مهرجان الأغنية التونسية يستعيد رموز الزمن الجميل
النشرة الدولية –
العرب – حنان مبروك –
لا يمكن تحقيق حاضر ومستقبل أفضل دون الاستفادة من تجارب الماضي وخبراته، هذا ما آمنت به إدارة مهرجان الأغنية التونسية التي خصصت الدورة الحادية والعشرين لتثمين الرصيد الموسيقي التونسي، وتسليط الضوء على تجارب الشباب المجددين، بهدف بحث فرص لانطلاقة جديدة تعيد حضور الموسيقى التونسية محليا وعربيا وتعرّف بتجارب واعدة.
“الدنيا غناية”، هكذا يخيّل لكل عشاق الموسيقى من عازفين ومطربين وحتى مستمعين، وهكذا خيّل لإدارة الدورة الحادية والعشرين لمهرجان الأغنية التونسية، فقررت رفع شعار “الدنيا غناية” لتعيد إلى المهرجان ألقه بعد غياب لعام يتيم، شعار تأمل الهيئة المديرة أن يكون بادرة لإحياء الأغنية التونسية واستعادة مكانتها محليا وعربيا، بعد أن تأثرت خلال السنوات الماضية بالأنماط الموسيقية الغربية والهجينة، وأضرت بها الضائقة المالية التي دفعت أبناء تونس من الموسيقيين إلى الهجرة أو تغيير ثوبهم الفني بحثا عن التربّح المادي أو التموقع ضمن الموسيقى المغاربية والعربية والأفريقية وحتى العالمية.
ولأن الأغنية الجيّدة لا تموت وإن غادرنا صاحبها، فقد كانت سهرة افتتاح الدورة الحادية والعشرين للمهرجان بمثابة رحلة في الزمن، أعادت أهل الموسيقى إلى الزمن الجميل، حيث خصصت للاحتفاء بالذكرى العشرين لرحيل المطربة التونسية ذكرى محمد، ذكرى التي كانت بداياتها من مهرجان الأغنية، هي وأغلب نجوم الموسيقى التونسية، سهرة حضرها وغنى فيها عدد من الفنانين التونسيين والعرب ممن يحضرون في ذاكرة جيل الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي بأغانيهم وموسيقاهم الشهيرة، لعل أهمهم المطربين محمد الحلو وهاني شاكر وصابر الرباعي ومحمد الجبالي ونوال غشام والموسيقار صلاح الشرنوبي.
وتجلّت مظاهر الحنين إلى الماضي منذ اللحظات الأولى للحفل الذي أعاد الإعلامي التونسي الشهير حاتم بن عمارة للتقديم التلفزيوني بعد غياب لسنوات، وكان تنشيطه لسهرة الافتتاح صحبة أميمة العياري شبيها بسنوات الثمانينات والتسعينات حين كان المشاهد التونسي للتلفزيون منبهرا بأسلوب حاتم بن عمارة والراحل نجيب الخطاب، الثنائي الذي عرف بميله لتقديم السهرات الفنية ودعمه للمواهب الشابة آنذاك والتي صار بعضها اليوم نجما يحبه الآلاف وله حضوره الكبير فنيا ومنهم صابر الرباعي وجورج وسوف وكاظم الساهر وهاني شاكر وآخرون. حتى أن بن عمارة استرجع بنفسه سنوات البدايات، فبدأ يسرد القصص عن نجمة الحفل الحاضرة الغائبة ذكرى محمد، وحكايات البدايات مع المطربين والموسيقيين المشاركين في المهرجان، وهي حكايات قد تبدو للبعض غير مهمة، لكنها تكشف المسارات الفنية وشبكة العلاقات التي كانت في ما مضى تربط بين الوسط الموسيقي في تونس وليبيا ومصر، والتي أسهمت في ظهور الأسماء الفنية التي يعرفها الجمهور العربي اليوم.
وعرض الحفل شريطا مصوّرا تحدث فيه كل من الموسيقيين فتحي زغندة ورشيد يدعس والفنان شكري بوزيان والفنانة سنيا مبارك عن تاريخ المهرجان الذي انتظمت دورته الأولى في العام 1987.
وبأصوات فنانين شباب، رفرفت روح الفنانة الراحلة ذكرى، لتؤكد أنها كانت أحد أهم الأصوات التونسية والعربية، حيث قدمت أفضل أغانيها وأكثرها شهرة بأصوات تونسية وعربية.
ذكرى التي غادرتنا منذ عشرين سنة وتحديدا في نوفمبر 2003 وهي في أوج مسيرتها الفنية (من مواليد 1966) وفي قمة نجاحها حيث كانت محل اهتمام كبار الملحنين والشعراء من تونس ومصر وغيرهما من البلدان العربية، تاركة رصيدا حافلا من الأغاني الناجحة باللهجة التونسية وبعدة لهجات عربية وما لا يقل عن 16 ألبوما فنيا.
وقد حرص عدد من المطربين والموسيقيين العرب لاسيما من ليبيا ومن مصر وخاصة ممن عرفوا الفنانة الراحلة أو تعاونوا معها، على مشاركة التونسيين سهرة الوفاء والذكرى للفنانة ذكرى، غير أنه لم تتم الإشارة لحضور أي فرد من عائلتها، وهو أمر تجدر الإشارة إليه، فمثل هذا الغياب قد يكون غير متعمد لكنه قد يضع المهرجان أمام استنكار وتساؤلات أهل الراحلة، كما حصل وحدث مع مهرجانات أخرى كرّمت مبدعين وتناست استدعاء ذويهم وورثتهم، فدخلت في مشادات كلامية وحتى قانونية معهم.
وحل بتونس نخبة من الفنانين العرب الآخرين من بينهم رئيس نقابة المهن الموسيقية المصرية مصطفى كامل والمطربان الليبيان خالد الزواوي والشاب جيلاني والفنانان اللبنانيان سعد رمضان ونيكولا سعادة، بينما وجهت إدارة الدورة دعوات لأبرز نجوم الغناء التونسي لتجميعهم تحت سقف “فني” واحد، يعرّفهم بمواهب صاعدة ويوجد بينهم ولو بطريقة غير مباشرة، سوقا فنيا للتعارف وربط شبكة علاقات عبر السهرات الموسيقية والندوات الحوارية الباحثة في حاضر الموسيقى التونسية، ماضيها ومستقبلها.
لكن المشهد العام لحفل الافتتاح، اهتم أكثر بماضي الأغنية التونسية ومجدها، حيث لم تشهد تونس منذ سنوات ولادة نجم كبير قادر على المنافسة عربيا، أو هو يحظى بشعبية محلية وثقل عربي كما حظي به فنانون برزوا في تسعينات القرن الماضي. كما اهتم بماضي الأغنية العربية، فغنى محمد الحلو تتر المسلسل الشهير ليالي الحلمية، الذي عرض لأول مرة عام 1987 وكتب شارته الراحل سيد حجاب، والمسلسل يذكّر بالراحل أيضا أسامة أنور عكاشة وأعماله الدرامية الشهيرة. كذلك اختار هاني شاكر أغنية من سجله القديم.
وكرّم المهرجان في سهرة الانطلاق مجموعة من الفنانين الذين ربطتهم علاقات مع الفنانة الراحلة ذكرى كان أوّلهم الموسيقار التونسي عبدالرحمن العيادي والموزع المصري هاني عبدالكريم والموسيقار المصري صلاح الشرنوبي، فضلا عن الإعلامية المصرية منى الشاذلي التي شددت على محبتها لتونس على طريقة الشاعر بيرم التونسي.
ورأى رئيس لجنة تنظيم المهرجان محمد الهادي الجويني أن الدورة الحادية والعشرين ستكون نقطة تحول في تاريخ المهرجان الذي يشهد انطلاقة جديدة تقوم على مبدأ لمّ شمل الفنانين من كل المشارب سواء كانوا فناني الأداء أو كتاب الأغاني أو الملحنين أو صناع المحتوى، مؤكدا أن المهرجان يسعى لتحقيق تلك المعادلة المتمثلة في منح الأغنية التونسية الأصيلة الموقع الذي تستحقه بالتوازي مع فتح المجال أمام الأنماط الجديدة وأشكال التعبير الفني المبتكرة.
وفي كلمتها بالمناسبة، شددت وزيرة الشؤون الثقافية حياة قطاط القرمازي على أهمية الحفاظ على خصوصيات الأغنية التونسية وعلى أصالتها بالتوازي مع الانفتاح على أنماط جديدة داعية الفنانين إلى المزيد من البذل الإبداعي والتجديد وتطوير الأغنية حتى يبقى صوت الطرب الموسيقي الراقي صادحا في تونس ويصل صداه إلى محيطها الإقليمي.
وللتذكير، فإن مهرجان الأغنية الوطنية ينظم مسابقتين رسميتين تشهدان تنافسا حادا بين أصحاب 24 عملا موسيقيا منها 14 عملا مصنفا ضمن الألوان المحلية و10 أغان في صنف الأنماط الجديدة. وتتكون لجنة التحكيم من مجموعة من الفنانين والشعراء والملحنين المشهود لهم بالكفاءة ويرأسها الفنان عدنان الشواشي.
وتتنوع مواضيع الأغاني المتنافسة على الجوائز، وهي وإن سار بعضها نحو الأغاني العاطفية، فقد جاء بعضها الآخر مبتكرا ومجددا
وطارحا لمواضيع مختلفة وآنية تهم الشارع التونسي منها الهجرة غير الشرعية، وطموحات الشباب التونسي.
وطوال أسبوع، ستتجه أنظار المراقبين والنقاد إلى المسابقتين الرئيسيتين للمهرجان وإلى النتائج التي ستفرزها لجنة التحكيم المتكونة من كل من المطرب والملحن عدنان الشواشي والمطرب والملحن مقداد السهيلي والملحنين الطاهر القيزاني وأسامة فرحات والمطربة عليا بلعيد والشاعر الغنائي الجليدي العويني والعازف والملحن نبيل عبد مولاه.
وكان قد ترشح 102 من الأعمال الغنائية للمشاركة في مسابقة الألوان المحلية جرى فرزها واختيار 14 أغنية منها، وهي “هسّس عليّ” كلمات وألحان وتوزيع قيس الزائري وأداء عزالدين خلفة، و”تعبت” كلمات يسر الحمزاوي وألحان غانم البوسليمي وتوزيع مروان الزائدي وغناء أمير الخماسي، و”ما ننساش” كلمات وألحان عبدالرحمن القريشي وتوزيع أسامة المهيدي وغناء حمزة الفضلاوي، و”نغني” كلمات سيرين الشكيلي وألحان وتوزيع محمد علي كمون وغناء مريم العثماني وأسامة النابلي، و”نادت عليّ باسمي” كلمات وألحان الحبيب المحنوش وتوزيع منير الغضاب وغناء حاتم نورالدين، و”محتاجة ليك” كلمات بشير اللقاني وألحان وتوزيع محسن الماطري وغناء نهلة الشعباني.
أما في مسابقة الأنماط الجديدة، فقد اختارت لجنة الانتقاء ثمانية أعمال، هي “القلب الصافي” لمريم عزيزي من كلماتها وألحانها وتوزيع محسن الماطري، و”كلام الرجالة” لأحمد عنتر وعبدالله الخياط من كلمات وألحان عبدالله الخياط وتوزيع أحمد عنتر، و”مرايا” لمحمد علي شبيل، كلمات سيرين شكيلي وألحان وتوزيع محمد بن صالحة، و”خليني نتنفس” لسحر مزيد من كلماتها وألحانها وتوزيع سفيان الحيدوري، و”روحي وين” لمحمد علي الطاهر كلمات وألحان صبري الحاجي، وتوزيع أسامة المهيدي، و”ملامة عشقة” لبلال المطماطي من كلماته وألحان وتوزيع محي الدين قدور، و”سبعة سنين” لنور عمار من كلماتها وألحانها وتوزيع عبدالمنعم عمار، و”مكتوب” لشيماء بن حسن من كلمات وألحان حاتم القيزاني ، و”حكى لي بالليل” لأنيس الدريدي كلمات سيف الدين اللواتي وألحان أنيس الدريدي وتوزيع رشاد الأشهب، و”اداني زهري” لحمدي السعفي من كلماته وألحانه وتوزيع محمد رياض بلغيث.
وخصصت إدارة المهرجان عددا من الجوائز للمسابقتين الرسميتين وهي جائزة المايكروفون الذهبي والمايكروفون الفضي والمايكروفون البرونزي، وخصصت لمسابقة “الأنماط الجديدة” كلا من المايكروفون الذهبي والمايكروفون الفضي بالإضافة إلى عدد من الجوائز الموازية التي تتمثل في جوائز المؤسسة التونسية لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة أفضل شاعر شاب وملحن شاب ومغنّ شاب وجائزة اتحاد إذاعات الدول العربية وجائزة الجمهور.