المرأة العربيّة والتحدّيات… استراتيجيّة حضور
بقلم: د. ليليان قربان عقل
النشرة الدولية –
النهار العربي –
في مناسبة يوم المرأة العالمي نسلّط الضوء على الفكر النسوي العربي وتحدّياته لكسر القيود الموروثة التي أعاقت تقدّم المرأة العربيّة أو أخّرته في معركتها اليوميّة لإحداث تغيير في المفاهيم الموروثة ببعدها الثقافي والاجتماعي.
إنّ أبرز التحدّيات التي تُواجه الفكر النسوي العربي اليوم وبالرغم من التقدّم الذي شهده وضع المرأة العربية، يمكن اختصارها بالتالي:
الإنطلاق من الواقع لتغييره:
في وقت تقدّمت المرأة العربيّة في تحديد الأطر الفكريّة لثقافة مجتمعاتها وتاريخها، فانتصرت على المعوقات التي تكبّل فكرها وتُعيق حركته وعزّزت دورها الثقافي والاجتماعي والاقتصادي بتأكيدها جدارتها وأهمّيتها في المشاركة في الحقوق المواطنيّة المشروعة لها، يبقى الحضور النسوي في مجال السّياسة والفكر والعلاقات الدوليّة محصوراً ويتطلّب جهداً مضاعفاً لتفعيل العديد من القوانين المتعلّقة بحقوق المرأة السياسيّة لإنتاج واقعٍ جديدٍ وتوظيفه لطرح رؤية تغييريّة نهضويّة تسعى لتوفير بيئة عادلة ينطلقُ منها الفكر النسوي المعاصر لبناء شراكة مع الرجل في مراكز القرار وفق معايير مبنيّة على الكفاءة، وذلك لتمكين المرأة وتعزيز ثقتها بنفسها وبدورها من خلال تنفيذ كل تلك الاتّفاقيّات التي وُضعت للنهوض بأوضاع المرأة وتأمين حقوقها.
تفعيل دور المرأة من أجل تمكينها:
وضع خطّة متكاملة من أجل العمل على إنتاج رموز ثقافيّة جديدة تساهم في طرح رؤية حديثة لقضايا كتبت فيها المرأة العربيّة وتستلزم معالجتها بفكرٍ حرٍ متمسّكٍ بأنوثته وتقاليده ومنفتحٍ على كلّ جديد، يختار منه ما يتلاءم مع طبيعته وينتفض على كلّ القيود الاجتماعيّة الموروثة التي حدّت من إبداعه وقولبت عطاءاته وفق مقاييس ذكوريّة.
مواكبة الحداثة برؤية نهضويّة:
تؤسّس لصورة نمطيّة مختلفة لامرأة عصريّة بفكرها النهضوي الذي يفعّل وجودها ويستفيد ممّا قدّمته التكنولوجيا والعلمنة خدمةً لأهداف مُجتمعية تتناسب مع متطلّبات النمو الذي يحترم خصوصيّة كل بيئة وحاجتها إلى التغيير الإيجابي بمسؤوليّة ترجّح العقل على الانفعال لتطبيق كل تلك الشعارات التي طالبت بحقوق المرأة وحريّتها.
تفعيل دور الإعلام العربي:
وضع استراتيجيّة جديدة تأخذ في الاعتبار أهميّة إخراج صورة المرأة من أدوارها التقليديّة وإبراز قدرة الفكر النسوي على العطاء ضمن علاقة تكامليّة بين الرجل والمرأة حيث يؤدي الإعلام دوراً كبيراً في إظهار المرأة كلاعبٍ أساسي في حمل القضايا الوطنيّة بالتزام ومسؤوليّة. في ضوء الواقع العربي اليوم وفي ظلّ العولمة التي تسعى من خلال الفضائيّات وشبكات المعلومات إلى توحيد العالم من خلال تنميط الأذواق وبرمجة البشر في منظومة ثقافيّة ترسّخ النزعة الاستهلاكيّة، تبرز الحاجة إلى تحديد صورة نمطيّة جديدة للمرأة العربيّة تلتزم الأطر الفكريّة لمجتمعاتها وتتماشى مع متطلّبات العصر لتساهم في خلق خصوصيّة لها تنسجم مع واقعها وتحمل قضاياه بالتزام ووعي ثقافي ومجتمعي، وذلك بوضع سياسات إعلاميّة خاصّة من خلال القيادات النسائيّة لتعديل القوانين والتشريعات التي تعيق تطوّر المرأة العربيّة.
ينبثق الفكر النسوي من تراكم أدبيّات نسائيّة وغير نسائيّة حملت طروحات فلسفيّة بشأن تحرّر المرأة أو تحريرها وتحقيق المساواة في الحقوق والممارسة في سبيل قيام الديموقراطيّة كأسس لنهضة المجتمع وتقدّمه من خلال إشراك الحركات النسويّة العربيّة في مسيرة تحرّرية واحدة تجتهد لتوحيد الرؤية النهضويّة في هذا النضال من أجل تحقيق العدالة لاستثمار كلّ الطاقات الاجتماعيّة.
حملت المرأة فكرها في كتاباتها، فحاولت من خلالها أن تكسر قيود الجهل والتبعيّة وذلك لتحسين ظروف حياتها وللتأكيد على إنسانيّتها.
وإن كانت المرأة العربيّة حقّقت في مسيرتها النضاليّة الكثير من الإنجازات لتفعيل دورها والعمل على استدامة مشاركتها والتغلّب على معوقاتها، لكنّها لا تزال تواجه تحدّيات فكريّة وتناضل من أجل تفعيل دورها القيادي من خلال قلمٍ تعبّر فيه عن ذاتها وعن كلّ امرأة عانت ضمن واقعها الاجتماعي والثقافي الذي فصّله لها الرجل على مقياسٍ يتناسبُ مع سلطته الذكوريّة، ولا تزال المرأة الكاتبة تكتب وجعها وقضاياها للتحرّر من تبعيّة الظلّ أو من ظلّ التبعيّة المقيّد بالمعتقدات وما أحرزته من قيود اجتماعيّة ارتدت عباءة التقاليد وعاداتها.
*دكتوراه في علوم الإعلام والإتصال