سليمان فرنجيّة أو الفوضى؟!
بقلم: فارس خشان

النشرة الدولية –

في لبنان، هناك عبارات أشبه بكلمة السر، بمجرّد أن تُلفظ حتى تسارع الذاكرة إلى إحياء محطات منسيّة و”ينجرف” المراقب الى “استشراف” قرارات دراماتيكيّة.

أحدث هذه العبارات أطلقها رئيس حزب “القوات اللبنانيّة” سمير جعجع، أمس عندما قال:” إنّ معادلة مخايل الضاهر او الفوضى في العام 1988 أعيدت عبر كلام الامين العام لحزب الله حسن نصرالله، عبر معادلة رئيس تيار المردة سليمان فرنجية او الفوضى”.

كانت معادلة العام 1988 بصياغة “أميركيّة”، إذ جرى الاتفاق عليها مع سوريا وأتباعها اللبنانيّين. معادلة العام 1988 أتت، وفق مدلولات موقف جعجع، بصياغة أتباع إيران اللبنانيّين، بعد الاتفاق عليها مع فرنسا.

في العام 1988، انقلب سمير جعجع نفسه، بصفته قائد “القوات اللبنانيّة” بالإتفاق مع العماد ميشال عون بصفته قائد الجيش، على معادلة “مخايل الضاهر أو الفوضى”، وفق ما سمّي في حينه ب”تفاهم اليرزة”، الأمر الذي أدّى، بالنتيجة، إلى اضطرار أمين الجميل بصفته رئيس الجمهوريّة على تعيين حكومة عسكريّة برئاسة عون.

وعليه، إذا كان نصرالله قد أعاد اللحظة السياسيّة، وفق قراءة جعجع، إلى العام 1988، فهل يمكن أن يعود جعجع نفسه الى “الدواء” نفسه، أي التفاهم مع عون على “قلب الطاولة” ضد بعض الداخل وبعض الخارج؟

في العام 2016، حين أخذ ترشيح سليمان فرنجيّة مداه الداخلي والخارجي، لم يجد جعجع سوى “دواء” العام 1988، فكان “تفاهم معراب” الذي فتح الطريق أمام وصول العماد ميشال عون ثانيةً، إلى القصر الجمهوري، ولكن هذه المرّة ليس بصفة رئيس حكومة عسكريّة انتقاليّة بل بصفته رئيس الجمهوريّة.

 

وفي العام 2023، وبما أنّ المعادلة تستولد نفسها، هل يعيد جعجع السير على الطريق الذي كان قد سار عليه في المرّتين السابقتين؟

الجواب المنطقي الذي يسارع الكثيرون الى تقديمه يفيد باستحالة ذلك، على اعتبار أنّ “من جرّب المجرّب عقله مخرّب”، ولكن لماذا لم تصح هذه الحكمة في العام 2016، بعد الكوارث التي أنتجتها تجربة العام 1988 بعدما أدخلت اللبنانيّين عمومًا والمسيحيّين خصوصًا في كارثة لا يزال الجميع يدفع أثمانها الباهظة حتى تاريخه؟

إذن، في اعتقاد المخضرمين فإنّ الكلمة الأخيرة في “النقلة السياسيّة” لمواجهة معادلة “سليمان فرنجيّة أو الفوضى” ليست للمنطق بالمطلق بل ل”منطق اللحظة”.

والمنطق بالمطلق هو وليد تفكير هادئ وتشاور عميق، فيما “منطق اللحطة” هو وليد التفاعل وفق الأجندة التي يفرضها الآخرون.

وباسم “منطق اللحظة” هناك من يشيد، على الرغم من الكوارث التي حلّت على لبنان، بحكمة جعجع في ترئيس عون في العام 2016، على اعتبار أنّ خطوته هذه “فضحت” عون لدى المسيحيّين وأظهرته “مدمّرًا” وليس “مخلّصًا”!

وطالما أنّه بدل “النقد التقييمي” سارع البعض الى “التمجيد التسطيحي”، فإنّ لا شيء يمنع أن يتكرّر سيناريو العامين 1988 و2016، مع بعض “التغييرات الشكلية” التي تفرضها التغييرات الزمنية.

و”منطق اللحظة” يتيح الإعتقاد بأنّ تفاهمًا “عونيًّا”-“قواتيًّا” هو راهنًا في “حالة جنينيّة”، وإلّا لما كان جعجع قد ذهب الى استذكار معادلة “مخايل الضاهر أو الفوضى” من دون أن يعتذر عن “الخطأ الطبّي” الذي ارتكبه حينها، بتجريع اللبنانيّين “دواء ميشال عون”.

والمنطق السياسي الذي يتوالد عن “منطق اللحظة” يفيد بأنّ الدواء هذه المرّة لن يكون مختلفًا عن الدواء الذي جرى وصفه في العامين 1988 و2016، لأنّ جعجع، في وضعيّته السياسيّة الوطنيّة الراهنة، لا يمكن أن ينتقل من معراب الى بعبدا.

 

ولكنّ المتغيّر في هذه اللحظة أنّ جبران باسيل نفسه، بصفته وريث عون، لا يتمتّع بالأهليّة الوطنيّة والإقليميّة والدوليّة للوصول الى القصر الجمهوري.

ووضعيّتا جعجع وباسيل الحاليتان، بقدر ما تخففان من حماستهما لإبرام تفاهم جديد، تشجعان المحيطين بهما على دفعهما الى ذلك، بحيث يبتعدان معًا عن كرسي الرئاسة ويرفعان معًا شخصيّة يتفقان عليها الى هذا المنصب الدستوري الأوّل في البلاد.

وما يعطي اندفاعة لهذا التوجّه أنّ باسيل فقد حليفة الأساسي، أي “حزب الله” الذي فضّل سليمان فرنجيّة عليه، لألف سبب وسبب، في حين عجز جعجع، بعدما تفتّت “قوى 14 آذار” في “صراع الأحجام”، عن تكوين جبهة سياسيّة فاعلة، إذ إنّ الأحزاب والشخصيات المعارضة، تخشى على نفسها ومستقبلها من “نهجه التذويبي”.

وإذا كان جعجع يعتقد بأنّ “حزب الله” يخشى أيّ رئيس آخر غير فرنجية، فهذا يعني، بالنسبة ل”القوات اللبنانيّة” و”التيّار الوطني الحر”، أنّ أيّ مرشح “يصنعه اتفاقهما” من شأنه أن يفي بالغرض.

المشكلة في هذا الطرح الذي يزكّيه “منطق اللحظة” أنّ “التيّار الوطني الحر” لا يزال، ومن أجل مصالح مستقبليّة، يحافظ ليس على “شعرة معاوية” في علاقته مع “حزب الله” فحسب بل على جسور “مسحورة” أيضًا، إذ توجد في تكتله النيابي “ودائع” للحزب، في حين أنّ مراكب “القوات اللبنانيّة” محروقة، وهذا يعني أنّ “صراع الأحجام” الذي لن يلغيه أيّ تفاهم بين أقوى طرفين مسيحيّين في لبنان، في حال “أنجب” رئيسًا للجمهوريّة، سوف يكون تنفيذه لمصلحة “التحالف المصلحي المرمّم” بين “حزب الله” بما يمثّل  و”التيّار الوطني الحر” بما يطمح، وذلك على حساب “القوات اللبنانيّة” وتطلعاتها الإقليميّة.

وعليه، فإنّ الاعتقاد بأنّ معادلة “سليمان فرنجية أو الفوضى” هي تكرار لمعادلة “مخايل الضاهر أو الفوضى” يقتضي التفتيش عن دواء غير معادلة ” التفاهم القواتي-العوني”، لأنّ كوارثه ثابتة بتجارب ما بعد 1988 و2016.

 

ولا يرد أحد بالسؤال عن البديل، فالبدائل متوافرة لمن لديه عيون وآذان قادرة على الإعتراف بالآخر وسماعه بدل هذا الغرق في …عشق الأنا!

زر الذهاب إلى الأعلى