رسائل سياسية حملها عسكريون أميركيون إلى الشرق الأوسط
نفوذ إيران تنامى بشكل كبير وازدادت قوتها الناعمة والعسكرية من اليمن إلى لبنان مروراً بالعراق وسوريا
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية –
لا يمكن فصل التصريحات والزيارات واللقاءات التي تجري في المنطقة عن تطورات النزاع الأوكراني أو ربما تكون حلقة متصلة بتصعيدات قد تحصل ومن الممكن أن تؤدي إلى حرب.
رئيس الأركان الأميركي الجنرال مارك ميلي أجرى زيارة مفاجئة في الرابع من مارس (آذار) الحالي إلى سوريا، قيل إنها لتقييم مهمة عمرها ثمانية أعوام في محاربة تنظيم “داعش”، ومراجعة إجراءات حماية القوات الأميركية المنتشرة شمال شرقي سوريا، من أي هجوم، التي ما زالت تتابع عملياتها ضد فلول التنظيم الإرهابي المنتشرة في البادية الشرقية، وعلى الحدود العراقية السورية.
ونقل الصحافيون الذين رافقوا ميلي خلال الزيارة اعتقاده أن القوات الأميركية وما سماهم شركاءهم السوريين الذين يقودهم الأكراد، يحرزون تقدماً في ضمان هزيمة دائمة لتنظيم “داعش”.
ولدى سؤاله عما إذا كان يعتقد أن مهمة سوريا تستحق المخاطرة، فإن ميلي ربطها بأمن الولايات المتحدة وحلفائها، قائلاً “إذا كنت تعتقد أن هذا مهم، فإن الإجابة هي نعم”.
جاءت الزيارة في وقت صدرت فيه عن وزارة الدفاع الأميركية تحذيرات لروسيا من أن عمليات إمداد إيران بالأسلحة ستشجع “الحرس الثوري” وحلفاء طهران على توسيع انتشارهم ونفوذهم في الدول العربية.
الجنرال ميلي استهل جولته بزيارة إسرائيل، وكان له زيارة للمغرب أيضاً، وجدير بالذكر أن الولايات المتحدة تحتفظ بقوة يقارب عديدها 900 جندي وضابط في سوريا، وهي تعمل على منع تنظيم “داعش” من إعادة التجمع وتطويع مزيد من المقاتلين.
كما تسهم القوات الأميركية في ضبط ما يقارب 10 آلاف سجين من “داعش” لدى “قسد” في منطقة الحسكة، كما تساعد القوات الكردية على التسلح والتدريب في مناطق الشمال السوري، وتدريب وتأهيل القوات العراقية ورفع قدراتها وكفاءاتها العسكرية من أجل تمكين الحكومة العراقية من استعادة سيطرتها وسيادتها على أراضيها.
الوجود العسكري
بموازاة ذلك، حط وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في العاصمة العراقية بغداد، في زيارة غير معلنة، ونقلت “بي بي سي” عن مسؤول أميركي قوله، إن هذه الزيارة تهدف إلى إظهار التزام واشنطن بالحفاظ على وجودها العسكري في العراق بعد نحو 20 عاماً من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة إلى جانب تحالف دولي لإطاحة نظام صدام حسين.
وغرد أوستن على موقع “تويتر” لدى هبوطه في بغداد، “أنا هنا لأعيد تأكيد الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والعراق بينما نمضي قدماً نحو عراق أكثر أمناً واستقراراً وسيادة”.
جولة أوستن شملت إسرائيل ومصر والأردن. واعتبر مسؤول عسكري أميركي أن هدف الزيارة هو “طمأنة الحلفاء في الشرق الأوسط، وتوجيه رسائل صريحة لزعماء إسرائيل ومصر”.
وخلال زيارته لمركز تدريب مشترك بالقرب من العاصمة الأردنية عمان، قال أوستن للصحافيين “لقد أثبتنا مراراً أن بإمكاننا زيادة القدرات بسرعة في أي جزء من العالم عند الحاجة، خصوصاً هنا في الشرق الأوسط، لأننا نعمل هنا منذ أكثر من 20 عاماً”.
وقال الجنرال في المشاة البحرية الأميركية السابق فرانك ماكنزي، الذي يرأس الآن معهد الأمن القومي والعالمي التابع لجامعة ساوث فلوريدا، وترأس القوات الأميركية في الشرق الأوسط حتى العام الماضي لـ”رويترز”، “أعتقد أن هذه الرحلة مثال ممتاز لفرصة مواصلة إبلاغ الناس في المنطقة أنهم ما زالوا مهمين بالنسبة لنا”.
وعلق مصدر أميركي في وزارة الخارجية على زيارة الجنرالين الأميركيين أوستن وميلي بالقول “حيث يوجد مارك ميلي لا توجد دبلوماسية”، وأن أهداف الزيارتين تتلخص بـ”التحرك ضد التهديد الإيراني في المنطقة”، بحسب تقارير إعلامية.
متأخرة للغاية
زار المنطقة خلال الشهرين الماضيين أرفع المسؤولين الأميركيين، وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، الذي حط في إسرائيل، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز في زيارة نادرة إلى ليبيا.
وفي تعليق لمساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد ماك، والمتخصص حالياً في المجلس الأطلسي، على زيارة أوستن، قال “إنها جاءت متأخرة للغاية”.
وأشار ماك في تصريحات تلفزيونية إلى أن “واشنطن عقدت أخيراً اجتماعات رفيعة المستوى مع كبار القادة الدوليين في ما يتعلق بالحرب الروسية- الأوكرانية والقلق المتزايد في شأن الصين في الشرق الأقصى وجنوب آسيا وأفريقيا، كما عززت المستوى العالي من العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي فيما يتعلق بإيران”.
وأضاف أنه “على النقيض من ذلك، أهملت أميركا علاقاتها مع الأردن ومصر، وهما شريكان رئيسان لهما دور كبير في الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني”.
بدوره لفت الباحث في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية في جامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون ديفيد دي روش إلى أن توقيت زيارة الجنرال أوستن للمنطقة مهم بصورة استثنائية.
واعتبر روش أن “التوقيت مهم بشكل خاص بسبب اكتشاف الوكالة الدولية للطاقة الذرية لجزيئات اليورانيوم عالية التخصيب ذات الأصل غير المحدد في إيران، وهو ما زاد من القلق في شأن إمكانية تطوير إيران لسلاح نووي في وقت قصير جداً، واحتمال مبادرة إسرائيل لشن هجوم على إيران، ومن المهم أن يشارك أوستن ما لديه من معلومات مع شركائنا الأمنيين، وكذلك لطمأنتهم في شأن التزام الولايات المتحدة تجاه المنطقة”.
وقال روش، إن إعادة اكتشاف الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمواد مخصبة في بعض المواقع الإيرانية “لن يؤدي إلا إلى تأكيد الاعتقاد الإسرائيلي العميق بأن النهج الحالي لواشنطن سيؤدي في النهاية إلى حصول إيران على قنبلة”.
ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة بغداد إحسان الشمري، في حديث إعلامي، أن زيارة أوستن في هذا التوقيت تحمل مؤشرات في شأن مستقبل العلاقات مع العراق خصوصاً، والشرق الأوسط عامة، وهي “رسالة وجود وبقاء” من جانب واشنطن في العراق. وتأكيد أن العراق يتصدر أولويات أجندة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، برفع مستوى التعامل بين البلدين.
وتوقع أستاذ العلوم السياسية أن تناقش الزيارة ملفات أمنية وعسكرية، خصوصاً مع زيادة التوتر بين موسكو وواشنطن، منها التعاون الاستخباراتي، وإنهاء فوضى السلاح في العراق، وملف الفصائل المسلحة (التي يوالي كثير منها إيران)، إضافة لمحاربة تنظيم “داعش” الإرهابي.
وأضاف الشمري أن الزيارة قد تتضمن التنسيق بعد طرح رئيس الحكومة العراقي محمد شياع السوداني مبادرة تقريب وجهات النظر بين دول المنطقة.
وبحسب معلومات موقع “أساس” تخطط الولايات المتحدة لإطلاق عملية عسكرية تقوم بها “قسد” و”الجيش السوري الحر” ضد الميليشيات الإيرانية على الحدود مع العراق بهدف إقفال طريق طهران- بغداد- البوكمال- دمشق- بيروت، بالتالي ربط قاعدة التنف في جنوب شرقي سوريا بمنطقة شرق الفرات.
كما أبلغ ميلي قادة المجموعات أن الولايات المتحدة تنوي رفع عديدها إلى 1500 عسكري لردع أي هجوم تركي محتمل ضد “قسد” قد تستفيد منه إيران لدخول منطقة شرق الفرات، وهذا رد على الأصوات التي علت في واشنطن وطالبت بالانسحاب من سوريا.
وبالفعل فشل مجلس النواب الأميركي، أخيراً، في تمرير مسودة قانون يطالب الرئيس بايدن بسحب القوات الأميركية من سوريا، حيث صوت 103 نواب من الكونغرس لصالح القرار، بينما رفضه 312 نائباً.
حرب دبلوماسية مشتعلة
تتشابك الظروف وتتعقد، ويبدو أن واشنطن تحشد حلفاءها الأوروبيين والأفارقة في حربها المعلنة ضد روسيا، بعد أن خصصت مقدرات مالية وعسكرية ضخمة لدعم أوكرانيا. وهنا من المفيد الإشارة إلى زيارة الجنرال ميلي إلى المغرب، في ظل التقارب الجزائري الروسي- الإيراني، حيث سبقت زيارته إلى المغرب زيارات سابقة لمسؤولين عسكريين إسرائيليين في الآونة الأخيرة.
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد حط في أفريقيا عبر زيارتين وبأقل من شهر، في يناير (كانون الثاني) قادته جولته الأفريقية الأولى إلى جنوب أفريقيا وإسواتيني وأنغولا وإريتريا، وزار مالي وموريتانيا والسودان في فبراير (شباط) الماضي.
أحد أبرز عناوين جولة لافروف هو التحضير للقمة الأفريقية الروسية في يوليو (تموز) المقبل، يأتي كل هذا مع زيارة لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان الذي وصل دمشق، أمس الخميس، والتقى المسؤولين السوريين وعلى رأسهم رئيس النظام السوري بشار الأسد، لبحث العلاقات الثنائية والمستجدات بالمنطقة.
يأتي ذلك إضافة إلى ما أعلن عنه وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو بأن نواب وزراء خارجية روسيا وتركيا وسوريا وإيران سيجتمعون في موسكو، الأسبوع المقبل، قبل محادثات مقررة بين وزراء خارجية الدول الأربع لاحقاً، إنها حرب دبلوماسية مشتعلة، لكن هل تؤدي ذلك إلى حرب عسكرية؟
استعدادات وتصعيدات
في لقاء خاص مع نحو 200 شخصية فكرية وسياسية وإعلامية من عدد من الدول العربية والإسلامية وضمن إطار “مؤتمر رابطة المحللين والخبراء السياسيين”، كما أعلن عنه، تحدث أمين عام “حزب الله” حسن نصر الله عن المعركة الكبرى التي يتم التحضير لها في كل المنطقة، وهي معركة “تحرير فلسطين”، بحسب تعبيره.
وأكد نصر الله “أن كل القدرات والإمكانات والتجهيزات أصبحت متوفرة بانتظار ساعة الصفر، وأنه إذا تدخل الأميركيون في هذا الصراع فهذا سيزيد من أهمية المعركة ودلالاتها الكبرى”.
وعلى رغم اعترافه بحجم التحديات التي يواجهها “محور المقاومة” اليوم على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، فإنه أكد “أن هذا المحور أصبح أكثر تماسكاً وقوة اليوم، وهناك إرادة قوية للمواجهة والصمود والاستعداد الكامل للرد على أي عدوان صهيوني كبير يستهدف المنطقة”.
يأتي هذا في وقت نقلت “قناة 13” الإسرائيلية تقارير تفيد أن إيران نقلت إلى روسيا قبل نحو شهر 200 حاوية تحتوي على 100 مليون رصاصة و300 ألف قذيفة وصواريخ ومدافع ومستلزمات أخرى.
وعن هذا الموضوع نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، في السابع من مارس الحالي، تقريراً لمراسليها في لندن وبروكسل وواشنطن، قالوا فيه إن روسيا تتردد في شراء صواريخ باليستية من إيران، خوفاً من قيام حلفاء أوكرانيا بتزويد كييف بصواريخ بعيدة المدى، وفقاً لتقديرات المسؤولين الغربيين.
وكانت إيران أرسلت مئات المسيرات المسلحة إلى روسيا، التي استخدمت لمهاجمة البنية التحتية الحيوية في أوكرانيا. وتعتقد العواصم الغربية أن طهران منفتحة على مزيد من التعاون العسكري مع موسكو، لكن على رغم الضغوط على إمداداتها الخاصة، امتنعت روسيا حتى الآن عن شراء الصواريخ الباليستية طويلة المدى الإيرانية التي تطير أسرع من سرعة الصوت ولديها حمولات متفجرة أكبر.
أحد العوامل المهمة، وفقاً لتقديرات دول الناتو، هو تهديد الولايات المتحدة بتزويد كييف العاصمة الأوكرانية بنظام الصواريخ ATACMS” ” الذي طال انتظاره، التي يمكن أن يصل مداها 300 كيلومتر إلى عمق الأراضي التي تسيطر عليها روسيا.
وفي السياق صدر بيان فرنسي- بريطاني- ألماني مشترك، عبر عن قلق الدول المعنية، في شأن إعلان إيران تركيب مزيد من أجهزة الطرد المركزي في محطة “فردو”.
وأعلنت الدول الثلاث أنها ستحاسب إيران إذا لم تنفذ الإجراءات المتفق عليها مع الوكالة الدولية للطاقة كاملة. وقالت إنه لا يوجد تبرير مدني لتخصيب إيران اليورانيوم بنسبة 60 في المئة. وجدد البيان الدعوة لإيران إلى عدم الشروع في أي أعمال أخرى تتعلق بتخصيب اليورانيوم.
من جانبه، قال السفير الإسرائيلي في واشنطن مايكل هرتسوغ إن بلاده والولايات المتحدة “أقرب بكثير” من أي وقت مضى في ما يتعلق بالملف الإيراني.
وأضاف في مؤتمر نظمته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية في لوس أنجليس بالولايات المتحدة أن إبرام اتفاق نووي مع إيران “ليس خياراً مطروحاً”، كل هذا لا يمكن فصله عن سياق ما يجري بين الفلسطينيين وإسرائيل، وما تواجهه حكومة بنيامين نتنياهو من احتجاجات.
التفوق الإيراني
اعتبر تقرير لـ”معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” نشر في السابع من مارس أن نفوذ إيران قد تنامى في الشرق الأوسط بشكل كبير في العقد الماضي. وازدادت قوتها الناعمة والعسكرية من اليمن إلى لبنان مروراً بالعراق وسوريا، كما عززت سيطرتها على المؤسسات الحكومية في هذه البلدان.
وعلى رغم الدمار والانهيار الاقتصادي الذي أعقب ذلك، لا تزال القرارات السياسية والأمنية بيد إيران، خصوصاً في بلاد الشام. ويعود ذلك إلى عوامل كثيرة، لكن بالتأكيد ليس لكون إيران أقوى من الجهات الفاعلة الأخرى في المنطقة، وليس بسبب امتلاكها مزيداً من الموارد. على العكس من ذلك، فالنظام الإيراني يدرك جيداً كيف ينتظر بصبر إلى أن يتم فتح المجال، فيقوم بمهارة بملء الفجوة بميليشياته والموارد القليلة التي يمكنه توفيرها.
ويعود سبب التفوق الإيراني إلى الفراغ الذي خلفته القوى الغربية ودول الخليج والولايات المتحدة، بحسب التقرير، فلم تعد سوريا ولبنان يشكلان أولوية بالنسبة إلى الغرب ودول الخليج، بالتالي تمكن النظام الإيراني من غرس جذوره في بلاد الشام من دون مواجهة عسكرية تذكر نتيجة غياب الاهتمام السابق بالمنطقة، بل باستخدام خطاب معزز من التهديدات والترهيب.
ويعتمد التقرير على الحالة اللبنانية كمثال، يقول إن “حزب الله” تمكن من القضاء على فريق “14 آذار” في لبنان والمعارضة في سوريا بسرعة وبعنف في ظل غياب الدعم من الغرب، ونظراً إلى عدم وجود سياسة مستدامة لمعارضة سيطرة طهران على هذين البلدين، فقد سقطت مؤسسات الدولة في حضن إيران بشكل سريع.