الاتفاق الأمنى السعودى- الإيرانى.. حكاية الدب الغزال!
بقلم: حسين دعسة

النشرة الدولية –

في تطور مهم سياسيا أمنيا واقتصاديا، جاءت  مفاجأة ما.. فقد أعلن عن انتهاء مفاوضات  مختلفة في سياقها السياسي والأمني، عبر تأكيد من المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، وإعادة فتح سفارتي البلدين وممثلياتهما خلال 60 يوماً، وفق محادثات، تمت بسرية مطلقة في مراحلها الأخيرة شاركت فيها الرئاسة  الصينية.

الصحيفة الأميركية، الأكثر تأثيرا “نيويورك تايمز”، اعتبرت الحدث: «‏صفقة بوساطة صينية تقلب دبلوماسية الشرق الأوسط وتشكل تحديًا للولايات المتحدة»، وتباين مواقف عديد دول وتكتلات وأحلاف العالم، فقد دخل الدب، حضن الغزال؛ ذلك أن، في عالم اليوم، لا أحد يستطيع أن يدرك من هو” الدب”، أو من هو “الغزال” في غايات وأسرار ما حدث، على الأقل خلال الفرصة المتاحة خلال الأسابيع الـ8 المقبلة.

المؤشرات الرسمية كشفت عن أن جمهورية الصين الشعبية مثلها شخصية سياسية رفيعة المستوى: “وانغ يي”، عضو المكتب السياسي للجنة المركزية ومدير المكتب للجنة الشئون الخارجية التابعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني.

فيما خاض المفاوضات عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية: “علي شمخاني”، أمين المجلس الأعلى للأمـــن القـــومـي.

في ذات الوقت تم الكشف عن مفاوض المملكة العربية السعودية، في العملية التي مثلها: “مساعد بن محمد العيبان”، وزير الـدولـة عضـو مجلـس الوزراء، مستشار الأمن الوطني.

* عن البيان الثلاثي المشترك.

في أقل من 6 ساعات كان العالم قد أدرك حيوية نتائج أخطر مفاوضات تتم بنجاح، وسط اختلاط أزمات العالم نتيجة استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وما نتج عنها من أزمة اقتصادية، وإنسانية وعسكرية، قد تقود البشرية نحو الحرب العالمية الثالثة، إذا ما بقيت الولايات المتحدة وحلف الناتو، في متون هذا الصراع الأمني، بكل مؤشرات السلبية الأممية.

يلاحظ أي محلل استراتيجي أن الجيوسياسية الأمنية، بين قارات العالم، حكمت ما ورد في البيان للثلاثي المشترك، «السعودية وإيران» من جهة أساسية و«الصين الشعبية»، من جهة أخرى، ضامنة لإتمام مدلولات ونتائج هذا الاتفاق الصعب.

* وثيقة نص البيان السعودي- الإيراني- الصيني

في ديباجة “وثيقة” البيان السعودي- الإيراني- الصيني، محددات وحقائق، هي التي جعلت من نجاح المفاوضات، نقطة تحول جيوسياسية أمنية، ودولية، وفق:

* أولًا:

ما تم، يعد استجابة لمبادرة كريمة من فخامة الرئيس شي جين بينغ، رئيس جمهورية الصين الشعبية، بدعم الصين لتطوير علاقات حسن الجوار بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبناءً على الاتفاق بين فخامة الرئيس شي جين بينغ وكلٍ من قيادتي المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية.

* ثانيًا:

أن تقوم جمهورية الصين الشعبية باستضافة ورعاية المباحثات بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، ورغبة منهما في حل الخلافات بينهما من خلال الحوار والدبلوماسية في إطار الروابط الأخوية التي تجمع بينهما، والتزاماً منهما بمبادئ ومقاصد ميثاقي الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، والمواثيق والأعراف الدولية.

* ثالثًا:

المفاوضات، جرت في الفترة من 6- 10 مارس 2023م في بكين، مباحثات بين وفدي المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، برئاسة الدكتور مساعد بن محمد العيبان، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء مستشار الأمن الوطني في المملكة العربية السعودية، والأدميرال علي شمخاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

 

* رابعًا:

أعرب الجانبان السعودي والإيراني عن تقديرهما وشكرهما لجمهورية العراق وسلطنة عمان لاستضافتهما جولات الحوار التي جرت بين الجانبين خلال عامي 2021- 2022م، كما أعرب الجانبان عن تقديرهما وشكرهما لقيادة وحكومة جمهورية الصين الشعبية على استضافة المباحثات ورعايتها وجهود إنجاحها.

 

* خامسًا:

تعلن الدول الثلاث أنه تم توصل المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى اتفاق يتضمن الموافقة على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران.

* سادسًا:

التأكيد، على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شئونها الداخلية، واتفقا على أن يعقد وزيرا الخارجية في البلدين اجتماعاً لتفعيل ذلك وترتيب تبادل السفراء ومناقشة سبل تعزيز العلاقات بينهما.

 

الجزء الثاني

..

 

* سابعًا:

الاتفاق، على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بينهما، الموقعة في 22- 1- 1422هـ، الموافق 17- 4- 2001م، والاتفاقية العامة للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، الموقعة بتاريخ 2- 2- 1419هـ الموافق 27- 5- 1998م.

 

* ثامنًا:

أعربت كل من الدول الثلاث عن حرصها على بذل الجهود كافة لتعزيز السلم، والأمن الإقليمي والدولي.

 

* نهاية مرحلة، وبداية مختلفة.

بالتأكيد، مئات ردود الفعل الدولية، لعل أبرزها ما جاء في ترحيب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بالاتفاق بين السعودية وإيران لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما؛ ذلك أن علاقات حسن الجوار بين المملكة وإيران ضرورية لاستقرار منطقة الخليج؛ بل وربما المنطقة والإقليم.

 

.. ‏لوعي تلك “الصفقة”، بحسب مصطلح الإعلام الأمريكي، نعود إلى درايتهم عن دلالات أن الاتفاق يعني انقلابا.. بوساطة صينية، تقلب دبلوماسية الشرق الأوسط وتشكل تحديًا للولايات المتحدة، بمعنى تحييد الدبلوماسية المشتتة، التقليدية لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، في وقت من أخطر مرشحات التاريخ العسكري والأمني، فقد استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية، وحلف الناتو، جعل القارات تتدحرج على طاولة الحرب الروسية الأوكرانية، عبر مبدأ هيمنة الأقطاب، في وقت الحروب السيبرانية، وتباين لغة دبلوماسية الفوضى.

.. تقول النيويورك تايمز:

وأخيرًا.. هناك اتفاق سلام من نوع ما في الشرق الأوسط؛ لكنه ليس بين إسرائيل والعرب، بل بين السعودية وإيران، اللتين كانتا تتصارعان معًا منذ عقود.. والوسيط ليس الولايات المتحدة بل الصين.

 

.. ومع تركيز الإعلام هنا على معنى جيوسياسية التفاوض وإدارة الأزمات، لفتت الصحيفة إلى أن: “يعد هذا من بين أكثر التطورات التي يمكن أن يتخيلها أي شخص وأكثرها تقلبًا، وهو التحول الذي ترك الرءوس تدور في العواصم حول العالم” .

 

.. ولأن القناعات، أن الحدث، مجرد مرحلة لبداية، قد تسبقها نهاية غير متوقعة، إلا أن  الاهتمام الواسع، إعلاميا، نقل القصة إلى حدود، تلك الأزمة الأساس، صراع الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، بحثا عن ساحات للهيمنة، بالتالي، يجب ألا ننسى أن إيران، وغيرها من الدول، ما زالت تملك صفة شمخلب قط»؛ ذلك أن حقائق الصراع الأيديولوجي والاقتصادي والأمني يعيننا على عدم الثقة، وهذا تحكمه ظروف دبلوماسية مزقها ذوبان العالم الراقي وبدأ انهيار المنظمات الدولية والأحلام والاقتصاديات الكبرى التي تتحكم بالطاقة والزراعة والصناعة والصحة.

.. لهذا من الجائز فهم اهتمام «نيويورك تايمز»، وإشاراتها الجريئة إلى مجموعة من النقاط التي ربما تضع مؤشرات الآتي، من أبرز تحليلات افتتاحية الصحيفة، التي ذيلت التقرير بقصص حول العلاقة الأميركية والشرق الأوسط، تحديدا السعودية اليوم:

* أولًا:

لقد انقلبت التحالفات والمنافسات السياسية التي حكمت الدبلوماسية لأجيال في الوقت الحالي على الأقل.

 

– أ:

الأمريكيون، الذين كانوا الفاعلين المركزيين في الشرق الأوسط على مدى ثلاثة أرباع القرن الماضي، وهم دائمًا الموجودون في الغرف، يجدون أنفسهم الآن على الهامش خلال لحظة تغيير مهم.

 

– ب:

أما الصينيون، الذين لعبوا لسنوات دورًا ثانويًا فقط في المنطقة، حولوا أنفسهم فجأة إلى لاعب قوي جديد.

 

– ج:

والإسرائيليون، الذين كانوا يغازلون السعوديين ضد خصومهم المشتركين في طهران، يتساءلون الآن أين موقعهم من كل ما يحدث.

 

* ثانيًا:

تقول إيمي هوثورن، نائبة مدير الأبحاث في مشروع الشرق الأوسط للديمقراطية، وهي مجموعة غير ربحية في واشنطن: “لا توجد طريقة للالتفاف حول الحقيقة- إنها صفقة كبيرة” مضيفة: “نعم، لا يمكن للولايات المتحدة أن تتوسط في مثل هذه الصفقة الآن مع إيران على وجه التحديد، حيث لا توجد لدينا علاقات، ولكن بالمعنى الأكبر فإن الإنجاز المرموق للصين يقفز بها إلى مرحلة جديدة دبلوماسيًا ويتفوق على أي شيء تمكنت الولايات المتحدة من تحقيقه في المنطقة منذ أن تولى بايدن منصبه”.

 

الجزء الثالث:

 

* ثالثًا:

رحب البيت الأبيض علنًا بإعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران ولم يعرب عن قلق صريح بشأن دور بكين في إعادة العلاقات بينهما، لكن في السر، أشار مساعدو بايدن إلى أنه ليس مؤشرًا على اختراق كبير، مستهزئين من الاقتراحات بأن الصفقة تشير إلى أي تآكل في النفوذ الأمريكي في المنطقة.

 

* رابعًا:

قال محللون مستقلون إنه لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى سيذهب التقارب بين السعودية وإيران بالفعل.

 

* خامسًا:

بعد عقود من المنافسة العنيفة أحيانًا على القيادة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي الأوسع، لا يمثل قرار إعادة فتح السفارات التي أُغلقت في عام 2016 سوى خطوة أولى.

.. وعند هذه النقطة، تابعت الصحيفة: “هذا لا يعني أن سُنة الرياض وشيعة طهران قد وضعوا جانبا كل خلافاتهم العميقة الباطنية” .

 

* سادسًا:

في الواقع، من المتصور أن هذه الاتفاقية الجديدة لتبادل السفراء قد لا يتم تنفيذها حتى في النهاية، بالنظر إلى أنها وضعت في جدول زمني حذر مدته شهران لوضع التفاصيل.

 

* سابعًا:

مفتاح الاتفاق، بحسب ما قاله السعوديون للأمريكيين، كان التزام إيران بوقف المزيد من الهجمات على السعودية وتقليص الدعم للجماعات المتشددة التي استهدفت المملكة.

 

* ثامنًا:

خاضت إيران والسعودية فعليًا حربًا مدمرة بالوكالة في اليمن، حيث حارب المتمردون الحوثيون المتحالفون مع طهران القوات السعودية لمدة ثماني سنوات، وأدت الهدنة التي تم التفاوض عليها بدعم من الأمم المتحدة وإدارة بايدن العام الماضي إلى وقف الأعمال العدائية إلى حد كبير.

قدرت الأمم المتحدة أوائل العام الماضي أن أكثر من 377 ألف شخص لقوا حتفهم خلال الحرب بسبب العنف أو الجوع أو المرض، وفي الوقت نفسه، أطلق الحوثيون مئات الصواريخ والطائرات المسيرة على السعودية.

 

* تاسعًا:

سعت السعودية إلى وقف الأعمال العدائية مع إيران لسنوات، أولاً من خلال المحادثات التي عُقدت في بغداد والتي لم تسفر في نهاية المطاف عن أي مكان، وقال مسئولو إدارة بايدن إن السعوديين أطلعوهم على المناقشات في بكين، لكن الأمريكيين عبروا عن شكوكهم في أن تفي إيران بالتزاماتها الجديدة.

 

* تبادل الأماكن.. ممكن!

 

عندما يوصف الاتفاق بأنه «يُعد ركيزة أساسية لتطور العلاقات بين الدول وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة”، يلزم ذلك، أن على المفاوضات، أن يكون قد قرأ ما “قد” يدعم، يعزز السلم والأمن الإقليميين والدوليين، في وسط محيط جيوسياسي يحيط بكل دول العالم، فقد زادت التوترات، وهذا فتح المجال لغياب متوقع لمنظمات السلم والأمن العالمي، نتيجة شلل القدرات على مواكبة ما يحدث.

* .. عمليا:

قطعا لن يكون الاتفاق، المفهوم السياسي الأمني، أو المفهوم التاريخي، فارقة دبلوماسية للصين..؛ ذلك أن ما يحدث في الكوكب الصيني مجرد ترديد أصداء في منطقة لن تخرج عن هيمنة السياسة أو الدبلوماسية، التي تعنى للولايات المتحدة سيادة منطق القوة، وبناء جديد التحالفات، الأمن والأمن السيبراني، والجدول من كل الأقطاب الأوروبية، فيما يتعلق بطبيعة السيادة والحوار المدني، والتصدي لأي خروج عن ذلك.

.. طبيعة المنطقة والإقليم تذوب وسط أزمات داخلية وحروب ونزاعات إثنية طائفية، المعتاد أن الصين لن تستمر في الوساطات، لأنها تبحث عن نجاتها من العصا الأميركية، فيما لن تنفع الجزيرة في تقويض موازين الأمن والسلم، دون حسم الاتجاهات التي تتحرك بينها ونحوها البوصلة.

.. في المحصلة، وربما على مدار النار التي تتناثر شرارتها من وسط أوكرانيا، ستضع الصين بيضها مع الغرب.. وسنرى!

 

[email protected]

مدير تحرير في جريدة الرأي الأردنية

زر الذهاب إلى الأعلى