدول والهجوم والضرب في جميع بقاع العالم منذ قرن من الزمن، بادعاء الدفاع عن أمنها القومي، بآلاف الكيلومترات عن حدودها؟

ولا أدري ما علاقة القرب والبعد بأمن دولة عظمى، فإن انطلقت القاعدة مثلاً من القطب الجنوبي، فلا شيء يمنع من ضربها حتى لو كانت بعيدة بمئة ألف كلم.

***

كل من يحاول التبرير أو الدفاع عن تصرفات وحروب الدول العظمى سيفشل في مهمته، فالحروب أصلاً لا أخلاقية، ولكنها تصبح ضرورية، إذا كانت ستمنع ضرراً أكبر، مثل تدخل أميركا في الحرب العالمية الثانية، حيث وضعت حداً لأطماع قاتل دموي مثل هتلر.

كما أن إلقاء أميركا قنبلتين نوويتين على اليابان في الحرب الثانية كان جريمة، ولكن يبرره البعض بأنه أنقذ أرواح يابانيين أكثر من غيرهم، والذين كانوا سيموتون في الحرب التقليدية. كما أن حرب تحرير الكويت ما كانت لتتم بحجة بُعد الكويت، حيث إنها بعيدة عن أميركا بعشرة آلاف كلم.

***

لدى الكثير تخوّفات من قرارات الرئيس الروسي بوتين، فالشفافية شبه معدومة في الإدارة الروسية، وقد يكون تخوفها من استمرار التمدّد الغربي مشروعاً، ولكن لا شيء من هذا يبرّر إعلان الحرب على أوكرانيا، ومحوها دولة مستقلة من الوجود، خلاف إرادة شعبها.

ماذا كانت نتيجة القرار الروسي الفردي؟ دماراً وقتلى بعشرات الآلاف وحرق مدن، وملايين اللاجئين، واستمرار الفشل، مع بداية السنة الثانية، في تحقيق أي من أهداف الحرب المعلنة، التي توقعت لها القيادة الروسية أن تنتهي خلال بضعة أسابيع!

***

لا أعتقد أن وجود روسيا، كدولة عظمى، كان يوماً محل نقاش في فكر أو عقل أي عاقل في الغرب، ولكن روسيا التوسعية كانت في بال الجميع. فقد كانت دولة استعمارية سيئة طوال فترة الحرب الباردة، التي امتدت من بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حتى سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1990، عندما رأينا كم الابتهاج، الذي عمّ كل الجمهوريات السوفيتية السابقة، وهي تعلن استقلالها. ولا ننسَ في هذه العُجالة ربيع براغ الدموي، وغزو واحتلال أفغانستان، والانسحاب بخزي، وغزو الشيشان، إلى آخر ذلك.

إن ما نكنه من حب واحترام لأميركا والغرب يعود في جزء منه لدورهما في تحرير وطننا، ولكن هذا الاحترام للقيم والثقافة الغربية كان معي منذ وعيت. ولم يمنعني هذا الإعجاب من إدانة ما مثلته الغطرسة الأميركية من سوء وإجرام في أكثر من بقعة في العالم! ولكن من كان منكم بلا خطيئة، فليرجمها بحجر. فشهوة الهيمنة على الآخرين واحتلال دولهم واستعباد شعوبهم كانت دأب كل القوى تقريباً، وما منع هذه الدولة أو تلك من التوسّع إلا خشيتها من قوة الآخر، وليست هناك دولة استعمارية توسعية أفضل من غيرها، لكن لو خيّرت بين أن أُحكم من نظام غربي مقارنة بنظام روسي، لما ترددت في اختيار الغرب لاعتبارات عدة معروفة.

من الحكمة، في عالم متغيّر لا صداقات دائمة فيه، ألا نضع بيضنا في سلة واحدة، وبالتالي لست في وارد معاداة روسيا أو غيرها، من أجل عيون أميركا، لكن الأفضلية أمامي واضحة، إن خُيّرت، فحريتي في القول والتنقل والتصرف مسألة أساسية، وهذه لا يمكن أن تتوافر في دولة يحكمها نظام فرد، لا حدود لسلطته.

زر الذهاب إلى الأعلى